على ماذا تقوم الديمقراطية الاندماجية؟/ زهير الخويلدي

" أنتم أدرى بشؤون دنياكم"[1]
من محاسن ثورة المهمشين والعاطلين والشباب في تونس أنها دفعت العقل الفلسفي الى تبيئة جملة من المصطلحات السياسية المعاصرة مثل سياسة الحياة والهوية القصصية والدين المدني والتنوير الأصيل. زد على ذلك أنها دفعته الى التنظير البعيد وتبني رؤية استراتيجية شاملة وابداع جملة من المفاهيم غير المعهودة من أهمها مفهوم الديمقراطية الاندماجية، فماذا يعني ذلك؟ وعلى ماذا تقوم؟ وماهي رهاناتها؟ وهل يجوز تحويل الديمقراطية الاندماجية الى ديمقراطية جذرية في المجتمع والاقتصاد والسياسة؟
لعل خير ما تبدأ بها هذه الديمقراطية الاندماجية هو تأكيدها على قيمة المواطنة باعتبارها حجر الأساس الذي يضمن سلامة العمران البشري من الآفات ويدعم حق الشعب في سيادته على أرضه واستقلالية قراره وحقه في تقرير مصيره وصنع تاريخه بنفسه ، كما تنظر الى المواطن الحر بوصفه مفتاح تنشيط الفضاء العمومي ويتوقف على تدخله الحل والربط في الحياة السياسية للمجتمع.
أما المبادئ التي ترتكز عليها الديمقراطية الاندماجية فهي الكرامة الانسانية في مقال معاملة الانسان باعتباره وسيلة للاستغلال والتوظيف وكذلك الاعتراف المتبادل والمشترك بين القوى والحساسيات والجهات وفي مستوى ثالث احترام معيار المساواة بين الأفراد والشرائح في المعاملة وتطبيق القوانين واتاحة نفس الفرص ونفس الحظوظ في تقلد المناصب العامة أمام الجميع والاحتكام الى الجدارة.
مايمكن التوقف عنده أن الأهداف التي تناضل الديمقراطية الاندماجية من أجل تكريسها على أرض الواقع الاجتماعي وايجاده على مسطح المحايثة هي الهوية السردية وبلغة الضاد والقرآن الهوية القصصية والمقصود هاهنا هو الجمع بين التجذر والتفتح وبين التراث والحداثة في سبيل تحصيل التنوير الأصيل.
ومن المعلوم أن كل ذلك يحدث في اطار تجديد العروبة ونحت عروبة جديدة تستلهم قيم الاسلام المستنير وتهتدي بالأبعاد العقلانية والثورية من الدين المدني مخلصة اياه من الأساطير والخرافات والاعتقادات البالية ومحاربة الجهل بالعلم والتواكل بالعمل تستأنف مسيرة الاجتهاد وتتسلح بفلسفة التأويل ديدنها في ذلك البلوغ بالاسلام الحضاري درجة العالمية وبلغة أخرى المشاركة في بناء الكونية الانسية بعد حلول الربيع الثوري بحضارة اقرأ وتعبر بلغة الضاد عن حالة من تلاحم المجتمع الأهلي والتقارب بين المذاهب والفرق والمصالحة السياسية بين القوى والتواصل بين المجموعات يؤذن بتحرير الأرض واستعادة الريادة والعودة مجددا الى مسرح الفعل في التاريخ البشري.
من المفيد التذكير بأن الديمقراطية الاندماجية تقوم على التعددية بدل الأحدية وعلى التوافق بدل التعاقد وعلى الاعتراف بدل التمييز والادماج بدل الاقصاء وتتبع خطوات السياسة الحيوية والمتمثلة في ضمان الحق في الشغل والسكن والتعليم والصحة والنقل والحياة الكريمة في مجتمع عادل بالنسبة الى كل انسان.
كما تعمل الديمقراطية الاندماجية على تحقيق التوازن بين الجهات في العصرنة والتمدين واعطاء أولوية لتونس الأعماق وتحرص على الفصل بين السلطات والمراقبة والمحاسبة بين الهيئات واحترام القوانين والمواثيق. وتسهم كذلك في بناء مؤسسات حكومية عصرية وهيئات مجتمع مدني متطورة تحكمها المساءلة والشفافية في المعاملات وانجاز تطهير اداري شامل واصلاح تام للمنظومة القضائية.
علاوة على سهرها على ايجاد علاقة أفقية تشاورية وتشاركية بين الحكام والمواطنين وبين الشعب والدولة
التوافق في اطار جبهة وطنية عريضة على ضم كل القوى الثورية وتشكيل كتلة تاريخية تحقق المصالحة والعمل المشترك بين جميع الناشطين من مختلف الحساسيات والأجيال.
ان الحل المعقول الذي تقدمه للخروج من النمط الشمولي في الحكم هو الجمع بين النظام السياسي البرلماني و النظام السياسي الرئاسي في احترام متبادل والاحتكام الى عقل الدولة وآداب الحكم الرشيد وضمانات دستورية بتدبير مشتركة للحقائب السيادية. اضافة الى التحلي بقيم الصداقة والحلم والتربية على السلوك المتحضر والذوق الرفيع والابداع الثقافي والخلق الفني والاختراع العلمي ورفض السلوك العنيف والتعصب والتحلي بالتسامح والروح الرياضية.
تتبع الديمقراطية الاندماجية الطريق الثالث في الاقتصاد الذي يشجع على المبادرة الفردية الحرة في اطار تحقيق المصلحة المشتركة واشراف الدولة على تنظيم ومراقبة وتطوير النشاط الاقتصادي والمالي وتحقيق توازن بين الملكية الخاصة للأفراد والملكية العامة للقطاعات الحيوية. في هذا السياق تتبني استراتجيات مالية شفافة تتصدى للمديونية المفرطة للخارج وتتدبر نسب الضرائب والأداءات بما يحفظ كرامة المواطن وينصف الفئات الأقل حظا والكفاءات ،وترغب أيضا في القضاء على العوز المادي والحد من مظاهر الفقر ومقاومة الجهل والأمية الجديدة وأزمة النقل والاكتظاظ ومشكلة السكن الصحي واللائق والتصدي للأمراض المزمنة وصعوبة تلقي العلاج والتمتع بالدواء وتدعيم منظومة الحماية الاجتماعية للمواطنين. لكن هل تؤدي التشاورية والتوافقية الى التدبير والتعمير؟ وما السبيل الى الفصل بين السلط واعادة بناء المؤسسات وتطهيرها من الفساد؟ وكيف تستكمل الآلية الانتخابية الارادة الثورية للشبيبة؟ والى أي مدى يمكن لنا أن نحول الديمقراطية الاندماجية الى مقام متجذر في العقل السياسي العربي؟
كاتب فلسفي
--------------------------------
حديث شريف [1]

CONVERSATION

0 comments: