قرأت اليوم في إحدي الصحف مقالا للأستاذ محمد حسنين هيكل يقول فيه أن الثورة في أول الأمر قد صعدت الي القمر...ثم بعد ذلك حصلت علي كيلو كباب...!!
وذلك يعني بمجمل القول أن الثورة لم تؤدي سوي الي نتائج بسيطة رغم بداياتها العظيمة ...وهناك أيضا من المعلقين من يقولها صراحة أن ثورة شباب 25 يناير قد إنتهت ...وسلبتها منهم الجماعة الدينية المعروفة بإسم الأخوان المسلمين ...وبعض الجماعات المشابهة والأكثر تطرفا....
ولكن هل ما ذكره الأستاذ هيكل و غيره هو واقع حقيقي ؟....ولو كان كذلك أو يمت للحقيقة بصلة...ماذا علي من قاموا بالثورة من شباب 25 يناير أن يفعلوه حتي لا تضيع عليهم ثمرة جهد كبير أو خارق عجز غيرهم علي أن يقوم به من قبل علي مدي نحو ستون عاما منذ ثورة يوليو 1952 ..وحتي لا تهدر الدماء الزكية للشهداء البررة علي أرض التحرير هباء...
دعونا نعترف بأن الثورة كانت لها مطالب منطقية و مشروعة في مبدأ الأمر وهي الأصلاح الأجتماعي والسياسي والأقتصادي....ثم بعد معركة الجمل والحصان وسقوط الشهداء ...إرتفع سقف مطالبهم و بإلحاح و عجلة مع إستمرار إعتصامهم في ميدان التحرير الذي إكتسب شهرة عالمية الآن وأصبح ينافس جاره المتحف المصري في إجتذاب مشاهير زوار مصر....ثم إنضمت إليهم بخلاف جموع الشعب المطحون بالفساد والغلاء وقلة الأجور والرواتب وأسوأ وزارة حكمت مصر ألا وهي وزارة أحمد نظيف...فئات أخري لها ثأر خاص مع نظام الحكم السابق بجانب آمال وجدوها قابلة للتحقيق بعد إنهيار النظام وهي الوصولالي الحكم بدرجاته و كوادره المختلفة....تلك الفئات تشمل الأخوانالمسلمين...
جماعة 6 ابريل...كفاية...حزب الغد...جماعة التغيير...بالأضافة الي نواب مجلس الشعب الذين فشلوا في الأنتخابات المزورة لأحمد عز.... قفزت تلك الفئات علي شباب الثورة التي لم تكن لهم قيادات معروفة أو معلنه أو يدنون هم لها بالقيادة والتحدث بإسمهم ...فرفضهم شباب الثورة في مبدأ الأمر..ولكن بمضي الوقت و زمالة و رفقة أرض الميدان وجدت حنكة بعض تلك الفئات وخاصة نواب الشعب السابقين هوي في أنفسهم فبدؤا يستمعون إليهم وبدأت تتكون جماعات قليلة تضم القليل من أعداد هؤلاء الشباب أصحاب الثورة ...كنواة مستقبلية لأحزاب جديدة مثل تلك التي إختارت أحد الصحفيين الذي يقوم بتقديم أحد البرامج في قناة فضائية خاصة كرئيس لحزب يضم بعضهم...
أما جماعة الأخوان فكانت كعادتها أكثر تنظيما و إيجابية في تفعيل أهدافها...فألقت بشبابها في خضم الأحداث فحاربوا بجوار شباب يناير في معركة الجمل والحصان و إكتسبوا ثقة بعض الشباب بزمالة السلاح...ثم فقدوا هذه الثقة بعد مليونية القرضاوي...!!! ثم بعد تجربة نعم ...ولا...في الأستفتاء العجيب الذي أفرز من بين المثقفين معجبين به و ناقمين عليه في نفس الوقت..! معجبين به لأنه جمع أعدادا كبيرة لأول مرة من الناخبين الذين صبروا علي الوقوف في طوابير طويلة ليدلو بأصواتهم دون كلل أو ملل....وناقمين عليه لأن جماعة الأخوان قد هيمنت منذ اللحظة الأولي علي نتيجته بتوزيع اللحوم والمأكولات في الأحياء الشعبية و كذلك اللافتات الضخمة والفلايات والمنشورات المطبوعة التي وزعت بأعداد ضخمة علي جموع الشعب الطيب الضعيف دائما أمام كلمة ( الدين ) زعموا فيها أن من يقول لا فهو خارج عن الشريعة بل وروجت لذلك جميع الأئمة في المساجد في خطبة الجمعة التي سبقت الأستفتاء...وجاءت النتيجة...أي نتيجة الأستفتاء ب...نعم....كبيرة و بإكتساح لا يستهان به.....وهنا تغيرت أصوات المتحدثين من الجماعة في وسائل الأعلام و أصبحت أكثر إعتدادا و ثقة منها في أي وقت مضي...
و إختطفوا الكرة من لاعبيها...والثورة من صانعيها....
في بداية ثورة 25 يناير كانت القنوات الفضائية القومية منها والخاصة تتخاطف شباب الثورة ليشتركون في البرامج الحوارية بل وكان مقدمو تلك البرامج يعلنون عن قدومهم أو يبشرون به قبل وصولهم مرات و مرات للحديث عن كيف قاموا بتلك المعجزة وتفاصيل الأعداد لها ومطالبهم...وحين يبدأ الحوار كان يلاحظ مدي الترحيب بهم والعناية بكل ما يتحدثون به ....ثم بدأت الأضواء تنحسر عنهم تدريجيا وإستبدلتهم تلك البرامج بنواب مجلس الشعب السابقين الذين فشلوا في إنتخابات المجلس المزورة وكذلك ببعض الأعلاميين المغضوب عليهم في النظام السابق بالأضافة الي رموز بعض الأحزاب والحركات الصغيرة ...هؤلاء جميعا نصبوا أنفسهم أوصياء علي هؤلاء الشباب يتكلمون عنهم بل و يشيرون عليهم بالخطوات القادمة مثل عناوين جمعات الأعتصام القادمة وغيره مستغلين تواجدهم المستمر معهم في ميدان التحرير وكل منهم قد إتخذ من بعض هؤلاء الشباب الوطني المخلص أصدقاء و حواريين كان في مبدأ الأمر يستغلهم في تقديمهم بنفسه الي وسائل الأعلام ..ثم يتوقف عن ذلك ليظهر هو في وسائل الأعلام متحدثا عنهم وعن الثورة وكأنه هو من قام بها ...ثم جاءت الطامة الكبري بعد معركة الجمل والحصان حينما ألقي الأخوان المسلمين بشبابهم ومنهم من هو متدرب تدريبا عسكريا ورياضيا كقوات خاصة ليزاملو شباب الثورة في معركتهم فيكتسبون ثقتهم ويتغلغلون بينهم حتي أن القيادات الأخوانية تتحدث في وسائل الأعلام بواقع إبتدعوه و كأنهم هم الذين أطلقوا شرارتها ..أي الثورة...ثم قام الأخوان بتنظيم مليونية القرضاوي في ميدان التحرير وتلك كانت عثرتهم الكبري التي جاءت نتائجها بعكس ما رجوه منها...فلقد أخافت تلك التظاهرة الضخمة جميع أطياف الشعب المصري من مسلمين و مسيحيين والأهم من ذلك أنها قد أوجلت قلوب شباب الثورة الحقيقيين ووجدوا أن البساط قد سحبته فصائل الدين السياسي من تحت أقدامهم...
توالت الأحداث وتم الأفراج عن أعداد كبيرة من المعتقلين السياسيين ومنهم السلفيين المتشددين وكذلك قتلة الرئيس السادات ....وتوالت مليوناتهم وصلاة الجمعة في ميدان التحرير وتخاطفتهم البرامج التليفزيونية و كأنهم أبطال عائدون من حرب الأستقلال....وتواري شباب الثورة وبدأ المشاهد يعتاد تلك الوجوه التي كانت غريبة عن ناظريه منذ أمد طويل ...بل ولقد أصبح المشاهد يتقبل أحاديث قيادات و رموز جماعة الأخوان المسلمين بصدر أرحب بعد أن عرضت عليه أحاديث و أفكار الجماعات الدينية الأكثر تشددا ...وساعد علي صعود نجمهم التظاهرة الشهيرة التي إستقبلوا بها رئيس الوزراء الجديد في ميدان التحرير الذي أصبح معقلهم هم و دارهم بدلا من شباب الثورة.....
تم تشكيل لجنة تعديل بعض مواد الدستور القديم المغضوب عليه و كان أن من بين أعضاء اللجنة أحد رموز جماعة الأخوان المسلمين بالأضافة الي عضور رئيسي آخر له نفس الميول ...ذلك دون إشتراك آخرين ممن يمثلون أطيافا أخري من المجتمع ...ثم جاء الأستفتاء...ولن أتحدث عنه بأكثر مما ذكرته في مقالي رقم ( 1) ....وبدأت رموز الأخوان المسلمين تكتسب أرضا أوسع في وسائل الأعلام وأصبحت الأناقة والثقة في الحديث هي سمتهم الغالبة بعد أن أصبح مجلس الشعب الجديد بإكتساح لهم وشيك علي الأبواب ومن بعده الوزارة ...ثم الرئاسة ...ثم كل شيئ حلموا به ...بل لم يحلمون بتحقيقة من قبل.....!!!
وهنا أتوقف لأتساءل أين ذهب شباب ثورة 25 يناير 2011 ؟؟؟
سأحاول هنا أن أرسم خريطة طريق لشباب ثورة 25 يناير كي يستعيدون قبضتهم عليها و لا يغتصبها منهم آخرون...ولكي لا تتحول ثورتهم الي ذكري مضت وتتكون ثورة مضادة لثورتهم علما بأن مسؤلون في الولايات المتحدة الأمريكية قد تنبؤوا بأن الثورة الحقيقية بمصر ستندلع بعد أحد عشر شهرا..!!. وهذ الخريطة لابد من أن تنبع من تحديد أهداف حقيقية لا تعتمد علي الشعارات أو الرومانسية السياسية بل تعتمد علي واقع ما تحتاجه مصر في هذه الفترة الشديدة الحرج من تاريخها المعاصر والتي تهدد بإنهيار الدولة لا قدر الله إذا ما إستمر الحال علي ماهو عليه لفترة شهر آخر أو نحو ذلك..وتشتمل الخريطة علي ما يلي :
o أن يقومون بتكوين قيادة لهم وليس إئتلافا يضم عناصر منهم من الجنسين ممن عرف عنهم قوة الشخصية ..ووضوح الرؤية..والقدرة علي فن الحوار والتأثير في الآخرين ....
o أن ينظرون الي مصر من منظور مسئوليتهم عنها وعما وصلت اليه أحوالها نتيجة لقيام ثورتهم و ما ترتب عليها من بعض الآثار السلبية مثل الأنفلات الأمني وغياب الأمان و تأثيرذلك علي الأقتصاد من حيث إنعدام الموسم السياحي وتوقف العمل بالمصانع والهيئات والتعديات الجسيمة علي رقعة الأرض الزراعية....الخ...
o أن يقومون بتحديد أهدافهم بالأستعانة ببعض الحكماء والشخصيات العامة واساتذة الجامعات المتخصصون في كافة المجالات ممن ليس لهم أطماع في رئاستهم لأحزاب سياسية جديدة تتكون من هؤلاء الشباب ...فالفضل هنا أن تكون قيادة حزبهم أو أحزابهم مكونة منهم أنفسهم بغير دخلاء قد لا يستطيعون التأقلم مع سرعة دوران دواليب عملهم وإستعانتهم بوسائل التواصل الحديثة...
o بعد ترتيب صفوفهم علي النحو الذي ذكرت وإشهار حزبهم عليهم إعداد برنامج للحزب يهتم بوضع الحلول اللازمة للنهوض بالوطن و تبوئه المكانة اللائقة به قوميا وعالميا إسترشادا بالتجارب العالمية الناجحة لدول كانت لهم مثل ظروفنا وتغلبت عليها بإتباع مسار ثيت نجاحه ونهض بها نهضة كبيرة مثل تركيا و ماليزيا والبرازيل...
o علي قيادة حزب الشباب أن تطلب من المجلس الأعلي للقوات المسلحة و مجلس الوزراء وعلي وجه السرعة إنشاء ديوان للمظالم علي غرار ذلك الذي كان الرئيس الراحل محمد أنور السادات قد أنشأه في عهده ...وأن يتولي رئاسته وزير يختارمن بينهم أو علي الأقل يكون في مكتب الوزير عدد من هؤلاء الشباب كمكتب فني له حتي يتعرفون عي مشكلات الجماهير و كيفية إيجاد الحلول لها بإعتبارهم قادة المستقبل..وذلك الديوان يقوم بتلقي المطالب الفئوية والخاصة ويقوم بإخطار أصحابها بميعاد حلها والأستجابة لها...
إن المصريين في الحقبة الراهنة رغم إعترافهم بفضل ثورة الشباب و فضلها في كشف الفساد إلا أنهم يعيشون جميعا في قلق بالغ بسبب غياب الأمن والأمان وتعاظم مشكلة البطالة بعد توقف السياحة والتي كانت مصدر رزق الآلاف أو الملايين من المصريين وتوقف المصانع و إستغناء أصحاب الأعمال عن أعداد كبيرة من العمالة....
و هناك سبب آخر يزيد من قلق المصريين جميعا وليس المسيحيون منهم فقط ألا وهوالظهور الحالي للجماعات الدينية المتشددة...
مما يقلق الجماهير علي مستقبل وطنهم و مستقبلهم.....
ندعو الله تعالي أن يوفق ولاة الأمور و شباب الثورة لما فيه خير العباد والبلاد...
0 comments:
إرسال تعليق