كن منصفاً ميشيل كيلو فالأكثرية هي من تستحق الضمانات/ محمد فاروق الإمام

في مقال للمعارض السوري المعروف ميشيل كيلو نشر في صحيفة السفير اللبنانية يوم السبت 10 آذار الحالي تحت عنوان "خطوة إسلامية مطلوبة في سورية" استهله بتصريح للسيد فيصل المقداد نائب وزير الخارجية في النظام السوري الذي قال فيه: "إن الهدف من كل ما يجري في سورية هو إيصال الإسلاميين إلى السلطة". وعلق ميشيل كيلو على ذلك بقوله: "بكلام آخر: يقول الأستاذ المقداد إن إخوته وأبناء عمومته وجيرانه في محافظة حوران، خرجوا يطلبون الموت من أجل إيصال إسلاميين، لا وجود لهم في منطقتهم، إلى سلطة لا يملكونها".
ثم يُسفّه كيلو دعاوي المقداد قائلاً: "رغم ما في قول المقداد من مجافاة للحقيقة، ومع أن الشعب السوري لم يرفع خلال أشهر ثورته الأولى أي شعار، ولم يطلق أي هتاف إسلامي، ورغم أن أي تنظيم إسلامي أو ديني لم يوزع إلى اليوم ما يشير إلى أنه هو الذي أطلق الثورة أو خطط لها أو قادها، فإن السلطة أطلقت منذ أول يوم أكذوبة الثورة الإسلامية السورية، كي ترفض بتعنت، إيجاد أي حل سياسي للأزمة، واعتمادها حلاً أمنياً، تحول إلى حل حربي أعمى يطاول المواطنين جميعهم، من الأطفال إلى النساء والشيوخ والشباب، ولم تطلقها، لأن السوريين شهروا مصاحفهم ونزلوا إلى الشوارع يطالبون بحاكمية الله أو الشهادة".
وهكذا جاء رد كيلو على دعاوي النظام السوري يدحض أكاذيبه ومفترياته وأباطيله التي كان النظام يهدف من إطلاقها تحريك مشاعر الغرب وأمريكا للتعاطف معه والسكوت على جرائمه وقمعه المجنون للمتظاهرين السلميين المطالبين بالحرية والكرامة والديمقراطية، وقد نجح النظام في بعض الأوقات من تسويق هذه الادعاءات، وقد سمعنا من بعض المسؤولين والمحللين والسياسيين الأوروبيين والأمريكيين تصريحات تناغمت مع ما يدعيه النظام من أن هناك عصابات مسلحة من عناصر القاعدة وبعض المسلحين من الإسلاميين المتشددين، ولكن سرعان ما خفتت هذه الأصوات النشاز أمام ما يرتكبه النظام السوري من جرائم بشعة وشنيعة بحق السوريين العزل من أطفال ونساء وشيوخ، وقتل جماعي للرجال والناشطين والمنشقين عن كتائبه العسكرية، والإجهاز على الجرحى أو منع وصول المسعفين إليهم لينزفوا حتى الموت، وإقدامه على حالات تعذيب بشعة حتى الموت طالت الأطفال والنساء والشيوخ والرجال، ولم يتوانى عن اغتصاب الحرائر أمام أهليهن كما تحدثت التقارير الدولية الموثقة.
وينهي كيلو مقاله متسائلاً: "من سيأتي في حال ذهب الأسد؟"، ويعلق على سؤاله قائلاً: "هذا هو السؤال الرئيس الذي يطرح اليوم في كل مكان ويعتبر مفتاح المسألة السورية برمتها". ثم يرمي كيلو الكرة في ملعب الإسلاميين عندما يقول: "أما جواب هذا السؤال فهو لدى إسلاميي المجلس الوطني السوري"، مطالباً الإسلاميين أن يأتي ردهم في بندين متصلين حددهما بقوله: "واحد يعلن استعداد هؤلاء، وتاليا المجلس، للتوافق على وثيقة تتضمن موضوعات من شأن التفاهم عليها توحيد مواقف المعارضة من راهن سورية ونظامها والمرحلة الانتقالية المطلوبة لها، على أن يتم توقيعها في فترة قصيرة نسبيا - من أسبوع إلى أسبوعين - وآخر يتعهد هؤلاء فيه أن لا ينفردوا بحكم سورية ولا يوافقوا على انفراد أية جهة بحكمها منفردة، وأن يبدوا استعدادهم للمشاركة في حكومة وحدة وطنية تدير شؤون البلاد والعباد لفترة طويلة - خمسة أعوام مثلا- تحظى بدعم جميع أطراف الطيف السياسي ومن ثم البرلمان، بغض النظر عن نسب التمثيل الحزبي فيه"، وبعد أن حدد كيلو المطلوب من الإسلاميين والمجلس الوطني، توجه إلى تبرير مطالبه حتى "يقتنع العالم أن الديموقراطية هي خيار جميع السوريين مهما اختلفت مذاهبهم ومواقفهم"، مطالباً الأسلاميين والمجلس الوطني "بتقديم ضمانات طويلة الأمد بخصوص الاستقرار في سورية والمنطقة، وأن لا تؤخذ أية طائفة كانت بجريرة النظام الحالي، وأن تضمن مساواة جميع المواطنين أمام القانون وفي الواقع، وأن لا تعيد إنتاج نظام الحزب الواحد والأيديولوجية الواحدة والزعيم الواحد، على أي صعيد كان، وستعمل بالمشتركات التي ستقرها وثيقة العمل الوطني الجامعة، السابق ذكرها". ولم يكتف كيلو بإصدار مثل هذه الوثيقة عن الإسلاميين والمجلس الوطني، بل يطالب بتوثيق "هذه الالتزامات بحضور وإشراف الجامعة العربية ومنظمة الأمم المتحدة، ومن توقيعها مع أطراف من النظام تقبل مرحلة انتقالية تأخذ سورية إلى الديمقراطية على مسار حريات وقانون"، وأضاف أنه "من الضروري أيضا أن تسهم في تأسيس هذه المرحلة دول العالم المتصارعة اليوم على سورية، بما في ذلك روسيا والصين، بالنظر إلى أن الأزمة تعربت وتدولت ولا بد أن يكون لها حل مضمون عربيا دوليا، ويتم بإسهام عربي ودولي".
ويختم كيلو مقاله بالتساؤل: "هل سيقوم الإسلاميون بهاتين الخطوتين الإنقاذيتين، خاصـة أن موقفهم هو الذي سيقرر حصة الشعب السوري في حل إن أحجموا عن الإسهام فيه فرض على السوريين وجاء لصالح النظام في غيابهم؟ ماذا سيفعل الإسلاميون؟ هذا سؤال أتمنى أن يكون هناك جواب واضح عليه خلال فترة قريبة، جد قريبة".
وللتعليق على تساؤلات الأستاذ ميشيل كيلو أحب أن أنوه إلى أنني لست ناطقاً باسم المجلس الوطني ولا باسم الإخوان المسلمين الذين عناهم في تساؤله، ولكنني كمعارض سوري يهمني ما جاء في مقال الأستاذ ميشيل كيلو ويهم كل مواطن سوري أن يجد الجواب على هذه التساؤلات التي طرحها والتي تشكل هاجس خوف لدى الأقليات في سورية، ولو أنني أعتقد جازماً أن هذه التخوفات مفتعلة ولا أسباب وجيهة إلى طرحها وتداولها لأنها على أرض الواقع لا تحتل أي حيزاً في حياة السوريين الذين لم يفكروا للحظة واحدة أن هناك أقليات وأكثرية، بدليل أن الأكثرية وهم المسلمون السنة الذين يشكلون نحو 80% من السوريين ارتضوا في فترة الحكم الديمقراطي والتعددية الحزبية أن يكون رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء ووزير الأوقاف ومندوب سورية في الأمم المتحدة مسيحياً، وللتذكير فقط فإن من قاد الثورة السورية الكبرى هو سلطان باشا الأطرش وهو درزي وارتضى قادة الأكثرية الانضواء تحت قيادته، وأن فرنسا عندما أرادت أن تثير الطائفية في سورية وتدعي حق حمايتها للمسيحيين خرجت المظاهرات الحاشدة في مدينة حلب وهي تضم أكبر تجمع للأقلية المسيحية يتقدمهم الدكتور أدمون رباط وهو يضع الهلال في عنقه ويرفع المصحف في يده، في حين كان الشيخ أحمد الإمام (الملقب بالشيخ المجهول) يضع الصليب في عنقه ويرفع الإنجيل بيده، تعبيراً عن التعايش السلمي الفريد بين كل الطوائف والأديان والمذاهب، وأفشلوا خطط فرنسا وأرغموها على طي ملف حماية الأقليات في سورية وحل الحكومات الطائفية التي أقامتها بهدف تقسيم سورية وتجزئتها إلى دويلات، والتي رفضتها تلك الأقليات قبل الأكثرية.
وحتى بعد تسلم حافظ الأسد منصب رئاسة الجمهورية وهو من الطائفة العلوية التي لا تشكل في سورية في أحسن الأحوال أكثر من 8% رضي به السنة وهم الأكثرية لوعود أطلقها دغدغ بها مشاعرهم ولاقت قبولاً عندهم. وكذلك الحال عندما ورث بشار أباه حافظ الأسد لم تبد السنة أي اعتراض على ذلك وقد سمعوا من الطبيب الشاب كلاماً جميلاً ووعوداً بالتغيير.
وإذا كان لابد من ضمانات فإن من حق الأكثرية على الأقلية تقديم الضمانات التي تتماها مع حجمها وثقلها الديني والمجتمعي وقد اكتوت لأكثر من أربعين سنة من التهميش والإقصاء والنفي والإبعاد، تعرضت خلالها لأبشع أنواع المعاملة الدونية والسادية، فقد ساق الأب الأسد، الذي ينتمي إلى الأقلية العلوية، عشرات الآلاف منهم إلى المعتقلات والسجون والأقبية، ونفى عشرات الآلاف إلى خارج الوطن، ونصب عشرات المجازر التي راح ضحيتها عشرات الآلاف في العديد من المدن السورية، وهذا الحال يتكرر اليوم على يد الأسد الابن ففي كل يوم مجزرة وفي كل ساعة حفر مقبرة، حتى تجاوز هذا الأسد الصغير ما فعله أبوه عشرات المرات من قتل وذبح وانتهاك للمحرمات والأعراض، ولم تسلم من موبقاته ومنكراته أي مدينة أو بلدة أو قرية سورية في كل البلاد طولاً وعرضاً، جعلت منه ومن نظامه الأمني الوحشي الرهيب حديث العالم وتندره.
الأستاذ ميشيل كيلو أتمنى عليك أن تكون منصفاً فما تطلبه من ضمانات من الأكثرية تجاه الأقليات أمر يجافي الحقيقة، لأن هذه الأكثرية هي من يستحق الضمانة من هذه الأقليات التي عاشت ولقرون تنعم بالأمن والسلام والاطمئنان على نفسها ومالها، فلم يرو لنا تاريخ سورية قديماً وحديثاً قصة تتحدث عن جور الأكثرية وظلمها لشركائها من الأقليات في الوطن، ولا أعتقد أن جدتك أو جدك حدثاك بأي انتهاك لحرية كل هذه الأقليات الدينية منها أو المجتمعية، ولعل دليل بقائها ونمائها وبحبوحة عيشها ووصول أفرادها إلى أعلى المناصب في الدولة والمجتمع والمنظمات المدنية والحزبية لأكبر دليل على التسامح الذي كانت تبديه الأكثرية السنية تجاه من تسميهم أنت بالأقليات.
أما عن مطالبتك الإسلاميين بأن يصدروا وثيقة تطمئن الأقليات في سورية، فقد سبق وأصدرت جماعة الإخوان المسلمين العديد من البيانات والمشاريع السياسية لسورية المستقبل قبل انطلاق الثورة، وضحت فيها رؤيتها ومواقفها تجاه الأطياف السورية المتنوعة الدينية والعرقية والمذهبية والسياسية، وأعلنت في كثير من المحافل الدولية وفي كل أدبياتها عن نيتها عدم الاستئثار بأي لون من ألوان المسؤولية الرسمية في سورية المستقبل، وأنها ستلتزم بما تريده الأكثرية وما تفرزه صناديق الانتخاب الحرة والنزيهة، وأصرت على أن الهوية الوطنية هي التي تساوي بين الجميع بغض النظر عن العرق أو الدين أو المذهب أو الطائفة، والسوريون جميعهم متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات.
وعن مطالبتك لها بالتعهد بعدم أخذ أي طائفة بجريرة ما فعله البعض من أفرادها وما ارتكبوه من جرائم بحق الأكثرية، فإنني أطمئنك يا أستاذ ميشيل كيلو بأن جماعة الإخوان المسلمين ملتزمة بما أمر الله به بحكم قوله: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) وهذا الأمر هو أقوى من أي وثيقة أو تعهد تطلبه!!

CONVERSATION

0 comments: