ذكرى محمد الدرة/ شاكر فريد حسن

في هذه الايام التي تحيي فيها جماهير شعبنا الفلسطيني في الداخل ومناطق الشتات والمنافي القسرية ، الذكرى الحادية عشرة للانتفاضة الشعبية الثانية ، انتفاضة القدس والاقصى، نتذكر الشهيد محمد الدرة. ذلك الصبي الفلسطيني الغزي ، الذي استشهد وهو في حضن ابيه، في منظر ومشهد تراجيدي ماساوي مؤثر، يكسر الفؤاد ويدمي القلب وتقشعر له الابدان.
ولا تزال صورة استشهاد هذا الطفل ، التي التقطتها عدسة احد المصورين وبثتها وسائل الاعلام والصحافة وشبكات التلفزة العربية والاجنبية ، وهو يحتمي بابيه من رصاص الجيش الاسرائيلي والرصاصات تمزق كيانه وجسده ، وابيه عاجز عن فعل اي شيء، وفلذة كبده وروحه يموت بين يديه وامام ناظريه . هذه الصورة لا تزال ماثلة امام عيوننا ولن تغيب من مخيلتنا وستظل تداعب وجداننا وذاكرتنا الجماعية الفلسطينية الحية.
ولا شك ان هذه الجريمة البشعة واللاانسانية واللااخلاقية ، التي هزت الدنيا والضمير الانساني واثارت النفوس وتعاطف العالم باسره ولقيت ادانة واستنكار المجتمع الدولي ، عكست بكل جلاء ووضوح مدى بشاعة الاحتلال وهمجيته وجرائمه بحق شعبنا الفلسطيني .
لقد كان استشهاد الطفل الفلسطيني البريء الطاهر محمد الدرة ،بمثابة شرارة ايقظت الضمائر النائمة وبعثت النبض من جديد في القلوب الجامدة ، وفتحت عقول الشباب الفلسطيني والعربي على وعي وطني وثوري نوعي جديد.
وفي حينه تأثر الجميع، وسالت العبرات، وانهمرت الدموع ولم تجف من المآقي ، وتفجرت القرائح، وانطلقت حناجر الشعراء واقلام المبدعين تغني للشهيد محمد الدرة، وتصور المأساة والجرح النازف، وتدين هذا العمل الهمجي البشع والبربري ، وتستنكر التخاذل العربي والصمت العالمي ازاء العدوان الاسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني .ولم يخل نتاج اي شاعر فلسطيني او عربي من نصوص عن محمد الدرة وقصة استشهاده وهو في حضن ابيه. وان نسينا فلن ننسى قصائد الرائع الراحل محمود درويش، والمبدع العراقي الثائر مظفر النواب، والشاعر السعودي الراحل د. غازي القصيبي بهذا الشأن ، وغيرها الكثير الكثير من القصائد والنصوص .
وكانت مؤسسة عبد العزيز البابطين للابداع الشعري قد بادرت الى اصدار ديوان شعر ضخم عن الشهيد محمد الدرة ، ضم بين طياته 395 قصيدة من ابداع الشعراء العرب والفلسطينيين ، الذين شاركوا بقصائدهم العاطفية والوجدانية والانسانية والوطنية ، تعبيراً عن هذا الحدث وعن الجرح والوجع الفلسطيني المتواصل، والالم الانساني تجاه هذا الاستشهاد التراجيدي الانساني المؤثر.
اخيراً ،لقد غدا محمد الدرة رمزاً للشهادة والفدى والطفولة البريئة الطاهرة والمعذبة ، وسيظل دمه يطارد ويحاصر المحتلين ، حتى ينبلج فجر الدولة الفلسطينية وتشرق شمس الحرية.

CONVERSATION

0 comments: