"دعِ الشمس تدخل إلى الوردة وانظرْ أيّ لونٍ جميلٍ تعطيك"
أكثر مِنْ سبعة عقود انقضت منذ استقلال لبنان عن فرنسا، وعلى رغم ذلك فقد عجز أبناؤه دون أنشاء نظام فيه يساوي بين جميع أبنائه، بدليل الصراعات الحادّة التي تتقاذفه إجتماعيّاً واقتصاديّاً وسياسيّاً كلّ عقد أو عقدين، وبعضها يبلغ مستوى التصادم المسلّح الذي لا يبقي ولا يذر، والأكثر دمويّةً كان ما جرى في عام 1975 حيث نشبتْ حرب سقط بنتيجتها مئات الألوف بين قتيلٍ وجريح، فضلاً عن الخراب في الإقتصاد ومثله في النفوس التي لا تفتأ وعند كلّ حادث تفصح عن مكنوناتها في مجلسي النوّاب والوزراء مثلما في في البيوت أو في المقاهي سواء بسواء.
وفي محاولةٍ لمقاربة "المسألة اللبنانيّة" وتعقيداتها الشائكة تمّ رفع ثلاثة أسئلة إلى بعض أبناء الجالية اللبنانيّة والعربيّة في سيدني، وهم يمثّلون اتّجاهات مختلفة في السياسة.
والأسئلة هي:
* أيّ النظامين تفضِّل للبنان: الديني أم العلماني؟.
* ماذا تقول بالزواج المدني؟.
* أيّهما تفضِّل نظاماً إنتخابيّاً للبنان: الدائرة الصغرى؟ أم لبنان كلّه دائرة إنتخابيّة واحدة؟.
ولا يخفى المتتبّع لواقع لبنان أنّ هذه الأسئلة لا تخرج عمّا يصيب لبنان مقتلاً، وبالعكس فهي مِنْ عقَده المزمنة التي يجدر أن تكون لها حلول، فتخفِّف مِن عذابات أبناء الوطن الواحد الذي لا يحتمل لا التجزئة الطائفيّة، وهو الذي يضمّ 18 طائفة، ولا التجزئة الجغرافيّة، وهو الأضيق من ثقب إبرة.
(1) كانتونات وزواريب ـ علي موسى حمّود
أنا شخصيّاً مع العلمانيّة في لبنان بنسبة مئة بالمئة، وأكثر من ذلك فأنا أدعو رجال الدين اللبنانيين جميعاً مسلمين ومسيحيين لرفع شعار الدولة العلمانيّة، هذا إذا كانوا يحبّون لبنان فعلاً، ويتمنّونه فعلاً أن يكون وطناً سويّاً مزدهراً ولجميع أبنائه. وإذا سألتني عن تفصيل ذلك فأقول كأسترالي من أصل لبناني، وأعرف بلدي الأوّل لبنان بقدر ما أعرف بلدي الثاني أستراليا، فكلاهما يضم طوائف وأدياناً وإثنيات متعدِّدة، وانظرْ إلى أستراليا التي تنعم بالعلمانيّة، ففيها العدالة والمساواة للجميع بغضّ النظر عن الخلفيّات الدينيّة أو المذهبيّة أو العرقيّة، من دون أي تناقض مع الدين المحترم بدرجة ممتاز، وانظرْ إلى لبنان حيث شريعة الغاب والكانتونات المتحاربة والتنافس الأعمى والتقاتل المسلّح بين الفينة والأخرى وصولاً إلى الحروب الكبيرة كلّ 15 إلى 20 سنة مرّة. وليكون لبنان بلداً حضاريّاً، فعلى أهله أن يجعلوا من أستراليا وتجربتها في العلمانيّة مثلاً يُحتذى، وفي هذا الإطار، فأنا مع الزواج المدني من دون شروط، وحبّذا لو يقرّ لبنان هذا الزواج من دون لجوء مواطنيه إلى بلدان أخرى لكي يحقِّقوه، فيفخر باعتباره أوّل دولة عربيّة تعطي الحريّة لأبنائها في الزواج ممّن يختارون، وأغلب الظنّ عندي أن الزواج المختلط بين أبناء الشعب الواحد يزيد في لحمة الوطن وتفاعله مع بعضه البعض، والقلبُ وما يهوى، وخصوصاً إذا المسألة هي مسألة زواج، وهذا لا يعني أن مَنْ يريد أن يتزوّج مدنيّاً عليه ألاّ يلجأ إلى الزواج بطرق دينيّة متّبعة أيضاً، وهذا ما يحصل في أستراليا بالضبط. وإذا تحدّثنا عن الإنتخابات في لبنان، فأنا مع أن يكون لبنان دائرة إنتخابيّة واحدة، وهكذا يتسنّى لابن مارون الراس أن ينتخب إبن عكّار المرشّح للإنتخابات ويرى فيه السلوك الأخلاقي الرفيع والمصلحة الوطنيّة العليا لكلّ لبنان، وهذا عكس الدوائر الصغرى التي هي طائفيّة بامتياز، وتحوِّل مجلس النوّاب إلى مجلس زواريب.
(2) الشمس والوردة ـ جرمانوس جرمانوس
الدين هو تطريز العين وجمرة القلب، هو الكتابة البيضاء وشريان الدفء الحقيقي للإنسان، ولكن داخل البيت، وأفضَل له ألاّ يغادره. وقيام الوطن الحقيقي يكون بلقاء الجماعات في منتصف الطريق. والنظام الطائفي في لبنان هو حَكمَ على نفسه بالفشل. وبهذا المعنى فأنا مع النظام العلماني الذي ينظر إلى كلّ المواطنين بعينٍ واحدة، فلا هذا فوق ولا ذاك تحت، ويؤسِّس لحالة يكون فيها الوطن حديقة لكلّ الناس، بما هو القرى والمدن والبحر معاً. هل تتخيّل ونحن نعيش في القرن الواحد والعشرين وعصر الكومبيوتر أن نبقى نتنشّق رائحة العفونة والدم!؟.
وبما يخصّ الزواج المدني، فأنا مع كلّ ما يجمع إثنين. أنا ضدّ الشريعة التي تغلق الأبواب. كلّ شيء قد يُعتقَل إلاّ الفكر والقلب. دع الشمس تدخل إلى الوردة وانظرْ أيّ لونٍ جميلٍ تعطيك.
وبما يتعلّق بالإنتخابات، فأنا مع الدائرة الصغرى ونصفها أيضاً، حتى لا تأخذ الفائز في الإنتخابات النيابيّة أمواجُ الكلام الذي لا طائل تحته، فيُقال أنّه فاز فقط لأنّه كان مرشّحاً على لائحة فلان أو غيره. فإذا دائرة إنتخابية مؤلّفة من قرى قليلة العدد فإنّ الفائز، والجميع سيعرف ذلك، يفوز بالأصوات التي حصل عليها بكفاءته لا بكفاءة الآخرين. فكلّما ضاقت الرقعة الجغرافيّة كلّما اتّسعت الرؤية.
(3) اتّفاق الطائف ظالم ـ محمّد مهدي الرضا
أرغب في أن أكون واضحاً، فأنا مع إلغاء الطائفيّة السياسيّة، ولكنّي لستُ مع العلمانيّة، فالأخيرة ينتج عنها مشاكل، فهي تقرّ الزواج المدني، فنحنُ لدينا شرع وعادات وتقاليد، ويجب أن نكون إنضباطيين في هذه المسائل لكي يعرف الطفل دينه، فيما في إلغاء الطائفيّة السياسيّة لا يعود أي منصب سياسي أو أي وظيفة حكر على طائفة دون غيرها، يجب أن يأخذ المواطن حقوقه كمواطن وليس لأنّه يتبع لهذا الزعيم أو لتلك الطائفة، وبهذا الخصوص فإنّ اتّفاق الطائف كرّس الطائفيّة في لبنان، وأنا أعتبره ظالماً. ولكي أكون دقيقاً أكثر فأنا مع أن تكون المناصب الرئاسيّة الأولى في لبنان مداورة بين الطوائف مهما كان حجم الطائفة كبيراً أو صغيراً، فيما المناصب التي هي في الدرجة الثانية وما دون وكلّ الوظائف يجب أن تكون للمؤهَّل لها على كافّة الصعد العلميّة والمهنيّة والأخلاقيّة. وبالنسبة للإنتخابات النيابيّة فأنا مع أن يكون لبنان كلّه دائرة إنتخابيّة واحدة مع النسبيّة، وأن يُنتخَب الرئيس، من أي طائفة كان، عندما يأتي دور هذه الطائفة أو تلك لكي تشغل المنصب، من قبل الشعب.
(4) منذ الإستقلال إلى الآن ـ مجيد جورج
لبنان كدولة قائم على الدين، فهو كذلك منذ الإستقلال إلى اليوم. الطبخة هي ذاتها. ومبدئيّاً أنا مع لبنان علماني مثل أستراليا ودول كثيرة في العالم. لماذا يجب أن يكون رئيس الجمهوريّة ماروني؟! أو يجب أن يكون رئيس الوزراء سنّي ورئيس مجلس النوّاب شيعي؟! كفى متاجرة بالشعب والدين. ويبدو كما أرى الآن أنّ العلمانيّة هي حلم. وبخصوص الزواج المدني، فهذه مسألة لا رأي لي فيها، لأنّها متعلِّقة بالدين ورجال الدين المسيحيين والمسلمين، وإذا مِنْ كلمة بالزواج المدني فهو يبيح الطلاق والزواج أكثر مِنْ مرّة وربّما في السنة الواحدة، وهذا مأخذي عليه. وبالنسبة للإنتخابات في لبنان فأنا مع الدائرة الصغرى لأكثر مِنْ سبب، فمن خلالها، وبسبب ضيق مساحتها، يمكنني أن أعرف المرشّح للإنتخابات عن قرب، فأنا أريد أن أعرف لمَنْ سأدلي بصوتي، وطبعاً بحريّة مطلقة. وعندما يصبح لبنان دولة مدنيّة ساعتئذ لا بأس أن نجعله دائرة واحدة.
(5) الطائفيّة وعالم الإجرام ـ عبد العزيز الفنج
أي نظام ديني، وهذا على وجه العموم، هو نظام منطوٍ على ذاته، وقلّما يلتقي مع الآخر، ونحن في لبنان نرغب بوطن يكون للكلّ مثلما يجب أن يكون الكلّ للوطن، وعليه فأنا أحبِّذ أن يكون النظام في لبنان علمانيّاً لا دينيّاً أو مذهبيّاً.
لبنان الآن قائم على طوائف، ولذلك فالأذى يلحق كلّ مواطن فيه على هذا النحو أو ذاك، مثلما تستشري المحسوبيّات في اقتناص الوظائف، فيما النظام العلماني يقوم على الكفاءات، والكفاءات فقط، من القمّة إلى القاعدة، والعكس صحيح.
وبخصوص الزواج المدني، فنحن في عصر عنوانه الإنفتاح. والعقليّات الطائفيّة بات من المفترض، بسبب من ضيق أفقها، أن لا يكون لها مكان، والزواج المدني يفتح الباب أمام الإختلاط بين أبناء الطوائف المتعدِّدة، فيكون نسيج متكامل للوطن الواحد، وأنا أعرف أنّ رجالَ دينٍ لهم رأي آخر، وما ذلك إلاّ لإدامة تسلّطهم على الشعب عموماً، من خلال وضع قيود ثقيلة الوطأة على أبناء طوائفهم. إنّ إزالة العقبات من طريق الناس، وخصوصاً أولئك الذين تحرّروا من العقم في التفكير، ونسبتهم كبيرة جدّاً، يزيل عوامل هي في صلب عالم الإجرام، فإذا مسلم على خُلق، أو مسيحي على خُلق، فلماذا الوقوف بوجهه؟! أليس الزواج عماده الأخلاق الرفيعة والقيم والشعور بالإلتحام؟!.
وفي ما يتعلّق بالإنتخابات، فلماذا لا يكون لبنان كلّه دائرة واحدة؟! ومحاسن هذا الأمر أنّه يزيل عن كاهلنا حكم الإقطاع والعائلات المتسلِّطة، أنا شخصيّاً من الشمال اللبناني، فإذا هناك مرشّح هو من الجنوب، ويصلح لكي يمثّلني في البرلمان، فأنا أفضِّله على ابن منطقتي، أنا لا أحبّ أن أضع نيراً في رقبتي، من خلال الإلتزام بمرشّح فقط لأنّه إبن ناحيتي. آن الأوان ليكون الشخص المناسب في المكان المناسب.
(6) لبنان عائلة واحدة ـ عبد الرضا مهنّا
الحروب المتكرِّرة في لبنان، منذ حرب عام 1958 إلى الآن، مروراً طبعاً بحرب عام 1975، هي جميعها حروب مدمِّرة، ويجب علينا أن نأخذ العبرة كي لا تتكرّر هذه الحروب في المستقبل، والطائفيّة في لبنان لها دور رئيسي في إشعال نيران هذه الحروب المقيتة، ولذلك أنا مع العلمانيّة، فيكون اللبناني موالياً للبنان الوطن وليس للطائفة، لأن الدين هو لله والوطن هو للجميع، والله عزّ وجلّ يقول: لا تهدي من أحببت فإنّ الله يهدي من يشاء، ويقول سبحانه وتعالى: وأهديناك النجدين، أي الله يعطينا الحريّة وحقّ الإختيار فلماذا نحن نرفضهما معاً؟، يوجد في لبنان 19 طائفة، وإذا كلّ طائفة تعمل فقط لنفسها فهذا يعني أنّنا سنبقى في دائرة الصِفر، الدولة الدينيّة لا تناسب لبنان لا من قريب ولا من بعيد، وأي مذهب يريد أن يحكم فستكون كلّ المذاهب الأخرى ضدّه وهذا بات واضحاً لكلّ لبناني عاقل، العلمانيّة توزّع المناصب والوظائف على الجميع بالتساوي، وانسجاماً معها يجب أن يكون لبنان كلّه دائرة إنتخابيّة واحدة، وإذا كنّا نؤمن أنّنا في لبنان عائلة واحدة، فلا داعي لتقسيم العائلة إلى دوائر صغيرة وأصغر وما شابه ذلك.
(7) علمانيّة بأخلاق دينيّة ـ سعيد الدهّان
ليس عندي مبدئيّاً أي تفريق بين مواطن ومواطن، لا على أساس ديني، ولا على أساس عقائدي، وبناءً عليه فأنا أؤمن بأن الشخص المناسب يجب أن يكون في المكان المناسب، ومع ذلك فأنا ضدّ العلمانيّة ومعها في الوقت ذاته، أي أنا ضد العلمانيّة عندما تفرض الزواج المدني الذي لا يؤسِّس لأسرة متماسكة، وباعتقادي، وهذا قابل للأخذ والردّ، فإنّ الزواج المدني مرفوض، فالدين إجتماعيّاً، أقول، لا سياسيّاً، يشكِّل عاملاً رادعاً لرسم حياة زوجيّة مستقبليّة شديدة التماسك والإحترام، وإذا سمحتَ لي فأنا مع نظام علماني بأخلاق دينيّة، وأفضِّل استخدام مصطلح المجتمع المدني، وهذا يعني أني لستُ مع الدولة الدينيّة الصرف، حيث يصبح النقاش في مواضيع مختلفة محرّماً، أنا إنسان أحبّ الإقتناع، ولا أحبّ الفرض فرضاً، والنظام الديني إذا كان إسلاميّاً فيريد أن يفرض رئيساً مسلماً، وإذا كان مسيحيّاً فيريد أن يفرض رئيساً مسيحيّاً، وهذا أنا لا أقبله كمواطن، يجب اعتماد الكفاءات في كلّ منصب حكومي أو خاص، ولا أعتقد أنّ الأديان في العمق ترفض ذلك، وهي الأديان التي تحترم بعضها البعض كما يشاء الله أن تحترم بعضها البعض. وبخصوص الإنتخابات في لبنان فلا أعرف باعتباري سوري الأصل إذا يحقّ لي أن أبدي رأياً في هذا الشأن الخاصّ جدّاً، ولكن من خلال متابعتي السياسيّة العامّة فأنا لا أرى مشكلة في اعتماد القضاء قانوناً إنتخابيّاً بشرط أن تكون الإنتخابات نزيهة.
(8) رجل الدين خبير في اللاهوت ـ فريد تاودروس
النظام العلماني هو الحلّ، وأي كلام آخر لا يفيد سوى في تأزيم الوضع اللبناني الداخلي. وعموماً فإنّ أي نظام ديني لن ينتج عنه سوى تقسيم الشعب إلى طوائف متناحرة. الولاء يكون للوطن فيما الدين هو مسألة بين العباد والله، فلا سياسة في الدين ولا دين في السياسة. يجب أن يعيش المواطن على أرضه عزيزاً كريماً من دون النظر إلى دينه أو طائفته أو عقيدته. منذ ظهرتْ بوادر الطائفيّة في مصر والحديث عن مسلم ومسيحي، ومصر في قلاقل، إنّها بلدي وأنا أعرفها. خذْ أستراليا على سبيل المثال، ففيها نظام علماني، وهي مزدهرة ومستقرّة وكلّ إنسان في الأرض يرغب أن يعيش فيها ويسعى كل من يحلم بها للوصول إليها بأي طريقة وحتى الأميركي يقدِّرها، ففيها حريّة تعبير وديمقراطيّة ومساواة ولا طائفيّة، كل مواطن يعبِّر عن رأيه ولا مَنْ يطغى عليه. أنظرْ إلى العراق، فعلى رغم أنّ صدّام حسين كانت يده حديديّة فإنّنا لم نكن في عهده نسمع بهذا سنّي وذاك شيعي وإلى آخره، الآن الوضع مأساوي في العراق. رجل الدين خبير في اللاهوت وما يتعلّق في الدين، ومن وجهة نظري فهذه حدوده. ولكي تكون مساواة في لبنان بعيداً عن الطائفيّة، فيجب أن يكون كلّ لبنان دائرة إنتخابيّة واحدة وليس دوائر دينيّة صغيرة، والنائب المُنتخَب على هذا الأساس سيعمل من أجل اللبنانيين جميعاً وليس من أجل حفنة من هذا الدين أو ذاك. وبالنسبة للزواج المدني فأنا معه على أن يتمّ توثيقه أيضاً في المؤسّسة الدينيّة التي ينتمي إليها المتزوِّج.
Shawki1@optusnet.com.au
0 comments:
إرسال تعليق