إسرائيل وراء تعطيل دور المجتمع الدولي حيال الأزمة السورية/ محمد فاروق الإمام

لا أبالغ إذا ما قلت أن إسرائيل وراء تعطيل أي دور للمجتمع الدولي للقيام بواجبه تجاه ما يجري في سورية من مجازر ومذابح وجرائم قتل وتعذيب وحشي حتى الموت، ترقى – كما قالت مفوضة منظمة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة – إلى جرائم ضد الإنسانية، وتستحق رفع ملفها إلى محكمة العدل الدولية وملاحقة المجرمين الذين عرفت أسماؤهم للقبض عليهم وتقديمهم إلى محكمة جرائم الحرب في لاهاي.
كلنا يعرف أن هناك اليوم قوتين عظميين في العالم هما الولايات المتحدة ومعها الغرب والعرب ومعظم مكونات المجتمع الدولي، وروسيا ومعها الصين ومجموعة من الدول لا تعد أكثر من أصابع اليد الواحدة تتجاذبان مصير الملف السوري بما تملكان من حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن وتعطلان أي قرار يتخذ لوقف شلال الدم في سورية، وتدخلان في حرب باردة حول طريقة حله، وهما متفقتان أن الحل لا يمكن أن يكون عسكرياً بل بالوسائل السلمية والطرق الدبلوماسية، وتختلفان حول بقاء النظام السوري أو رحيله، فروسيا ومجموعتها التي معها تصر على عدم رحيل النظام متذرعة بأنها تدافع عن القانون الدولي الذي لا يجيز لأحد التدخل في شؤون الدول الداخلية، وأن أي إصلاح يطالب به الشعب السوري يمكن أن يتحقق في ظل هذا النظام، الذي قام بالفعل بإصدار العديد من القوانين والمراسيم الإصلاحية، في حين تصر الولايات المتحدة ومن معها على رحيل النظام الذي تلوثت يداه بدماء أكثر من عشرة آلاف سوري خلال سنة من القمع الذي مارسه ضد المتظاهرين السلميين المطالبين بالحرية والكرامة والديمقراطية.
وقد يتفق معي البعض أو يختلف بأن هناك لوبي صهيوني ذو نفوذ قوي يتحكم بقرار كلتا القوتين سواء الولايات المتحدة، وهذا أمر معروف، وبالقرار الروسي بشكل خفي وبعيد عن الأضواء، ويمارس أقوى أنواع الضغوط على مراكز القرار فيهما لمنع اتخاذ أي قرار يستعجل الإطاحة بنظام الأسد في سورية.
قد يكون موقف تل أبيب في شكله العام ملتبس وغامض، ولكنه بحسب تصريحات النافذين في إسرائيل وأصحاب القرار فيها التي تتداوله وسائل الإعلام وتتناقله وكالات الأنباء العالمية، والتي تحذر من المخاطر الكبيرة والمحتملة التي يمكن أن تتعرض لها الدولة العبرية فيما إذا أطيح بنظام الأسد، فهذا "عاموس جلعاد" يقول: إن "سقوط نظام الأسد سيعجّل بنهاية إسرائيل"، فيما قالت تقديرات رسميّة في تل أبيب: إن "نظام الأسد سيسقط في الأمد البعيد وهذا سيء لتل أبيب"، ونشرت صحيفة صهيونية تصريحاً لرئيس سابق لـ"الموساد" قوله: إن "التغيير في سورية قد لا يكون لمصلحة إسرائيل"، وقالت صحيفة لافيغارو الفرنسية: "إسرائيل تخشى سقوط الأسد"، فيما أعرب الناطق باسم الجيش الاسرائيلي لـ "الراي": أن "إسرائيل قلقة من سقوط الأسد".
ويقول أحد المحللين المتابع للأزمة السورية معللاً الأسباب التي تحدو إسرائيل للخشية من سقوط نظام الأسد: إن "الإسرائيليين يركّزون على أنّ نظام الأسد كان الوحيد الذي ضمن بشكل حقيقي حدود إسرائيل وهو الأمر الذي لم تستطع حتى الدول العربية الموقعة لمعاهدة سلام مع إسرائيل أن تضمنه! لدرجة أنّ الهدوء في الجولان يستمر منذ عام 1973، وبالتالي بالنسبة إلى تل أبيب، فإنّ أي نظام بديل للأسد إما أنه لن يكون مستعدا لتقديم مثل هذه الضمانات أو أنه سيكون عاجزاً عن ذلك حتى وإن كانت لديه النية في عدم الاصطدام مع إسرائيل".
ويضيف هذا المحلل قائلاً: "على الرغم من أنّ هناك من يرى في إسرائيل أنه من الأفضل التخلي عن سياسة إبقاء الأسد طالما أنّه فقد شرعيته وانّ في ذلك فرصة لضرب المحور الذي تتزعمه إيران، إلا أنّ التعبير عن هذا الموقف لم يكن بشكل مباشر كما هو الموقف الأول ولا بقوته أيضاً داخل الأوساط الإسرائيلية".
ومن الملاحظ أنّه ونتيجة للحرج الذي نجم عن الموقف الأول، حيث اضطر عدد من المسؤولين الإسرائيليين إلى التغطية عليه عدة مرات بالقول إنّ إسرائيل "تفضّل" رحيل نظام الأسد، ومن بينهم السفير الإسرائيلي في واشنطن مايكل أورين الذي وزّع بياناً خاصاً لأكثر من مرة في الصحف الأميركية حول هذه النقطة تحديداً، يجري الآن اعتماد موقف إسرائيلي ثالث غير معلن يقوم على فكرة أنّ الأسد فقد شرعيته داخل سورية، لكن ليس هناك من داع لاستعجال الإطاحة به خاصة أنّ الدول العربية وتركيا لن يكون بإمكانها فعل شيء منفردة، وهو الموقف الذي تضغط إسرائيل عبره على الإدارة الأميركية لعرقلة أي تحرك عملي ضد نظام الأسد.
ويقول مصدر مطّلع أنّ هدف هذا الموقف إبقاء النزاع لأكبر فترة ممكنة بما يضعف الدولة السورية وجميع الأطراف سواء النظام أو المعارضة، ففي حال نجاح المعارضة ستكون في حالة وهن وتنشغل في الوضع السوري الداخلي حصرا، وحتى في حال نجاح الأسد في القضاء على المعارضة فإنه سيكون ضعيفاً ولن يقوم بتغيير عدواني وسيحافظ على الترتيبات غير المعلنة في العلاقة مع إسرائيل.
ويضيف المصدر أنّ إبقاء النزاع أطول فترة ممكنة سيغذي من السياسة الطائفية التي يتبعها الأسد داخل سورية خاصة في ظل تجاوب بعض الفئات الشيعية والمسيحية خارج سورية مع "بروباغندا" النظام حول الأقليات، وهو ما من شأنه في النهاية أن يضعف المجتمع السوري، وأن يغذّي من العامل الطائفي إقليمياً بما يصب في النهاية في مصلحة إسرائيل.
تجدر الإشارة إلى أنّ الموقف الإسرائيلي المعرقل لأي تدخل حاسم لمساعدة الشعب السوري يتقاطع بهذه الطريقة مع الموقف الإيراني، إذا ما أحسنا الظن بطهران وصدقناها في ما تعلنه بأن عدوها الأول هو إسرائيل، كما يتقاطع مع الموقف الروسي الذي يخشى على قواعده في سورية ومصالحه في الشرق الوسط إذا ما سقط نظام الأسد، وبالتالي فإننا نجد أن البلدين يرميان بكل ثقلهما لدعم نظام الأسد ومعارضة أي عمل حاسم بحجّة رفض التدخل الخارجي والبحث عن حل سياسي يبقي نظام الأسد.
من هنا فإننا نؤكد على الدور الصهيوني الخبيث في حماية النظام السوري والدفع في إطالة عمره سواء في ممارسة الضغوط على واشنطن والتي كان آخرها الطلب من الحكومة الأمريكية التوقف عن الضغط على النظام السوري، أو في تشجيع روسيا في مواقفها الداعمة للنظام السوري، سواء في مجلس الأمن بما تملكه من حق النقض "الفيتو" أو في إمدادها للنظام بالأسلحة المتطورة والفتاكة لمواجهة الشعب السوري الذي تخشى إسرائيل من نجاح ثورته، ليقينها بأن هذه الأسلحة ستكون موجهة إلى صدور السوريين وليس إلى جنودها المحتلين للجولان، وقد أعلنت السفيرة الإسرائيلية لدى روسيا: أن "إسرائيل تتفهم سبب توريد الأسلحة الروسية إلى سورية".
وإذا ما خلصنا إلى هذه النتيجة من أن إسرائيل وأمريكا والغرب وروسيا والصين يقفون في خندق واحد بشكل أو بآخر للحيلولة دون سقوط النظام السوري أو الإطالة بعمره، فقد فات هؤلاء إرادة الثوار السوريين على الأرض وهم يندفعون بقوة خارقة في مواجهة قمع النظام الوحشي بأجسادهم العارية وصدورهم المشرعة، غير آبهين بكل ما يمتلكه النظام من ترسانة عسكرية جهنمية، وهذا بابا عمر يؤكد على صلابة الثوار وصمودهم الأسطوري وقد وقف شامخاً لنحو شهر أمام آلة النظام المدمرة وقصف حمم دباباته ومدفعيته وطائراته على رؤوس ساكنيه، ليمتد هذا الصمود الأسطوري إلى مختلف المدن والبلدات والقرى السورية، والتي خرج معظمها من قبضة النظام وسيطرته، لتصبح مناطق آمنة لالتحاق المزيد من العسكريين المنشقين "كماً وكيفاً" عن كتائب الأسد المجرمة بالجيش الحر، الذي نجح بالقليل مما يملكه من الأسلحة الفردية المتواضعة، في تشتيت قوات النظام وكتائبه وإنهاك قواه في حرب عصابات لا يجيدها، تكلفه يومياً قتل العديد من عناصره وتدمير الكثير من آلياته.
هذه المواقف المشينة لهذه الدول شحنت الثوار بمزيد من الإصرار والصمود والتحدي واللجوء إلى الله قاهر المتجبرين والمستبدين والقتلة والظالمين، هاتفين بيقين (يا الله مالنا غيرك) وهو القائل: "الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما قصمت ظهره ولا أبالي" معتقدين أن الله لن يخذلهم وسيكون إلى جانبهم مهما طال الزمن وكثرت التضحيات.

CONVERSATION

0 comments: