دعوني أولا أنقل لكم تعريف الديمقراطية :
الديمقراطية كلمة تنقسم إلى قسمين ـ ديمو وتعني الشعب ، و قراطي وتعني حكم ، والكلمة معناها الكامل هوحكم الشعب .وسوف أعود إليها مع سياق الكلام .
بعدما عرفنا الديمقراطية ومعناها ، نرى أنه واجب علينا أن نتحدث عن طبيعة العرب حتى نطابقها مع مضمون الحكم الديمقراطي .
البيئة صانعة الأنسان وهي التي تصنع منه إنسانا قويا متحديا أو هزيلا متواكلا أو مفكرا عالما . والعرب عاشوا ومازالت الغالبية منهم تعيش في الصحراء ، والصحراء ليست بالصديقة للأنسان ، بل تعتبر أكثر قسوة عليه من الجبال ، ولها شبه بالبحار إن كانت محيطات أو أنهار وبحار . والمعروف عن الصحراء أنها درع واق ضد الغزاة والطامعين . لكن لقسوة الحياة كان عليهم التنقل من مكان إلى أخر بحثا عن الماء والمراعي البسيطة التي تطعم غنمهم التي هي المصدر الأساسي للحياة .
هذه الحياة شكلت الأنسان العربي وأعطته ميزات غير موجودة عند الكثير من شعوب أخرى تعيش في بيئة أقل قسوة من البيئة الصحراوية ، فهو قوي يواجه الأزمات والصعوبات بكل قوة وعزيمة . محارب بارع يجيد فن الحروب الصحراوية من كر وفر مما حدى بالجنرال مونتجمري قائد القوات البريطانية في مصر إبان الحرب العالمية الثانية ومواجهته مع القائد الألماني رومل على صحراء العلمين في شمال مصر وكان الجميع يتوقع إنتصارا ساحقا لرومل الألماني ، لكن مونتجمري إستخدم دهاء العرب في الكر والفر وعدم المواجهة التي كان من المحتمل هزيمة الجيش البريطاني لو لم تسعفه قريحته وتذكره لما درسه عن حروب العرب .
البيئة الصحراوية كما أنها جعلت من الأنسان العربي كريما مقداما محاربا وفارسا ليدافع عن قبيلته وعشيرته بكل شجاعة وبسالة ، كذلك علمته المكر والدهاء والخديعة ليصل إلى هدفه إن رأى أنه لن يستطيع الوصول إليه بالحرب والقتال ، أو ليحقق إنتصاراته بهم وقت الحرب .
النظام القبلي الذي يعيشه العرب مازال مستخدما على الرغم من التقدم في جميع مناحي الحياة سواء في الصحراء أو المدينة بغض النظر عن جغرافية المدينة إن كانت في شبه الجزيرة العربية أو في الخليج أو حتى في أي مدينة أو قرية في مصر أو في أي بلد عربي مازال مستخدما رغم أنف الحكومات والسلطات والقوانين . والقصص والحكايات كثيرة جدا جدا يعرفها أهل الصعيد في مصر وبدو سيناء والواحات وسأستدل لكم بأقرب حادثة وقعت في قنا عندما قطعوا أذن مواطن مسيحي بعد حرق سيارته ومنزله ولم يستطع لا الجيش ولا البوليس ولا القانون لا حمايته ولا معاقبة الفاعلين والسبب على ما أظن منعا من فتنة طائفية وتم الصلح على طريقة النظام القبلي والعشائري العربي الصحراوي .
زاد على النظام القبلي والعشائري للعرب ، ما أضافه الأسلام من أحكام حسب الشريعة التي تعتبرها معظم الدول العربية المصدر الرئيسي للتشريع والأحكام بعد الأنتشار الأسلامي في القرن السابع الميلادي وحتى الأن .
بعد الخلفاء الراشدين أصبح للمسلمين دولة في دمشق عرفت بالدولة الأموية والحاكم لا ينازعه في حكمه أحد ولا يتنازل عن الحكم إلا بالوفاة الطبيعية أو بالإغتيال الذي كان هو الطابع السائد في الحكم العربي الأسلامي على مدى العصور والدهور إن كان في الدولة الأموية أو الدولة العباسية في بغداد أو الدولة الفاطمية في مصروتوالي الحكام إلى الدولة العثمانية التي إتخذت من مدينة إسطنبول عاصمة لها وأصبحت تعرف بعد ذلك بالخلافة العثمانية والتي إستمرت إلى مايقرب من خمسمائة سنة وكانت أسوأ فترة مرت على الوطن العربي فقد إنتشر الفساد بجميع أشكاله وساءت حالة الولايات التابعة للخلافة ومصر نالها من الهم جانب إلى أن جاء محمد على باشا الذي بدأ عصرا جديدا يختلف عن جميع العصور السابقة بما فيه عصر الخلافة العثمانية ، وتميزت مصر في عهده بالحرية وسيادة القانون والتساوي بين أبناء الوطن ، وأخرج مصر من قوقعةالخلافة إلى الحياة المدنية العلمانية واللحاق بركب الحضارة والتقدم ، وقد نجح في ذلك وصحت مصرمن غيبوبة التخلف والسلبية على الرغم من الأحتلال البريطاني عام 1882 حتى عام 1952 وبداية نهاية ما حققته مصرمن إنجازات وما تمتع به الشعب المصري من تآخي ومحبة نحاول أن نبحث عنها الأن ، فقد أصبح من الصعب وجودها .
مصادفات التاريخ عجيبه ، ففي عام 1928 ظهرت شخصيتين كان لهما تأثير كبير جدا على نمط الحياة لشعوب منطقة الشرق الأوسط ودول العالم الأسلامي العربي ، والأسلامي غير العربي .
في ذلك العام تولى مصطفي كمال باشا أتاتورك الرجل العسكري زمام أمور تركيا والتي كانت المركز الرئيسي للخلافة الأسلامية بعد إنهيارها " الخلافة " وغير تركيا تغيرا جزريا على عكس ما كانت عليه جميع الدول الأسلامية منذ الخلفاء الراشدين حتى الخلافة العثمانية ، آخذا بيد تركيا إلى نهضة فكرية وعلمية وإقتصادية وإجتماعية وطبيعي دينية حتى تساوت في التقدم العلمي بالدول الأوربية.
على الجانب الأخر وفي نفس العام 1928 ومن مدينة الأسماعيلية زهر مدرس بسيط له أفكار وطموحات إختلفت عن الكثير من المفكرين في ذلك الوقت ، إسمه حسن البنا الذي إستطاع أن يغير الكثير والكثير جدا من سلبيات المسلمين بعد القضاء على الخلافة العثمانية بتكوينه لجماعة الأخوان المسلمين . وكان هدفه عودة الخلافة الأسلامية وطرد الأنجليز من مصر . أهداف لا يستطيع مسلم أو وطني غير مسلم أن لا يتفق عليها خاصة الشق الثاني وهو طرد الأنجليز من مصر.لكن الصراعات بين أقسام التنظيم وخاصة القسم العسكري المنوط به عمليات التصفيات البدنية لكل من يعارض فكر الأخوان ونشاط الأخوان مما عرض مرشدهم العام الشيخ حسن البنا إلى معادات القصر له وللجماعة بعد أن كان القصر أحد الداعمين لهم .وقد أحي الأستاذ وحيد حامد الجماعة من جديد في الجزء الأول من مسلسل " الجماعة " ولا أظن أنه سيستطيع تقديم أي أجزاء أخرى للمسلسل ، فقد حصلت الجماعة بعد ثورة 25 يناير من هذا العام 2011 الأعتراف الرسمي بها ولم تعد الجماعة المحظورة كما كانت تسمى . ولحق بجماعة الأخوان جميع الجماعات الأسلامية على مختلف تسمياتها وتوجهاتها وبدأت كل منها بإظهار وجودها الفعلى في الشارع المصري من السلفين والجماعة الأسلامية وخروج الزمر أحد المتهمين في قضية إغتيال السادات وإستقباله كبطل .
قد يظن القاريء إنني إبتعدت عن مضمون المقال وهو الديمقراطية والعرب . لكن في الحقيقة إنني حاولت أن أقدم للقاريء فكرة مبسطة عن هذا العربي الذي يعيش في الصحراء وما أضفت عليه من شجاعة وإقدام مع مكر ودهاء مما جعل منه شخصية متمسكة بما ورثه من بيئته في حياته الخاصة أو العامة ولا يستطيع التخلص منها مهما واكب الحضارة والتقدم إن كان في ملبسه أو تعليمه أو إستخدامه وبمهارة لجميع التقنيات العالمية الحديثة ، فهو مازال بدويا في نظرته إلى المرأة وفي نظرته إلى الغير المختلف عنه في الرأي أو الدين وفي نظام الحكم وطريقة إدارة شئون بلاده مهما وضع من دساتير وقوانين يظن الناس أنها قوانين لصالحهم . لكنها في الواقع لصالح الحاكم العربي وحاشيته فقط . وما تعيشه المنطقة العربية هذه الأيام من قلاقل إلا دليل على إبدال أنظمة فاسدة بأنظمة لا يعلم غير الله بما يمكن أن تسفر عنه كما يحدث الأن في مصر.
أعود إلي الديمقراطية والعرب وأكرر معنى الديمقراطية :
الديمقراطية كلمة تنقسم إلى قسمين ـ ديمو بمعنى الشعب ، وقراطي بمعنى حكم ، والكلمة بمعناها الكامل هو حكم الشعب . وأسأل أين هو الشعب العربي ؟ هل هو في عدده أكثر من مليار ومائتي مليون مسلم في العالم ؟ يوجد أكثر من 90 بالمئة من الشعوب العربية في العالم تعيش تحت خط الفقر بينما يعيش حكامهم في جنات تجري من تحتها الأنهار صنعوها لأنفسهم على الأرض بمساعدة الأئمة والدعاة والمشايخ الذين أضفى عليهم الحكام ليسايرونهم وتكون لهم جناتهم أيضا على الأرض ؟ من الطبيعي جدا أن يوجد دعاة ومشايخ وآئمة صالحين يرفضون الأنصياع إلى شهوات الحكام ويفضلون الأخرة على الدنيا .
أين المرأة من الحكم العربي الأسلامي ؟ أين الأقليات من الحكم العربي الأسلامي ؟ أليست المرأة جزء لا يتجزأ من تكوينة المجتمع العربي الأسلامي !! أليست الأقليات جزء لا يتجزأ من تكوينة المجتمع العربي الأسلامي !! فهل هذا هو الشعهب العربي الذي يمكنه أن يحكم طبقا لما يفسره معنى كلمة ديمقراطية والتي تعني حكم الشعب ؟؟؟!!!
الخلاصة لايمكن للديمقراطية أن يكون لها وجود في الأوطان العربية الأسلامية ، أو في الأوطان الأسلامية غير العربية التي يسيطر عليها الفكر العربي البدوي . دولة واحدة نجحت في تطبيق النظام الديمقراطي على الرغم أن نسبة 90 بالمئة من سكانها من المسلمين وهي سنغافورة . حقيقة سبقتها بما يقرب من أكثر من ثمانين سنة تركيا . لكننا مع الأسف نخشي من إنتكاسة بوادرها ظاهرة الأن .
0 comments:
إرسال تعليق