امس السبت ، احيت جماهيرنا الفلسطينية في الداخل ومعها كل القوى الديمقراطية والتقدمية والحمائمية ، المحبة للعدل والحرية والتقدم والسلام ، الذكرى الـ (55) لمجزرة كفر قاسم الوحشية ، التي اقترفتها حكومة اسرائيل وعسكرها وبوليسها تحت جنح الظلام ، ومع بدء العدوان الثلاثي على مصر الثورة بقيادة الزعيم القومي الخالد جمال عبد الناصر في التاسع والعشرين من تشرين الاول عام 1956 ، وراح ضحيتها 49 شهيداً وشهيدة من المدنيين العزل ، ابناء هذه البلدة الفلسطينية الوادعة العزلاء، من الرجال والنساء والاطفال والشيوخ والعمال والفلاحين والكادحين.
ورغم مرور اكثر من قرن ونصف على هذه المجزرة الرهيبة ، التي هزت الضمائر الانسانية واقشعرت لها الابدان ، الا ان ذكراها راسخة وآثارها باقية ، ولن تمحوها الايام والسنين مهما طالت ، وستظل ذكرى الشهداء الابرار حية في قلوب ووجدان ابناء القرية وسائر الجماهير الفلسطينية .
ان هذه المجزرة لا تزال تبعث الحزن والالم والغضب في نفوس جميع الانسانيين والديمقراطيين ، استنكاراً وتنديداً بسادية الجزارين ، فهي معلم صارخ على طريق حكام وقادة الدولة العبرية المرصوف بالعدوان والاحتلال والاستيطان والعربدة والقهر والاضطهاد والتمييز العنصري تجاه شعبنا العربي الفلسطيني .
وفي الحقيقة ان مجزرة كفر قاسم لم تكن الاولى ، التي حلت بابناء شعبنا الفلسطيني ، فقبلها نفذت المجازر في اسواق حيفا ويافا ابان الانتداب البريطاني ، وفي دير ياسين وخربة خزعة والدوايمة والصفصاف واللد والرملة، وسواها من مجازر دموية اقترفت في خضم نكبة العام 1948.
ذكرى مجزرة كفر قاسم ليس ذكرى الم وحسرة فحسب ، بل هي ذكرى غضب ساطع ، ودافع ومحرك للكفاح الشعبي والنضال السياسي في سبيل البقاء والحياة والتطور في هذا الوطن ، وطننا الغالي المقدس، الذي لا وطن لنا سواه ، وافشال كل مشاريع الترانسفير ومخططات التهجير والترحيل والتشريد ، التي ما زالت تراود احلام الكثير من ساسة وقادة وحكام اسرائيل . فالاهداف التي ارتكبت من اجلها المجزرة لا تزال قائمة ، ولكن كما قال الشاعر والقائد الفلسطيني والمناضل الشيوعي الراحل توفيق زياد: "فشروا" هذا وطننا واحنا هون باقون كالصبار والزيتون " ولن نرضى بديلاً عن وطن الحب والوئام ، وطن المستقبل ، الذي ولدنا وترعرعنا وكبرنا وسنموت وندفن فيه.
ان ممارسات حكام اسرائيل وعدوانيتهم ازاء شعبنا الفلسطيني، والتصعيد العسكري الجديد وقصف قطاع غزة بالصواريخ ، الذي ادى الى استشهاد عدد من الفلسطينيين وجرح العشرات عدا الخسائر الجسيمة في الممتلكات ، ان هذا يعكس بوضوح مضمون الصرخة ، التي اطلقها الشاعر سالم جبران بعيد مجزرة كفر قاسم ، حين هتف شعراً :
الدم لم يجف
والصرخة لا تزال
تمزق الضمير وفي فمها اكثر من سؤال
والحية الرقطاء لا تزال عطشى الى الدماء
نعم هذا هو واقع الحال ، الحية الرقطاء لا تزال عطشى الى الدماء.
اننا في الوقت الذي نحيي فيه ونستحضر ذكرى مجزرة كفر قاسم نحني هاماتنا اجلالاً وتقديراً لروح القائد والمفكر والمناضل الشيوعي الراحل توفيق طوبي ، الذي رحل وغاب عنا، وافتقدنا رسالته التاريخية هذا العام ، التي كان يبعث بها لاهالي كفر قاسم في ذكرى المجزرة. فقد كان له الدور الهام والكبيرمع رفيق دربه المرحوم ماير فلنر في كشف الحقائق واماطة اللثام عن المجزرة وملاحقة مرتكبيها.
اخيراً ، فأن شعبنا لن ينسى الشهداء الابرار ، الذين سالت دماؤهم الذكية ، ولن تغفر للجزار، وهذا الدم الطاهر لم ولن يذهب هدراً ، فشعبنا مصمم على البقاء والانزراع عميقاً في ثرى الوطن ، وقد تعلم من تجربته الغنية المخضبة بالدماء ، ان لا طريق امامه لمواجهة سياسة التمييز العنصري والاضطهاد القومي والطبقي، وسياسة الاقتلاع والتهجير ، وللحفاظ على حاضره ومستقبله وتطوره ، ليس امامه سوى طريق الوحدة الوطنية الكفاحية الصلبة ، البديل والطريق والسلاح الفعال والمجرب لاحراز المزيد من المكاسب الوطنية وانتزاع الحقوق المطلبية المشروعة من براثن وانياب السلطة ، وتحقيق المساواة والسلام العادل والشامل ، المبني على الثقة والاحترام ، والقائم على الاعتراف بالحق الفلسطيني ، حق العودة وتقرير المصير واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
0 comments:
إرسال تعليق