احد اخطر اوجه الكارثة في عراق اليوم ، تفكك منظومة القيم المجتمعية ، بالتالي تلاشي مفهوم الاسرة ومقومات بناءها الصحيح ، من خلال تغذية النزعات العرقية ، والطائفية في نفوس المواطنين وهذا نتاج حتمي للحالة السياسية الدافعة نحو التخندقات الطائفية ومشاريعها الهدامة ، والداعمة للظواهر و الايحاءات الطائفية و العنصرية ورعايتها رعاية تامة ، بأدوات سياسية مغلفه بأطر دينية طائفية .
لا حاجة للتحليل المعقد ،المتابع للشأن العراقي عن كثب يكتشف بما لا يقبل الشك ان نمو ارضية الاسلام السياسي الطائفي و رواج مفاهيم وظواهر غريبة مثل المحاصصة بشتى اشكالها المرفوضة بواسطة ادوات تتصدر المشهد والساحة السياسية الراهنة بكل وضوح ، فبقاءها في الصدارة يأتي من خلال استمرار الحالة الطائفية والتخندقات المرفوضة وفق المفهوم المدني العام للمجتمع وغياب روح الانفتاح والعلمنة الايجابية في المجتمع بمواكبة التطور الحاصل في العالم و مفهوم الثقافة والنظام الديمقراطيين وفق المعايير المعمول بها عالميا في الدول والمجتمعات المتقدمة .
توصيف عراق اليوم بدقة يحملنا على القول بأننا نعيش في بلد فاقد للسيادة وهذا ايضا واضح ، في ظل اطار سياسي ثيوقراطي فوضوي ، بعيد كل البعد عن اطار الدولة ، لا نعيش اليوم بدولة ، بسبب غياب مؤسسات وبنى الدولة وتلاشي نظرية العقد الاجتماعي الذي يقوم بين الشعب والنظام السياسي ضمن الاطار المؤسساتي العام للدولة .
نعيش اليوم في ظل عراق مخرب مدمر لا سيادة لشعبه على اراضيه ، مخترق من كل الجهات المحيطة به شمالا وجنوبا شرقا وغربا ، نظرية الدولة مشوهه اليوم في العراق ، دلائل كثيرة على قولي هذا منها عدم وجود مواصفات ومؤهلات رجالات الدولة بساسة اليوم ، بتقييم الاداء السياسي لكلا منهم على ارض الواقع نكتشف هذه الحقيقة ، والشواهد على قولي كثيرة ، منها على سبيل المثال ، كلما اقترب موعد انتخابات وحسب الظروف القائمة نجد ان هؤلاء الساسة يلجأون لحاضناتهم الدينية او الطائفية او العرقية لا الوطنية .
فتقييم الحالة الوطنية للسياسي من خلال الطرح والاداء الفعلي المتراكم ،لا من خلال الاقوال المتغيرة حسب الظرف السائد وغياب الاداء الفعلي الدال على روح المواطنة الجامعة .
الاعتزاز بالدين والقومية والطائفة والعشيرة عرف سائد في مجتمعاتنا الشرقية عامة والعربية والاسلامية خاصة ، نحترم ونجل عرفنا هذا بكل معنى الكلمة ، وفق شروط ، في مقدمتها ضمان سلامة المواقف الوطنية تجاه القضايا المصيرية وتجاه المواطنين وعدم تأثرها بأفكار ومعتقدات المحيط الضيق للسياسي او التطرف بها على حساب باقي ابناء الوطن .
مسؤولية انسانية ، اخلاقية ، وطنية ، وحتى دينية ملقاة على عاتق كل من خاض المعترك السياسي و وصل به مستويات عليا بالحكم ، التخلي عن الاطر الدينية و الطائفية و العرقية الضيقة والخروج عنها باتجاه اطار اوسع واعم ، اطار المواطنة الجامعة لكل ابناء الوطن . والنظر لمصلحة الوطن والمواطنين نظرة واحدة ، بمنظار واحد ، لا اكثر من منظار ، كما هو حاصل اليوم .
هذه أسس وبديهيات يجب توافرها في السياسي الطامح لانجاح مشروع بناء الدولة العصرية ، تؤسس لنظام ديمقراطي على مستوى الدولة لا النظام السياسي فقط ، أي بمعنى شعب ونظام سياسي ، دولة عصرية يُحترم فيها الانسان ويقدس المواطن .
بكل ألم و وجع نقول ، ان الخطى المترنحة وغير واضحة المعالم التي يسير عليها ساسة اليوم لن تؤسس لبناء دولة وانما تقسم وتجزأ شعب ودولة ، طالما استمر نهجهم الحالي الذي ينطلقون منه بغياب المواطنة كأساس للانطلاق في العمل السياسي ، واستمرار العمل بالنهج الطائفي و العنصري والتحدث بمنطق الحاضنات الضيقة .
ناهيك عن المضي قدما بتنفيذ أجندات خارجية غير عراقية عوضا عن الاجندة العراقية الوطنية ، والتعويل على القوى الخارجية كمحرك ديناميكي وعقل مدبر من اجل الوصول للسلطة .
كما على السياسي الفاعل مسؤولية ، على الجميع ان يعترف ان على المجتمع النخبوي والشارع العراقي مسؤولية اكبر واعظم ، تكمن في ضرورة الوقوف بحزم بوجه الفاشلين والانتهازيين والطائفين ومتصيدي الفرص ، الذي يتحكمون بمصائرنا جميعا ومستقبل وطننا ،الذي بات على كف عفريت يتراوح بين مشروع التجزئة والتقسيم واحتمالات الحرب الاهلية .
العقدة هنا تكمن في تساؤل ، ان كان ساستنا الطائفيون على علم بالنتائج فهي كارثة وان لم يكونوا فالكارثة اعظم واخطر .
ان دارت "طاحونة " الموت الطائفية لا سامحا الله ، فلن تبقي ولا تذر شيئاً ، ولن تثبتهم في مناطقهم الطائفية كسادة واصحاب جاه وسلطان وانما ستحط من قدرهم وتضعف سلطانهم . ان لم نقل ان نارها تطالهم الواحد تلو الاخر.
على الشارع العراقي الاستمرار بروح المثابرة ومواكبة الاحداث والاتجاه صوب التغيير الجذري من خلال الحراك الشعبي ، وتصعيد الاداء الفعلي على ارض العراق ، وتوسيع رقعة التظاهرات والذهاب لخيار الاعتصامات المدنية المفتوحة . ورفض كافة المؤامرات الخبيثة الرامية لتفتيت العراق وطمس الهوية الوطنية وابراز الهويات الثانوية للشعب التأريخي .اما على نخب المثقفين والوطنين مسؤولية تأريخية في ظل الظرف الراهن ، بضرورة تثقيف المواطن بكل ما يجري من حوله من مؤامرات وفضح مراميها الكارثية ،والايمان بأن شعب العراق مكون واحد لا كما يروج الساسة والاعلام عن انه شعب المكونات .
ولتفعيل العمل البناء وتأسيس ارضية صلبة لانجاح الحراك الشعبي واهدافه العظيمة ، مسؤولية اخرى تلقى على عاتق النخب العراقية ، ضرورة ملحه في تأطير الحراك الشعبي بأطر سياسية ، ثقافية ، اجتماعية وطنية ، تطرح نفسها بديل عراقي خالص من الشوائب والتأثيرات الخارجية القادمة من خارج الحدود ، لضمان تصعيد العمل الشعبي الرامي للتغيير الكامل ، عندئذ فشل الساسة في الحكومة ومجلس النواب ينعكس نجاح لهذا المشروع وضعفهم ينعكس قوة .
فنجاح هذه الرؤية ونضوج مشروعها فيه نجاة العراق والعراقيين ، وهذه المسؤولية عليكم ايها السادة الافاضل سيخطها التأريخ فأما تخط بسطور ذهبية مشرفة او تخط بسطور سوداء مخزية يلعنكم عليها اجيال الاجيال ، فتكون اما لكم او عليكم .
0 comments:
إرسال تعليق