الوجه السلمي لثورة الإنترنت !/ عبدالواحد محمد

شهدت الساحة المصرية منذ شهور ثمانية ثورة شعبية لم يسبق لها مثيل في تاريحنا المعاصر مستمدة قوتها من شبابها الذي ولد من رحم الإنترنت بفعل عوامل تقنية وملهمة ولم تكن للأسف تمثل مجرد هاجسا في خاطر الأجيال الكلاسيكية من حكامنا ومفكريننا ومن نطلق عليهم مبدعين ؟

لتخرج في مسيرة سلمية شابة يوم 25 /1/2011 محتجة علي الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المريرة في مصر بلد ال 85 مليون نسمة والحضارة والتاريخ وسلاحها كان جديدا بكل المقايس وهي تردد بصوت واحد ( سلمية ..سلمية .. عدالة إجتماعية ) أمام طلقات الرصاص من كل الغوغائية غير مبالية بما يحدث من محاولات مستميتة لأجهاض ثورة الإنترنت رغم سقوط العشرات شهداء ومئات الجرحي والمفقودين في أشهر ميادين العالم اليوم ( التحرير) ولعقود قادمة أمام فضائيات العالم أجمع ووسائل الإعلام وهذا ليس موضوعنا الذي نطرحه عبر هذه السطور بل كل ما يخالجنا هو مكاشفة النفس وألقاء الضوء علي جيل مبدع فجر ثورة اجتماعية من رحم وسائط تكنولوجية مغايرة تماما لما عرفته أجيال سابقة وتدوال عبر الحقب المختلفة لشباب آخر و بروح إنترنتية ألهمته كثير من رؤي كانت محل أستهتارأيضا من كثيرين وممن نطلق عليهم النخب المثقفة في عالمنا العربي بل كانوا يتصورون هذا الشباب (سيس ) مجردا من إدني ثقافة تؤدي به لمجرد التعبير عن آماله بشكل أقل من أن نطلق عليه مقبولا ؟

في ظل تخبط ثقافي وعلمي واقتصادي وسلوكي مرير طرأ علي مجتمعاتنا العربية عبرمؤسساتنا التعليمية والعلمية بفعل فاعل سوداوي الفكر والعقل والضمير ويكفينا ما كنا نشاهده عبر فضائياتهم من عري وإبتذال وتسلط ومجون وزيف لخطاب مريض جهرا في غيبة رجال الدين والمجتمع والصحافة الرسمية مؤيدين للسلطة خطابها العليل علي طول الخط كأنهم من كوكب آخر وعجبي علي رأي عمنا صلاح جاهين ؟

الذي آلم بكل عربي ومصري بل كان البرلمان الهزلي والمزيف بإرادة عز والشريف وسرور وعزمي واشباههم في أجازة طويلة والشارع يغلي دون مجرد تطيب خاطره ولو بكلمة واحدة وكأنهم من كوكب لن ينطفئ ؟

. وسريعا ودون مقدمات وهذا كان المثير حقا في قراءة جيل الإنترنت الذي حرك الأوضاع في ليلة وضحاها 180 درجة بفعل التواصل الاجتماعي عبر الفيس بوك .. وتويتر .. واليوب توب وغيرهما من مولدات فكرحديث مائة في المائة فتمردوا علي كل القوالب القديمة في التواصل مع ثقافات عفا عليها الزمن من وجهة نظرهم كالكتاب المحشو بأفكار رديئة والمتعمدة من كتاب السلطة والديوان الشعري العليل والندوات المعدة سلفا بمن يتداخلون ويخرجون وبمن يلقون خطابهم الهزيل بل من يطلق عليهم الإعلام الرسمي ( الأساتذة ) وهم بالطبع غائبون ويغيبون سطوع الشمس ! لكنها كانت معادلة من أطراف غير الأطراف المتعارف عليها في إشكالية ذات مغزي عميق فاجئتهم والعالم أجمع تحت صوت إنترنتي ( سلمية .. سلمية ) بخطي ثابتة وعقل مفتوح علي عالم لم يعد مجهولا لهم بل هو المجهول لمن ظن أنه( نخبوي) بين متناقضات زمن ؟ ومن رحم الإنترنت خرجت مشاعر جادة في تغير عالم وليس دولة مثل مصر وغيرها في محيطها العربي حتي أن الولايات المتحدة الإمريكية ترنح خطابها الثقافي بين شك ويقين في حقيقة ما يجري علي أرض الواقع من شاب الإنترنت الذين لم تتجاوز أغلب أعمارهم الثلاثين عاما وغير المسيسين و الذين أتخذوا من ميدان التحرير وطن ليس إفتراضي هذه المرة ! لتعلو مع نداءاتهم الشابة والمفحمة بروح التفاؤل سلمية سلمية للتفاوض بسقف من مطالب مشروعة وعادلة وهي غير المطالب السياسية التي يتفاوض بشأنها كل الأطياف السياسية من قدامي أصحاب الشعارات المنمقة بعدما أحدثوه من رد فعل غير عادي في بداية العقد الثاني من الالفية الثالثة ومعها أصوات مؤيدة يغمرها السعادة بهذا الجيل الذي كان قبل 25 /1/ 2011 متهما بأنه ساذج وعابث ولن يكون في نظرهم غير بوابة لمزيد من دخول الأوبئة الاجتماعية المحرضة علي الضعف بكل قوة لتسود المجتمع في كل مجالاته ومحافله التي شوهتها صورة خطاب السلطة المستبد والمتعمد لقتل الإبداع في نفوسهم ونفوسنا وعقولنا وعقولهم !

وهذا كان الوجه الآخر واليقيني للإنترنت في الرد بقوة علي هؤلاء الذين عاشوا في أزمنة غير زمنهم فلم يلتفتوا لحديث الرسول محمد عليه الصلاة والسلام ( علموا أولادكم لزمان غير زمانكم ) فوقعوا في محظور كبير بل في جرم وآثم لن تمحوه الايام بسهولة ليسقطوا من التاريخ بفعل أفكارهم البالية وهذا ليس هجوما علي أحد دون مبرر كما فعلوا بكل صاحب رأي وقضية بل كل ما نقصده أننا نبحث عن المعني الحقيقي لثقافة الإنترنت وثورته العلمية المنهجية ذات الأطر المناخية التي تتفق مع حاضر ومستقبل وطن ؟

وأتذكر أنني كتب مقال بعنوان ( ثقافة المدونات ) وقد نشر علي صفحات المجلة العربية في عدد سبتمير من عام 2009 ميلادي أدعو فيه كل المؤسسات المعنية بالثقافة في أوطاننا العربية أن تهتم بمد جسور متينة مع شباب الإنترنت واتحاد كتاب الانترنت والمدونات والمواقع الافتراضية الحبلي بفكر شاب لأنهم معزلون جمودا وغطرسة عنهم بفكر مرير عفا عليه الزمن ليحركهم ويدفعهم كشباب مؤمن ( الإنترنت ) برفضهم القديم الذي لم يقدم غير شعارات لم يتحقق منها غير القليل !

كما كانت الصورة قاتمة لهؤلاء الذين نطلق عليهم( نخب) من كل الاطياف وهو يمرون علي هذه المواقع مرور الكرام بالتهكم وعندما يكتبون عن ثورة الإنترنت كأغلب كتاب الأزمنة القديمة بشكل مؤلم دون جوهر مبني علي الدراسة الأصيلة في الكشف عن هوية جيل ينتظر منهم المساعدة في التطلع لعصر غير عصرهم !

ربما تصور بعضهم أن هذا جرم وأنانية جيل شاب يطالب بالحرية والحق في العيش الكريم

لكن الحقيقة لم تغب كثيرا عندما كشفت عن وجهها المبدع في ميدان التحرير بالقاهرة وكأنها تؤكد لمن سلبوهم حرياتهم أن الوجه الآخر للإنترنت أقوي من كل قصائد نزار قباني .. وأمل دنقل .. وفاروق جويدة .. سعاد الصباح .. الجواهري ....

احمد فؤاد نجم .. وغيرهم من كل شعراء زمن يترنح بين الحلم والرفض ؟

وعندما يتحدث الإنترنت بلسان صادق بيننا اليوم بعدما شاهدنا من أحداث ليست ككل الأحداث التي عاشتها الأجيال الماضية بعقلية مختلفة ومتفتحة آن لنا أن نستيقظ سريعا من غفلتنا ونهدي لكل شاب من هؤلاء باقة ورد ونعمل جميعا علي أن نصحح سابق الأخطاء بمنهجية ودون تردد بتبني رسالة كل مدون يكتب عن غدا أفضل مهما كان النقد لاذعا ؟

لانخشي ثورة العقل بل نخشي من ثورة الجهل التي تؤدي بنا جميعا إلي الهلاك الحقيقي حكاما ومحكومين مهما كانت المبررات التي يجب أن ترحل من قاموسنا الإعلامي العربي فورا وقبل فوات الآوان !

وبمنتهي الشفافية والحكمة في التعامل مع جيل يتسلم راية التعبير والتغير كأحد أشكال ثقافة الألفية الثالثة دون إبطاء وعرقلة لكسب وقت يضر بمن يصنعه ؟

وهذا لايعني أيضا التنازل عن كل مكتسبات الماضي الذي كانت له كثير من صوربها أضاءات بل هدفنا الأسمي الذي يجب أن نحرص عليه جميعا هو تجديد الرؤية عمليا بدماء فتية فيها صوت شباب الإنترنت ملهما ومحركا للمياة الراكدة التي توقفت كثيرا بفعل إيديولوجيات جوفاء يجب أسقاطها من العقل العربي ودون تردد لتمضي ثقافتنا العربية من باب النصر وليس الإنكسارات ؟

التي غلفت وجوهنا وقلوبنا كثيرا عبر عقود ثلاثينية كان الوجه التعبيري لها مجرد مرادفات خالية من حقيقة جيل يحلم أن يكون مبدعا في الشكل والمضمون وهو مالم يتم تحقيقة علي الأرض واقعيا وعبر قصائد كانت للأسف تكتب لفئة نطلق عليها نخبوية وهي كما كان معروف عنها في ردهات حياتنا مسخ مشوه لنظام فاسد وعندما تتحدث لحفظ ماء الوجه الشيطاني تتحدث بكل حياء وعندما تبرر الكذب حقيقة كعادتها الأزلية ؟

تخاطبنا عن عالم غير واقعي ووملموس فيه مشاهدات تبدلت اليوم ليس بإرادتهم اليتيمة وعصا بطشهم التي كانت النموذج الأوحد في السيطرة علي كل العقول كما كان يظنون حتي اليوم الآخير لسقوط رأس نظامهم ؟

وما كان جليا هو مناصرة الجيش المصري العظيم لتلك الجموع الغفيرة التي إنحاز لها عن وعي بما كان يراه خلف كواليس نظام مستبد اسقطه شعب حضاري ومعه المجلس العسكري وعلي راسه المشير حسين طنطاوي ومجموعة من شرفاء العسكرية المصرية التي هزمت إسرائيل في حرب أكتوبر من عام 1973 من القرن العشريني بل كان الجيش صمام الأمن الحقيقي للوطن عندما إنسحبت الشرطة عن قصد وعمد وبمباركة وزير داخليتهم اللواء حبيب العادلي الذي يحاكم علي ما أرتكبه من جرائم عدة منها غسيل الأموال وقتل المتظاهرين هو وأعوانه الذين ظنوا أن الشعب المصري مكبلا بحديد الداخلية الذي لايقهر فقبعوا جميعا خلف الأسوار عبرة لكل من تسوله نفسه العبث بكرامة المواطن المصري يوما ما فجاءت محاكمتهم محاكمة شعبية عبر مليونيات الجمعة في قلب ميدات التحرير والتي لن تنتهي إلا بتحقيق أهداف الثورة مهما كان الرهان علي كسب الوقت ؟!

بل جاءت محاكمة الرئيس السابق مبارك علانية أمام العالم بفضل تلك المليونيات والتي من شأنها أرهاب كل أعداء الوطن العربي والذي كان يظنهم الرئيس المخلوع مبارك سوف يضمنون له كرسي الرئاسة مدي العمر كفرعون ولنجله جمال الوريث الذي يقبع في سجن طره بإرادة شعب ومعه رموز نظام فاسد خانع لم يدرك لحظة أويوما أن قوته الحقيقة في حب الشعب له ولهم وليس حب جواسيس كل زمان ومغتصبي الأوطان وسفاكي الدماء ؟!

ورغم ماكان سابقا من ظلم وقهر وقطع الأرزاق وفساد تعليمي وثقافي وأقتصادي خرج من رحم ثورة 25 يناير جموع شعب عظيم في كل ميادين المحروسة وفي ميدان عريق أسمه( التحرير) ليسقطوا نظام إبليسي ظل جائما ثلاثين عاما بدون أراقة دماء واحدة وفي وحدة مصرية ضمت المسلم والمسيحي كيد واحدة ليصبح الوجه السلمي لثورة 25 يناير الإنترنتية شاهدا علي متغير عملي لثورة فتية شعبية جاءت بدون شاعر وقائد وملهم وسياسي عاش يحلم حتي مات ومعه أجيال دون أن يروا بصيص من شعاع الشمس ..