"دار الخيانة التي يتكدس فوقها خيوط العناكب تفصلها عن دار الكرامة خرابة يكوم بها رجال يقتاتون من سباخ الزرائب، في عصور تقبع على المصلين إمارات النجاسة، التي تمسح الرؤوس وتتساقط على رقاب الماشية ولا تقول لأحد: سجلوا بدفاتركم لمعان الشمس على ريشة الفجر، وأوسعوا للمارة حرية الحركة في ظاهرة كفهّا مُتحرك نحو الألواح الكبيرة التي تحمي السقف، من قيظ الموت."
كَثر الجدل في اليوميين الماضيين عن تحرر الشعوب، وخلاصها من ديكتاتوريات الأنظمة العربية التي استبدت وجثمت على الصدر العربي خلاّل العقود الطويلة السابقة، وهو ما يتفق عليه الجميع بضرورة وحتمية أن تنال شعوبنا العربية حريتها، وتمضي في بناء دولتها الديمقراطية الحرة، التي تحترم الإنسان، وتحترم الكرامة، وتنهض بالبناء الإنساني قبل البناء المؤسساتي، وهو شعار جاذب بريقه ولمعانه يُسحر الناظرين. ويدغدغ مشاعر الجميع، ونحن منهم ومثلهم، صفقنا وهللنا، ومدحنا، وحللنا الثورات العربية في تونس ومصر ولا زلنا نقف منها موقف المؤيد، والداعم، والحافز، بما أنها عبّرت عن إرادة الشعوب وتحركها الوطني الصادق، رغم الكثير من الملاحظات والتحفظات التي شابت هذه الثورات، ورغم الخفايا التي لم تكشف بعد، إلاّ أن هاتين الثورتين سجلتا سجل نظيف حتى راهن اللحظة برفضهما التدخل الخارجي بالشؤون الداخلية، وتعبيرهما عن حالة شعبية يمكن متابعتها وتحليلها جيدًا واستخلاص العبّر منها.
وموقفنا هذا لا يمكن تعميمه على الجميع أو على كل ما يحدث بمنطقتنا العربية، حيث منحنا الله عقول نفكر بها ونحلل بها، ونستقي معلومتنا وتحليلنا مما يجري على الأرض، ومن الأحداث التي تتضح معالمها، وخفاياها وخباياها، ولن نسمح لأنفسنا بأن نكون أنعام في حظيرة الناتو الأوروبي، والبيت الأبيض الأمريكي، وهما أكبر قوة داعمة للحركة الصهيونية العالمية التي أغالت منذ (ثلاثة وستون) عام في ذبح وتشريد شعبنا العربي عامة، ولم ننسَ بعد مذابح الصهيونية في سوريا، ولبنان، ومصر، والأردن، وغاراتها على العراق وملاحقتها للعلماء العرب ومحاربتها لكل عربي، والدور الغربي - الأمريكي في دعم وتشجيع هذه الحركة على فعل كل المبوقات التي عرفها التاريخ ضد الأمة العربية، وكذلك ممارستها ومذابحها واحتلالها للأرض الفلسطينية، وتشريد شعب بأكمله مَثل مجتمع منظم شارك في النهضة الحديثة، وفي تنظيم الحياة في الواقع العربي، وجعل منه شعب مشتت مشرد لاجئ، وكذلك الحلف العداوني الذي شنته الولايات المتحدة والغرب ضد العراق وتحويله من دولة متقدمة غنية إلى دولة مجزأة فقيرة تنهب خيراتها وتغتصب ماجداتها، ويهتك عرض رجالها تحت مسمى الديمقراطية وحقوق الإنسان الخديعة الجديدة التي يحاول الغرب والولايات المتحدة التناغم به مع ضحالة الفكر العربي، واستغلال حالة الإستبداد التي يعيش بها المواطن العربي، وحالة ضيق الأفق التي تطغو على التفكير والوجدان، والمتزامنه مع إطلاق العنان للأقلام المتصهينة والمتأمركة التي تحكي بلسان عربي، وفكر عربي بعدما نجحت في تمريرهم بالعراق باسم كتَّاب( المارينز)، ها هي تمررهم لنا باسم كتّاب ( الناتو) وتحاول أن تروج لعدوانها على ليبيا، بنفس الصياغات والمبوقات التي استخدمتها بالعراق مع اختلاف الأداة المنفذة، فإن كانت بالعراق قوات المارينز والغرب قد وطأت أرض العراق، وواجهتها المقاومة العراقية الباسلة بضربات موجهة دفعتها لوضع مخططات للخروج الشكلي من العراق، فهي قد تعلمت الدرس جيدًا وحركت بعض قواها النائمة في ليبيا الذين يرتدون ثوب الإسلام من جهة، وبعض رجالاتها التي اشترت ذممهم في النظام السابق مثل مصطفى عبد الجليل( عبد الناتو) وشلقم، ومحمود عبد الجبار، وبلحاج، وغيرهم من الذين تحولوا بين ليلة وعشاها إلى ثوار، ومتأسلمين ينادون بالشريعه الإسلامية، في حين إنهم كانوا جزء أساسي ورئيسي من نظام العقيد الشهيد ( معمر القذافي).
أمام تلك الحالة علينا التوقف قليلًا والتفكير طويلًا بالحالة الليبية التي كل تجلياتها قد اتضحت منذ اليوم الأول الذي أغارت به طائرات النيتو والولايات المتحدة فوق طرابلس بحجة حماية الشعب الليبي والدفاع عنه، في حين أن إسرائيل تقتل الشعب الفلسطيني منذ (ثلاثة وستون) عام ولم يهتز ضمير العالم أنملة، ولا زال يتمترس خلف الصهيونية العالمية وينكر على الشعب الفلسطيني حقوقه، وحقه الذي كفلته لك المواثيق الإنسانية والدولية، كما ولا زال يبيح لإسرائيل إرتكاب كل الجرائم والمذابح وآخرها حرب غزة سنة 2008م التي صَمت العالم أمامها، وهي تحرق غزة فوق رؤوس أطفالها ونسائها، وشيبها وشيوخها، لم ترحم الحجر ولا البشر، ولم تحرك اساطيلها البحرية والجوية للدفاع عن هذا الشعب، ولم تتحرك منطمة العفو الدولية لوضع لائحة اتهام ضد جرائم قادة إسرائيل وعصاباتها، بل سارعت بريطانيا العظمي بتوقيف الشيخ (رائد صلاح) بتهم الإرهاب لأنه يدافع عن المسجد الأقصى، وتفتح كل مجالها وأرضها لقادة اسرائيل وتستصدر القوانين والتشريعات التي تحميهم من المساءلة والملاحقة القانونية، وهو ما تَعتد به الولايات المتحدة في توقيع اتفاقياتها مع الدول بأن تضع بنود تحمي جنودها وجنود اسرائيل من أي ملاحقات مستقبلية.
ورغم ذلك فلا زال لدينا ثقة بالولايات المتحدة، ونتبنى الخطاب الأمريكي - الغربي ونجعله مرشدًا لنا، ونستقي معلومتنا منهم، وتحولوا لبنك معلومات لنا نؤمن بكل ما يملوه علينا وكأنه ترتيلا منزلًا، ونستخدمه في التسويق للمنتج السياسي الفراغي الأمريكي تحت قانون حرية الرأي والرأي الآخر الذي إعتمدت عليه جزيرة أمير قطر، في تصدير التطبيع لنا بكل اتجاهاته، وتحويل الخيانة ليس لوجهة نظر فحسب- بل لمطلب- تَعتد به أجيالنا الحالية والمستقبلية، وهو ما لمسناه في شعارات ما يسمى ثورة ليبيا، وبدأ يتسلل لما يسمى كذلك ثورة سوريا، وبدأت ترجماته تؤتي أوكلها في العقل العربي والشعوب العربية، باسم الربيع العربي دون النظر للمستقبل والتعمق بالتاريخ لإستدراك الحقائق.
نؤمن بحرية الشعوب كما أمنا بحرية شعب فيتنام التي ناصرت نفسها ولم تستعنِ بِمُحتل ليحررها تحت شعار " بدنا نتحرر نحرر أنفسنا من المحتل" وهو شعار لم يطرحه سوى عقل البلاهة العربي معتقدًا أن هذه القوى المحتله لديها من الغباء ما يجعلها مطية لمراهقة الصغار في تفكيرهم، متناسين إنهم أمام قوى استعمارية امبريالية كبرى، لديها مخططات استعمارية دولية واقليمية. وكذلك على غرار ثورة الشعب الأندونيسي ضد الديكتاتور (سوهارتو)، وشعب الفلبين ضد الديكتاتور (فريناند ماركوس)، والشعب الكوبي، والشعب الفنزويلي الذي هَب بكل فئاته وشرائحه لحماية فنزويلا من المخطط الأمريكي الذي كان على غرار المخطط الليبي تحت شعار (الديمقراطية وحقوق الإنسان). ولكن ورغم كل ذلك لا زال العرب في غيهم وضلالهم يعمهون، لم يتعلموا من التاريخ شيئًا ولن يتعلموا ما دام هناك من يجرهم من داخل جلدتهم بأفكاره الخيانية، مرتديًا قميص الوطنية، والديمقراطية وحقوق الإنسان، والدفاع عن الشعوب.
إن ما حدث ويحدث في ليبيا ما هو إلاّ احتلال غير معلن الوجه، بطائرات غربية وشخوص خيانية سقطت في مستنقع الرذيلة والخيانة ضمن دوائر المؤامرة الأشمل في المنطقة العربية، التي تقسم المقسم، وتجزأ المجزأ وسط سبات عمق من شعوبنا المسلوبة، التي يسيل لعابها للشعارات، ولا تتقن أكثر من الإنقياد خلف كل من يبرمجها كآلة الحاسوب. وما المشاهد المشينة والقذرة التي تناقلتها وسائل الإعلام بالأمس ضد ( القذافي) وهتك عرضه علانية مما يسمى الثوار، إلاّ تأكيد على أن هذه الخيانات تنفذ ما يملى عليها، وأن أوامرها تتلقاها من الولايات المتحدة الأمريكية، والغرب، وهو ما فعلته هيلاري كلينتون باجتماعها مع ثوار الناتو( وكبيرهم مصطفى عبد الجليل)(عبد الناتو).
0 comments:
إرسال تعليق