الصحـــوة القبطيـــة: ثانيا : الأقبـــاط/ أنطـــونـــي ولســـن

الأقباط هم الورثة الشرعيون لفراعنة مصر . وهم يمثلون الإنتقال الطبيعي بعد ضعف الدولة الفرعونية المصرية والممثلة في فرعون طفل ليس له هيئة الفراعنة ولا هيبتهم مع إزدياد نفوذ الكهنة ، مما جعل البلاد في وضع غير مستقر .
دخل الإسكندر الأكبر مصر كما أوضحنا في المقال السابق إبنا لإله مصر " أمون رع "وسُلمت له البلاد واندمج الفاتح مع إبن البلد وأخرجوا لنا لقبا جديدا مع اللغة الجديدة وسمي المصري " إيجيبتوس " بمعنى " قبطي " حاليا . وأصبحت مصر قبطية ، والمصريون أقباطا وإندثرت اللغة الفرعونية " الهيروغليفية " على الرغم أن حكم البطالمة لم يكن حكما قاسيا فيه إرغام وديكتاتورية . ولم تكن المسيحية قد ظهرت بعد . وهنا أعيب على هذه الحقبة من تاريخ مصر بعدم تمسك الشعب المصري بلغته القديمة التي تعتبر إحدى أعرق وأقدم اللغات التي حافظ أهلها عليها على الرغم من الصعوبات المعيشية التى واجهتهم على مر السنين مثل اللغة الأشورية والسريانية والعبرية والكردية أيضا .بدأت حياة جديدة في مصر أطلق
عليها الحضارة القبطية . عندما بدأت الكرازة المسيحية في الإنتشار ، وجدنا أقباط مصر يعتنقون الدين الجديد ويبرعون في فهم روح وفلسفة هذا الدين . بل أصبحت لهم نظريات خاصة بهذا المعتقد الجديد وتمسكوا به أكثر وأكثر على الرغم من الإضطهادات والتنكيل الذي وصل إلى حد حرق المؤمنين أحياء. وعرف ذلك الوقت بعصر الشهداء . وأصبحت مصر وكنيسة مصرتحمل اسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية المسيحية . وأصبح شعب مصر يعرف بأسم الأقباط وحافظ الشعب والكنيسة على هذا التراث القبطي الذي أدخل عليه إعتناق المسيحية ، هذا الترابط العجيب بينهما والذي إستمرحتى يومنا هذا ممثلا في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ومن يطلق عليهم أقباط مصر .
إذن مرحلة الإنتقال الثانية بعد أن أصبح الشعب المصري يعرف بأقباط مصر واللغة المصرية تعرف بأسم اللغة القبطية . وأقول مرحلة الإنتقال الثانية التي حدثت بعد إنتقال السلطة من البطالمة إلى الرومان لم تغير من لغة وعادات الشعب المصري كما حدث في مرحلة الإنتقال الأولى مع البطالمة الذين إندمج معهم الشعب المصري أخذا إسما جديدا ولغة جديدة نسي بها إسمه الأول ولغته الأولى تماما حتى مجيء الحملة الفرنسية وإكتشاف حجر رشيد وفك رموزه والتوصل إلى أحرف اللغة الهيروغلفية ووجود أشخاص على المستوى العالمي أرادوا نبش الزمن الماضي والكشف عن أسرار مصر الفرعونية وعظمتها .
رفض أقباط مصر الفاتح الروماني وفضلوا الجوع في الجبال قبل المسيحية ، والإستشهاد بعد إعتناق المسيحية وظلوا محافظين على تراثهم القبطي وحضارتهم القبطية حتى الفتح الإسلامي في منتصف القرن السابع الميلادي . وهنا لابد من لملمة الأوراق والنظر إليها بعين الإطلاع التاريخي البعيد عن أي فكر تعصبي يميل إلى مدح أو قدح تلك الفترة التاريخية من تاريخ مصر .
الفتح الإسلامي لمصر لم يكن فتحا من جنس أو شعب واحد فقط كما يظن أنه الفتح العربي . نعم في البداية كان الفتح عربيا . وفي البداية أيام الخليفة عمر بن الخطاب أحب أقباط مصر رهبانا وشعبا الحامي الجديد بعد بطش وتنكيل الحاكم الروماني . لم ينظر أقباط مصر إلى الدين الجديد بأي عين متذمرة ساخطة رافضة . فتقبلوه وأستبشروا خيرا لهم ولمصر وتفاعلت مصر مع أحداث الدين الجديد فيقول المؤرخون المسلمون أن مصر كان لها اليد الأولى في مقتل الخليفة عثمان بن عفان وإنتقال الخلافة إلى الأمويين في الشام ، ثم العباسيين في بغداد .. ثم .. وثم .. وثم .. إلخ من تعدد الحكام مما أبعد الصفة العربية الكاملة عن حكام مصرمن المسلمين لكن بعد أن أصبحت اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد وأصبح الدين الإسلامي الدين الرسمي للدولة . وعاش أقباط مصر في حالة عدم إستقرار ، يضطهدون تارة ويقربون إلى الحاكم تارة أخرى . أصبحوا " الشماعة " التي يعلق الحكام عليها أخطاءهم ، والخزنة التي تمتد يد الحاكم لنهبها بالقوة .
وزاد من الطين بله ظهور الخلافة العثمانية التركية التي غيرت تماما من صورة العربي المتسامح إلى حد ما ، إلى صورة المستبد المتعجرف والمتغطرس الجاهل . جاهل بشئون الدين والدنيا . وكثرة الفتاوى في حق أقباط مصر ومن الطبيعي مسيحيو الشرق كله . وأصبح القبطي مميزا بدينه المسيحي ، لذا حدث إرتباط قوي بين لفظة قبطي ولفظة مسيحي . وهذا في رأي إجحاف بهويتنا المسيحية إستمرأناها وتعودنا عليها بدلا من الإفتخار بإيماننا المسيحي الذي يتبعه جنسيتنا القبطية .. أي المصرية . وإلى عهود قريبة في القرن التاسع عشر والقرن العشرين لم يكن مسموحا لقبطي أن يركب دابته ويسير بها أمام أي وجود إسلامي سواء على هيئة أناس عاديين ، أو حكام ، عليه أن يترجل ويحي ويسير بظهره ووجهه إليهم . أو يمتطي دابته وظهره إلى الطريق ووجهه إلى سادته . ولم يتولَ القبطي من أمور البلاد إلا أقلها والخاص بالمال منها لأمانته مثل أمور الصيارفة التي كان يقوم بها صيارفة أقباط يعملون على جمع الضريبة للحكومة من أبناء القرى .أقول إستمرت تلك الوظيفة في أيدي الأقباط حتى عام 1957 عندما حل محلهم صيارفة من مدرسة الصيارف التي أنشئت بعد تولي عبد الناصر الحكم رئيسا للجمهورية ورئيسا للوزراء ولم يقبل قبطي واحد بالمدرسة .
الحديث عن أقباط مصر طويل وتوجد كتب عديدة لمن يريد الإطلاع عليها في المكتبات المسيحية .
ولو لم تكن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية قد حافظت على التراث والحضارة القبطية لاندثرت وأصبحت نسيا منسيا . فقد مر أقباط مصر بعد الفترة الأولى للفتح الإسلامي بمراحل إضطهاد أو تعصب أو تمييز عنصري بسبب الدين إستمرت حتى يومنا هذا ونحن على مشارف القرن الواحد والعشرين .... يتبع
" الهيرالد " رسالة لبنان والشرق الأوسط 3 / 7/ 1998
هذا عن الأقباط الورثة الشرعيون للفراعنة وما لاقوه بعد إنتهاء عصر البطالمة من الرومان ثم من العرب والمسلمين وإلى يومنا هذا و لا يعلم غير الله متى يعيش أقباط مصر المسيحيين في أمان وسلام مع أشقائهم الأقباط المسلمين .
في هذه الأيام من العام 2011 بعد قيام ماسمي بالثورة .. ثورة شباب مصر وتخلي مبارك عن الحكم بعد أن سلمه للمجلس الأعلى للقوات المسلحة في الحادي عشر من شهر فبراير من هذا العام 2011 لتولي إدارة شئون البلاد والأقباط المسيحيون يواجهون إضطهادات وإعتداءات وحرق وهدم دور عبادتهم وتكفيرهم دون تحرك ملموس من المجلس الأعلى لوقف الإعتداءات أو معاقبة المعتدين . مما يجعلنا نشك في جدية المجلس الأعلى للقوات المسلحة في الحفاظ على وحدة البلاد والعمل على الإنتقال بمصر إلى مرحلة جديدة من العمل والبناء لرفع مصر من كبوتها وما وصل إليه حال المصريين أقباطا مسيحيين وأقباطا مسلمين .
بدلا من هذا نجد المجلس الأعلى يستخدم الأقباط المسيحيين وقودا لأشعال نار التعصب ضدهم وترك الجماعات الإسلامية دون حسيب أو رقيب ، ودون رادع أو تصدي لما يفعلون والذي إن دل على شيء إنما يدل وكأنه " المجلس " يبارك فعلهم ويشجعهم على الإستمرار فيه . لأن أقباط مصر المسيحيون كفرة وكهنتهم " حشاشون " . فيحرقون ويقتلون ويسحلون ويسبون دينهم ويصفونهم بالكلاب ويضربونهم دون رحمة أو شفقة ولا حتى نقل مصابيهم إلى المستشفيات . على الرغم من إعتراضات كثيرة مسيحية وإسلامية على مايحدث في قرية الماريناب بمركز إدفو التابع لمحافظة أسوان أسرد بعضا منها :
1- مصدر كنسي : المحافظة تساوم الأقباط لتحويل كنيسة " الماريناب " لمبنى خدمات لإرضاء السلفيين .
2 - مسيرة بشبرا لتأكيد حق المواطنة والمطالبة بإقالة محافظ أسوان .
3 - منظمات قبطية تطالب المجلس العسكري بالتحقيق في واقعة " الماريناب " .
4 - " أقباط بلا قيود " تطالب بتشكيل لجنة تقصي حقائق أحداث " الماريناب " وإقالة محافظ أسوان والقبض على الجناة والمحرضيين .
5 - لجنة تقصي الحقائق تثبت بما لا يدع للشك أن المكان كنيسة وليس مضيفة كما يدعي السلفيون ويؤيدهم محافظ أسوان .
6 - إئتلاف شباب الثورة يُحمل حكومة " شرف " والعسكري ما حدث بالماريناب ، ويدعو لوقفة بدوران شبرا .
7 - الشيخ ياسر البرهامي : بُغضنا للأقباط لا يمنعنا من الإعتداء عليهم وألله قد أمر ببغضهم .
كل هذا وأكثر فهل تحرك المجلس الأعلى للقوات المسلحة المسؤول عن إدارة شئون البلاد والحفاظ على أمن وأمان المواطنين ؟؟؟!!!
الإجابة بنعم تحرك .. ولكن ليس للحفاظ على أمن وأمان الأقبط المسيحيين ، ولكن ليرسل قواته وقوات الأمن المركزي إلى ماسبيرو حيث تجمع الأقباط المسيحيون هناك للتعبير عن غضبهم وإحتجاجهم لما يحدث ، نجد القوات تقوم بتأديبهم وسحل شبابهم وضربهم وتكسير عظامهم وعدم نقل مصابيهم في سيارات الإسعاف وتركهم يتألمون . ومن شاهد ما حدث يتعجب أشد العجب من هذا الكم الهائل من الكُره والغضب من الجنود وهم يكيلون الشتائم وسب دينهم وضربهم بوحشية وكأنهم الأعداء الألداء الذين يجب التخلص منهم .
ومع كل هذا فمازلنا نقول مازالت مصر بخير طالما فيها رجال مثل الدكتور طارق حجي والصحفي والكاتب الأستاذ نبيل شرف الدين ، وبطل كلمة الحق الصحفي الأستاذ إبراهيم عيسى ، ومحمد الهادي من سيدني / أستراليا ومقالته الرائعة " مصر: دور شباب الثورة والأغلبية لا تريد الإسلاميين " والتي نشرت بجريد " المستقبل " الغراء التي تصدر في أستراليا في العدد الصادر في يوم السبت الموافق 8 / 10 / 2011 ص 25 .
ولا يمكننا التغاضي عن ما تقدمه كل من قناة س تي في المسيحية من برامج توعية ، وقناة الكرمة المسيحية وما تقدمه أيضا من برامج توعية .والكثير من المواقع الإلكترونية التي تسلط الأضواء على كل مايحدث في مصر . فهل هناك شك حول " الصحوة القبطية " ؟؟!! .. لا أظن ..
كلمة أخيرة أهمس بها في أذن فضيلة الشيخ الدكتور محمد الطيب شيخ الأزهر الشريف تعليقا على ما قاله فضيلته عبر التلفزيون الرسمي للدولة " المسيحية الحالية مُحرفة والمسيحيين كفار ولكن ... " . وقد فسر فضيلته كلمة كافر بأنها تعني الغير معترف بدين الأخر .. المسيحية تكفر الإسلام أي لا تعترف به ، والإسلام يُكفر المسيحية ويتهمها بالتحريف .
في الحقيقة نعذر فضيلته لأنه لا يعرف شيئا عن المسيحية حتى لو قرأ عنها . لماذا ؟ لأنه يعرف النصرانية وأتباعها النصارى . وفي هذا خلط كبير في الفكر . النصرانية بدعة إنتقلت إلى الجزيرة العربية وبدأت تبشر بمعتقدها الناكر بألوهية المسيح ، وكان على رأس الدعاة كل من بحيرة الراهب والقس ورقة بن نوفل عم السيدة خديجة زوجة رسول الإسلام " صلعم " .
وهنا نحب أن نقول أن النصرانية ليست هي المسيحية التي يؤمن بها المسيحيون . ونؤكد أن لا تحريف في الإيمان المسيحي ولا في كتابهم المقدس . ونتمنى أن نستبدل كلمة كفرأوكفار والتي تحرض عقل الإنسان البسيط على كُره الأخر لأنها تعني أنه لا يؤمن بـ ألله الذي يعبده المسلم ، أو الله الذي يؤمن به المسيحي .
دعونا نختار ما إختاره إله المسلمين ورسوله " صلعم " .. لكم دينكم وليَ ديني .

CONVERSATION

0 comments: