فاجأني ايهود براك في محاضرته التي ألقاها في معهد أبحاث الأمن القومي، كما نشرت عنها المواقع العبرية، أنه يقرأ الخارطة السياسة في إسرائيل، وفي المناطق الفلسطينية، وفي العالم، بما يخص على الأقل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي. بشكل جيد، لا بل بشكل ممتاز.
وصف ما تواجهه إسرائيل بدقة: "تسونامي سياسي" إذا لم تبادر إلى طرح خطة لتقسيم البلاد. وأكاد أشم رائحة خلاف حادة مع خطة رئيس حكومته نتنياهو، التي لا نعرف تفاصيلها إلا من معرفتنا لعقلية صاحبها، وأنه لا يختلف في يمينيته عن المستوطنين، على أساس التربية التي نشأ عليها،كما تشير تحليلات اسرائيلية عديدة، وأن خطته، أو ما تسرب منها، حول إصراره على استمرار السيطرة الإسرائيلية على غور الأردن، ثم مصادقته على مشروع بناء استيطاني واسع، كرد على مقتل عائلة فوجل في ايتمار، هي إشارة إلى خطة إعلامية أكثر منها خطة تسوية مع الفلسطينيين، الهدف منها تبيض وجه إسرائيل، والتهرب من خطوات عملية.وبراك يقول ما معناه ان ذلك لا يمكن أن يوقف ال "تسونامي السياسي" الذي يراه براك كارثياً لإسرائيل.
طبعاً لا أثق ببراك، فهو كثير التقلب، ولكني لا أنفي أن الذي يقف أمام الهاوية يرى بالتأكيد عبثية تجاهلها. وقد أوصل نتنياهو إسرائيل إلى هوة سياسية كارثية، في رؤية شركائه في الحكومة، وليس في رؤية اليسار الاسرائيلي فقط .
كنت آمل أن يتحرك براك وهو على رأس حزب العمل في الطرح الذي فاجأ فيه كل سكان إسرائيل، بعد أن أيقنوا أنه مجرد ورقة تين لاستعمال نتنياهو، وملوا من أسلوبه في الهرب لدرجة سموه برا ك-براح (برااك-هرب).
ومع ذلك،لا بد من قراءة متأنية لطروحات براك أمام معهد أبحاث الأمن القومي.ماذا قال:
طرح وشرح المخاطر التي تنتظر إسرائيل إذا واصلت نهج الجمود السياسي، وعلى رأس ذلك، انهيار في العلاقات الحيوية مع الولايات المتحدة، وحذر من ضغط أعداء إسرائيل، لوضعها في نفس مكانة "جنوب أفريقيا القديمة" مبعدة ومعزولة. ودعا إلى مبادرة سياسية جديدة على أساس دولتين لشعبين عبر ضم كتل الاستيطان وإخلاء المستوطنات المعزولة، وإلا، حذر ،ستضرب اسرائيل موجه من عدم الشرعية الدولية، يسبب لها ضرراً اقتصاديا خطيراً، وربما تجد نفسها في مواجهة انتفاضة فلسطينية في المناطق الفلسطينية. وأنتقد الضعف الخطر في قيادة الدولة، قاصداً طبعاً رئيس حكومته، الذي وصفه بدون أن يقول اسمه، أنه ليس قائداً عندما تحدث عن عدم الفعل، الشلل، التلاعب المسلي باسماع جمهور اليمين أو اليسار ما يحبه الطرفان من صياغات.حتى يبدو ان يده اليمنى لا تعرف ما تصنع يده اليسرى.
نقده لنتنياهو كن حاداً وواضحاً حتى بدون أسماء، وعملياً رفض ما يعتمده نتنياهو في تسويق خطته وتسويق نفسه للجمهور، وكأن نتنياهو يؤلمه قلبة على توقف المفاوضات، وكشف أن إسرائيل رفضت في السنتين الأخيرتين أن تبحث في المواضيع الجوهرية للنزاع.
وانتقد بحدة غير مسبوقة منه التركيبة الحكومية الحالية في مبناها السياسي،بقوله انها لا تلائم التحديات المطروحة أمام دولة إسرائيل.
ولكنه لم يقل حرفاً واحداً من استمرار تمسكه بالائتلاف مع نتنياهو وحكومته التي لا تلائم، التحديات المطروحة. وتركيبتها السياسية غير الملائمة لاتخاذ قرارات إستراتيجية حول النزاع.
براك هرب من "اليسار" في حزبه السابق- حزب العمل، وأضحى شخصاَ بلا قاعدة في السياسة الإسرائيلية، اليسار لا يريد براك، اليمين لا يشتري براك أيضا.
أليس الأنسب أن تنقذ بعض ما تبقى من قيمة اكتسبتها في حياتك العسكرية، وتهرب من حكومة أنت تنتقدها بحدة قصوى ،لم نعهدها منك في السنتين الماضيتين، رغم أن لا شيء جديد تحت شمس حكومة نتنياهو؟.
لعل خروجك يسقطها ويفيد المعادلة السياسية، عندها قد يذكرك التاريخ بشيء من الخير.
مرشد ميعاري – مهندس / بلجيكا
mo.meaari@gmail.com
0 comments:
إرسال تعليق