** أعترف بأننى سئمت لغة الحزن والبكاء على هذا الوطن .. نعم أعترف بأننى سئمت لغة السقوط .. فلم تكن المرة الأولى التى أكتب فيها بكاءا على أطلال هذا الوطن .. بل كتبت كثيرا ، ولم يكن ما أكتبه هو نتاج أحداث مفجعة .. ولكن رؤيتنا للقادم منذ إندلاع الفوضى فى 28 يناير .. هى التى جعلتنا نصرخ ، ونحذر ، ونناشد الجميع .. ولكن الجميع تركوا مصر تغرق ، دون أن يمدوا لها يدهم لإنقاذها ..
** نعم .. منذ إندلاع فوضى 28 يناير .. وإنفلات الحالة الأمنية ، وإنهيار الشرطة بفضل مؤامرة دنيئة ، خططت ونفذت بكل خساسة ، وحقارة .. ولم تكن هذه الخطة الدنيئة تهدف إلى إسقاط النظام ، أو إصلاحه ، وإنما إلى هدم الدولة بأكملها ..
** أما ما دعانى لكتابة هذا المقال .. هو تلك الكلمات التى خرجت من فم المشير .. الرئيس الأعلى للقوات المسلحة .. عندما قال "أن مصر لن تسقط أبدا" .. وتلك الكلمات التى خرجت من الدكتور "الجنزورى" فى مجلس الشعب .. "إن مصر لن تركع أبدا" .. كتبت لأؤكد أن مصر لم تسقط فقط ، ولم تركع فقط .. بل أنها تاهت وسقطت دوليا .. ولا نملك إلا أن نبكى عليها ، ونردد تلك الكلمات للقصيدة الرائعة للراحلة العظيمة ، سيدة الغناء العربى "أم كلثوم".. "الأطلال" .. ، وهى تردد بعض مقاطعها .. "يافؤادى .. لا تسل أين الهوى .. كان صرحا من خيالى فهوى .. أسقنى وأشرب على أطلاله ، وأروى عنى طالما الدمع روى" ...
** لقد تغنت "أم كلثوم" .. بأروع الكلمات .. عندما إهتزت مصر فى نكسة 1967 .. وجابت بتلك القصيدة كل دول العالم .. وحركت فيهم المشاعر ، وهزت القلوب ، وجمعت ملايين من التبرعات لدعم الجيش المصرى .. ولم يدرك الكثيرين هذه المعانى .. وهل قصدت بها سيدة الغناء الحبيب؟!! .. أم هى كلمات قصدت بها الوطن ؟!! .. وعندما تساءلت وقالت "أسقنى وأشرب على أطلاله ، وأروى عنى طالما الدمع روى" .. هل كانت تتنبأ بتلك الأحداث التى سيتحول فيها الوطن إلى أطلال ، أم كانت تعتقد أن الأطلال هى قمة نكسة 1967..
** نعم .. لقد أصدرت هيئة التحكيم الدولية الحكم الصادر فى القضية رقم 28 فبراير ، لعام 2011 ، بسقوط مصر دوليا .. وقد أودعت المحكمة فى حيثيات الحكم فى عدة أسباب ، ونقاط .. كلها أسانيد قوية لا تقبل الطعن عليها ..
· المجلس العسكرى ..
** ياخسارة ، وألف خسارة .. أقسم ألا يسلم مصر إلا للشرفاء الوطنيين .. ومع ذلك سلمت مصر لمجموعة من اللصوص ، والحرامية ، وأرباب السجون ، وقطاع طرق .. أياديهم ملطخة بالدماء ، وفتاويهم مخربة ، وأفكارهم سوداء ، وماضيهم إسود ، وحالك الظلمة .. لا تقولوا إنه الشعب الذى إختار ، فالشعب لم يختار ، وإنما الذى إختار مجموعة من البسطاء ، والجهلاء ، والمغيبين .. بل وأحبكت تمثيلية شارك فيها المجلس العسكرى ، ورئيس اللجنة العليا للإنتخابات .. وبعض القضاة والإعلام الذى لعب دورا كبيرا ، فى وصول فئة ما كانت تحلم بأن تدخل البرلمان .. وتسطو على مصر ..
** لقد أهان المجلس العسكرى شعب مصر بأكمله .. وأهان جيش مصر العظيم .. ولا تقولوا أن هذا المجلس هو من يقود هذا الجيش .. نعم ، أهان هذا المجلس أنفسهم أولا ، ثم مصر ثانيا ، ثم شعبها ، ثم جيشها .. لأنه سمح لأحد النواب بإهانة رئيس القوات المسلحة بوصفه "حمار" .. ورفض الإعتذار ، وقال أنه لفظ مجازى .. وكتب خبر بأحد الصحف ، بأن مجمع اللغة العربية برأت النائب ، وعاد مجمع اللغة ، وأنكر صلته بهذا الخبر .. وإذا كان لفظ "حمار" هو لفظ مجازى .. ولا يساءل عليه من أطلقه .. إذن ، فعلينا أن نطلق على هذا الشعب كله "حمار" .. وكل واحد يتعرف على واحدة ، ويتزوجها يوصفها بالحمارة .. وكل فتاة ترغب فى الزواج من فتى أحلامها تطلق عليه "لقد وجدت الحمار الذى أكمل معه حياتى" .. وكل واحد ينادى على أبوه بكلمة "حمار" .. وعلى أمه كلمة "حمارة" .. ويحيا الفنان "سعد الصغير" ، الذى سبق الجميع فى رؤيته لهذا المعنى ، وغنى للحمار ، وقال "بحبك ياحمار" ..
** نعم أساء المجلس العسكرى لقواته المسلحة .. حينما سمح لبعض اللصوص ، بالتعدى على جنود قواتنا المسلحة .. وحينما سمح لبعض الجنود المندسين داخل هذا الصرح الشامخ .. بالتعدى على أبناء مصر من الأقباط ، وقاموا بسحلهم بالمدرعات .. وسمح لجندى بالأمن المركزى بسب الأقباط على الهواء مباشرة ، من خلال برنامج تليفزيونى مصرى ..
** نعم .. سمح المجلس العسكرى بإهانة الجيش والشعب ، حينما سمح لإحدى الفتيات بالإدعاء بالكذب ضد أحد ضباط الجيش المصرى العظيم ، ويعمل طبيب بالقوات المسلحة ، وإدعت عليه هذه الفتاة .. بأنه قام بالكشف عليها ، والكشف عن عذريتها .. وكان ينبغى عند تقديم هذا البلاغ أن تحال مقدمته إلى الجنايات فورا ، والكشف عن سجلها فى الأداب ، وليس تحويل الضابط إلى التحقيقات .. ولكن لأنه لا يوجد ردع ولا قانون فى البلد .. فقد أباح كل فرد لنفسه أن يدعى ما يريد .. ضد من يريد .. والذى حول دولتنا إلى سيرك من الفوضى ، فما عليه إلا أن يقدم بلاغ للنائب العام .. ويكون معاه محامي بير سلم ، يبحث عن الشهرة ، وصحفى ميكروباص ، وإعلامية ندابة .. ليتم نشر الخبر ، والترويج له ، ليصير حديث الساعة ، وتتناقله المواقع على صفحات الإنترنت .. ويتحول ضابط محترم بالقوات المسلحة إلى مجرم مطارد من العدالة بسبب عاهرة ، ومحامى ، وندابة ..
· الإعلام ..
** إذا كنتم تحاكمون الوزير السابق على الفساد المالى .. فمن هو الوزير المسئول عن هذه الفوضى الإعلامية التى قطعت الوطن ، وراهنت علي جثته على موائد القمار .. ولم يجد هؤلاء القوادين من يحاسبهم .. بل تمادوا حتى غرقت مصر بمن فيها ، ويمكنكم الرجوع إلى كل التسجيلات لهؤلاء القوادين وضيوفهم .. الذين وجدناهم فجأة داخل منازلنا ، فى وجوه لا تتغير .. بل ظلت تتكرر يوميا فى جميع البرامج ، وجميع القنوات لكى يقوموا بحرق دم الشعب المصرى ، دون أن تحرك هذه القنوات ساكنا ، بل كانت تسكب مزيدا من النار لإشعال الحرائق ، فى كل أرجاء الوطن .. وقد بزغ من هؤلاء النجوم ، الإستشارى "ممدوح حمزة" .. الأب الروحى ، والزعيم الشرعى لحركة "6 إبريل" .. والمناضل الحنجورى "جورج إسحق" ، زعيم حركة كفاية .. و"أيمن نور" رئيس حزب الغد .. ود. "علاء الأسوانى" ، طبيب أسنان يتميز بإنفلات فى اللسان وسرعة قذف الشتائم والبذاءات ، وحصل على أحد الجوائز الأوربية لتميزه فى أداء الدور .. والكاتب "بلال فضل" ، الذى ظل يتنقل من قناة لأخرى ، بعد أن أدى دوره بميدان التحرير ، وكان حلم حياته أن يخرج من المولد ، لمولانا وشيخنا الجليل "أوباما" بأى سبوبة .. ولكن يبدو أنه يجنى ثمار أحقاده .. فقد لفظته جميع الصحف ، بإستثناء بعض المقالات فى جريدة هنا ، أو هناك .. ليعمل كعب داير من عمود فى صحيفة إلى حلقة فى برنامج ، إلى تصريحاته الفيس بوكية .. التى تتداولها بعض المواقع الساقطة على طريقة زينب العالمة ، تحت عنوان "إلحق شوف الرائع بلال فضل كاتب إيه" ...
** المخرج "خالد يوسف" .. و"خالد الصاوى" .. و"خالد أبو النجا" .. و"تيسير فهمى" .. والفنانة "بسمة" .. و"شريهان" التى نصبت خيمة فى ميدان التحرير .. ولاعب الكرة "نادر السيد" .. والكاتب "جمال فهمى" .. والكاتب "عمار على حسن" .. والكاتب الإسلامى "حسن نافعة" .. و"فريدة الشوباشى" .. والإعلامى "يسرى فودة" .. و"ريم ماجد" .. و"مجدى الجلاد" .. و"جابر البلعوطى" .. ومقدمى البرامج السياسية فى النيل الإخبارية ، والأولى الفضائية ، والمصرية .. و"معتز الدمرداش" .. و"معتز مطر" .. و"دينا عبد الرحمن" .. و"لميس الحديدى" .. و"محمود سعد" .. والكثير .. والكثير من كل هؤلاء .. كونوا فريق إسقاط مصر ، بجانب جميع تيار الإخوان المسلمين .. فهل وجدنا أحد يحاسبهم .. الإجابة لا يوجد .. بل أن البعض أقيل من دوره الإعلامى بعد أن نفذ ما طلب منه ، وحصل على معاش مبكر ، أو مكافأة نهاية الخدمة ..
· الصحافة ..
** بعد 28 يناير .. وصدور أول بيان للمجلس العسكرى ، وهو تضامنه مع المطالب المشروعة للثوار .. إنقلبت الصحافة ، وتبارزت الأقلام فى خلق الكذب والقصص حول كل من له صلة بالنظام السابق .. وكان أكبر شاهد على هذا الإنقلاب هى مؤسسة روزاليوسف ، ومؤسسة الأخبار ، والأهرام ، والجمهورية .. وأطلقت حملة روج لها الإخوان الكذابون ، وتلقفتها الصحافة والإعلام المرئى ، بإتهام كل رجل شريف بأنه من الفلول حتى تحول أكثر من 50 مليون مصرى إلى فلول ، ولم يسأل أحد نفسه .. "ما معنى كلمة فلول" .. ولكن كان السيناريو أن يطلق الإخوان الشائعة والأكذوبة .. والصحافة تتلقفها ، وتطبل عليها .. والإعلام يروجها بالمساء ويؤكدها .. والنتيجة التى وصلنا إليها هى سقوط وطن بأكمله ..
· التحرير ..
** هذه البؤرة القذرة التى تحولت من قطعة من الجنة الساحرة ، والرئة التى تستنشقها مصر .. إنقلبت وتحولت إلى بؤرة للدعارة والفساد .. ومركز عالمى لبيع الترامادول ، والمخدرات بكل صنوفها .. والشئ الغريب إنها مهما كتب عن هذا المكان ، وكمية المخدرات التى ضبطت والأسلحة ، والدعارة داخل الخيام ، أخرها تم ضبط بلطجى بعد إغتصابه لطفلة داخل إحدى هذه الخيام .. ونشر هذا الخبر بجميع الصحف .. بل أنه نشر عنهم .. أنهم خرجوا للإشتباك لبعض المصريين تطالب بطرد السفيرة الأمريكية .. ، بل لقد شاهدنا هذا المشهد على قناة "الفراعين" .. كانوا مجموعة أقل ما يكن أن توصف به ، أنهم بلطجية محترفين ، وظلوا يهتفون "بالروح .. بالدم .. نفديك ياأمريكا" .. ومع ذلك .. تدعى الشرطة أنها بدأت تتعافى ، وتعود إلى الشارع مرة أخرى .. وفى الحقيقة هى تخشى الإقتراب من هذه المنطقة .. فهل هناك شئ لا نعلمه ، ومتفق عليه .. رغم الشكاوى العديدة التى أرسلها أهالى وسكان التحرير .. بل وسمعنا أن هناك فِردة يتم تحصيلها لصالح البلطجية الذين أصبحوا يفرضون هيمنتهم على ميدان التحرير بأكمله من السيارات المارة ، وفرض إتاوات على الباعة الجائلين هناك لشراء المخدرات ، ومن يرفض ينال علقة ساخنة .. فأين إذن هذه الدولة ، وأين أمنها .. أعتقد أنه حتى الأن لا يوجد أى أمن ، ولا أمان فى مصر .. والتحرير يشهد على ذلك .. فمن هو صاحب القرار الذى يطلق هؤلاء البلطجية ، مازالوا يعسكرون لإحتلال هذا المكان ، ومن يدعمهم ، ومن ورائهم ، ومن يطلق لهم الصفارة للهجوم على أى منطقة يراد إحراقها؟!!! ...
· الشعب المصرى ..
** هذا الشعب هو الملام الأول ، على سقوط مصر دوليا .. فقد سمح بإعلام حرق الدم أن يقوم بدوره الرائد والعظيم فى هدم مصر .. نعم ، هذا الشعب هو الملام الذى ترك مصيره فى تحديد من يزعمون أنهم يمثلون الشعب فى البرلمان ، ولم يخرج .. وترك الساحة للجهلاء والمرتشين والمزورين .. وهناك الكثير .. والكثير .. والكثير الذى يحتاج إلى ألاف الصفحات للكشف عن الذين أسقطوا هذه الدولة ..
** ومع ذلك أجد قارئ من القراء الذين لا يقرأون إلا عنوان المقال .. ويقول "أستاذ مجدى .. إنت بتهاجم الكل .. طيب إنت عملت إيه" .. والحقيقة لا أعرف ماذا أقول .. هل سأذهب للتحرير ، وأخذ خيمة ، وأتعاطى سجائر البانجو ، وأضع لافتة تقول أن هناك المواطن الثائر .. أم أحمل مدفع ، وأفرغ الرصاص فى كل من يقابلنى .. أم أضحك على نفسى ، وأنضم إلى أحد المنظمات الحقوقية ، أو منظمات المجتمع المدنى ، أو حقوق الإنسان .. وأظل أمجد فى أمريكا .. أنا لا أحمل ياسيدى إلا قلمى .. الذى أدافع به عن هذا الوطن .. وأتحمل نقد الأغبياء الذين لا يفهمون أننا ندافع عن مستقبل هذا الوطن .. ويختلف معى الكثيرين ، بل يختلف معى الكل .. لأننى أؤمن ، بل أؤكد أحد مقاطع قصيدة الأطلال التى تغنت بها سيدة الغناء العربى "أم كلثوم" .. عندما أشدت "وإنتبهنا بعد مازال الرحيق .. وأفقنا ليت أنا لا نفيق .. يقظة طاحت بأحلام الكرى .. وتولى الليل والليل صديق .. وإذا النور نذير طالع .. وإذا الفجر مطل كالحريق .. وإذا الدنيا كما نعرفها .. وإذا الأحباب كل فى طريق" .. نعم ياصديقى .. لقد أصبح كل فى طريق .. ولا نعرف إلى أين نحن ذاهبون .. وإلى أين ينتهى المصير؟ ..
** نعم ، إننى أؤكد أن مصر سقطت .. ثم سقطت .. ثم سقطت .. وهناك ألاف الأسباب .. ولكن أهم هذه الأسباب هو المجلس العسكرى الذى يملك السلطة والنفوذ والقوة ، حتى لو كانت قوة غاشمة ضد الفوضى ، وضد الإرهاب ، وضد البلطجة ..
** وبعد أن نكاد أن نفقد هذا الأمل .. لا يسعنا إلا أن نختم مقالنا بهذا البيت الرائع من الأطلال .. "أعطنى حريتى .. أطلق يدى .. إننى أعطيت ما إستبقيت شيئا .. أأه من قيدك أدمى معصمى .. لما أبقيه وما أبقى علىّ .. مع إحتفاظى بعهود لم تصونها .. وإلام الأسر والدنيا لدىّ" ..
مجدى نجيب وهبة
صوت الأقباط المصريين
0 comments:
إرسال تعليق