سوريّة اليوم ... من كان أولئك آباؤها وهؤلاء أبناؤها فالنصر لها/ سعيد نفاع

قبل سنة وأيام قليلة بعد انفجار الأزمة في سوريّة دُعيت بحكم موقعي وموقفي إلى عدد من المحطات التلفزيونيّة الإسرائيليّة، وكم كانت مفاجأة المقابلين من المذيعين كبيرة حين قلت قول الواثق أن سوريّة ستعبر هذه الأزمة بنظامها.
بعد أيام وتحديدا في ال26 من آذار 2011 ، كتبت مقالة تحت عنوان "هل ستشفع للرئيس الأسد ممانعته ومقاومته؟" قلت فيه:
"بغضّ النظر عمّا يمكن أن يُفهم من أقوالي أعلاه وما يمكن أن ينتج عنها من تصنيف لي ومن "المعسكرين"، ولكن ما يشغلني في هذا المقال على الأقل ليس هذا وإنما السؤال عنوان المقال: هل ستشفع للرئيس الأسد ممانعته ومقاومته؟!". وقلت أيضا:
" ليس بالضرورة أن تكون كل الهبّات وكل الثورات ضد الأنظمة سواسية فإذا تساوى النظام المقاوم بالنظام المساوم في طلب التخلّص منه وفي المصير ودون إعطاء المقاوم الفرصة للتخلّص من الأمراض التي أدت مبدئيّا إلى التساوي بينهما حتى لو كان هو سببها، فتكون قد فقدت المقاومة كقيمة مكانتها أو على الأقل انسحبت أمام قيم أخرى وإن كانت لا تقلّ أهميّة عنها، ولكن التنازل أو الاستغناء عنها سيبقي القيم الأخرى عزلاء لأن المشهد لن يكتمل إلا بها كلها مترابطة متكاملة وليس متناقضة متضاربة".
ثمّ أتبعت ذلك في يوم الجلاء ال17 من نيسان 2011 كاتبا:
"نعم سوريّة ورغم كل شيء ليست تونس ولا مصر ولا اليمن ولا ليبيا ولا البحرين، سوريّة مقاوَمة وسوريّة ممانَعة ولأنها كذلك راهنتُ في ال-24 من آذار في مقابلة تلفزيونيّة للقنال الثانية العبرية الإسرائيليّة أن سوريّة ستتخطى المحنة، وكتبت لاحقا أن مقاومة قيادتها ستشفع لها رغم كل شيء وليس فقط لذلك، فبين ال-2000 زيارتي الأولى وال-2007 زيارتي الثانيّة رأيت بلدا يختلف تطورا ويختلف انفتاحا رغم أنه ينقصه الكثير وتأخر فيه الكثير.
سوريّة المقاومة وأنا أقصد الموقف وهذا يكفيها في الظروف الحاليّة وبدون مزايدة، يجب أن تبقى وسوريّة الممانعة وكذلك أقصد الموقف، يجب أن تبقى وعلى الأقل ومثلما كتبت سابقا حتّى لا تسقط هذه القيمة فنحن ما زلنا في أمسّ الحاجة لهذه القيمة من ناحية، ومن الأخرى إن تساوى المقاوم السوريّ والمساوم الشمال-أفريقيّ والمدلّل الخليجي في المصير فنحن في صدد اختلاط أوراق وإلى أمد غير مسمّى سندفع ثمنه غاليا كأمّة".
وألحقت ذلك في حزيران ال2011 كاتبا تحت عنوان "لن تسقط تدمر مرّة أخرى ولن تُأسر الزبّاء":
"الهلال العربيّ الشرقيّ الخصيب كان خصيبا على مرّ التاريخ بمقاومة الغزاة وقد عاد له الخصب مؤخرا بعد قرون عِجاف، هذا الخِصب لم يرُق للغزاة الجدد. فميمنة الهلال في لبنان ليس فقط أنها لم تسقط وإنما خرجت من حرب "بروبوس وأورليانوس" عليها أقوى ومكّنت مواقعها مؤخرا، وقلب هذا الهلال في سوريّة ظلّ منيعا في وجه الغزاة وأزلامهم، وميسرته وإن قُبض على عراقها إلا أن الإفلات مسألة وقت ليس إلا، وبالذات وأن ظهيرها مكين ويزداد.
يهون علينا كثيرا إدراك ما يحصل اليوم في سوريّة حين نرسم في مخيّلتنا هذا الهلال وما فيه، وأن الأهلّة حكما ستصير بدورا إن لم تخسف بفعل فاعل. ما هو حاصل اليوم وبهذه الكلمات الغير تقليديّة في تناول المواضيع السياسيّة هو محاولة ضرب هذا الهلال وقبل أن يبدأ امتلاؤه الكان حتميّا.
تدمر كانت وما زالت سوريّة والزبّاء هي كل طفل وطفلة ويافع ويافعة وشاب وشابة ورجل وامرأة ووالد ووالدة بدء بحمزة الخطيب وانتهاء ببشّار الأسد ولا حيدة إلا عن قُطّاع الطرق والفاسدين والمفسدين والضاربين بسيف أورليانوس.
تدْمُر لن تقبل عرض أورليانوس العصر الحديث، والزبّاء لن تقبل الفتنة وستقاتلان حتّى "الحياة"، ولن تسقط هذه المرّة تدْمُر ولن تقع في الأسر الزبّاء، لا في أسر أورليانوس ولا في أسر بروبوس مبعوث أورليانوس على اختلاف اللبوس الذي يلبس".
أعود لهذا الكلام اليوم وأنا أرى بوادر النصر لا بل النصر في سوريّة، لأقول أن ما زرع فيّ هذه الثقة خلال كل الأزمة إضافة لما قلت وكتبت، هو إيماني أنّ من كان آباؤهم الآتون لا بدّ منتصرين، فكيف لأبناء صالح العلّي أن ينكسرون؟ وهو القائل:
بني الغرب لا أبغي من الحرب ثروة.... ولا أترجى نيلَ جاه ومنصب
كفاكم خداعا وافتراء وخسة....... وكيدا وعدوانا على أبناء يعرب
تودون باسم الدين تفرقة أمة.... تسامى بنوها فوق كل لون ومذهب
ولكني أسعى لعزة موطن وما ... الوطن الغالي سوى الأم والأب
وكيف لأبناء يوسف العظمة أن ينهزمون ؟ وهو القائل:
سنواجه جيش فرنسا الجرار على قلتنا حتى لا يقال أن فرنسا دخلت سوريّة دون قتال وكي لا يبقى الأمر وصمة عار في التاريخ.
وكيف لأبناء ابراهيم هنانو أن يذلّون؟! وهو القائل حارقا أثاث بيته:
لا أريد أثاثا في بلد مستعمَر.
وكيف لأبناء سلطان الأطرش أن يخضعون ويقتتلون؟! وهو القائل:
الحقّ يؤخذ بحدّ السيف والدين لله والوطن للجميع، وسورية ليست دولة علويين ودولة دروز ودولة حلب ودولة دمشق سوريّة دولة عربيّة حرّة موحدة من بحرها إلى صحرائها.
كثير في هذه الأمّة ما يُخجل في حاضر أيامها وشكل حكّامها، ولكن عندما يعرف واحدنا أنّ الشعب السوريّ لا يقبل إلا أن يبقى القلب ينبض عروبة كم رآه طيّب الذكر جمال عبد الناصر، يقول في نفسه وللملأ: ما زال في الدنيا خير، ويردد مع صالح العلي محوِّرا بعض الشيء:
بني "العُرب" لا أبغي من الحرب ثروة.... ولا أترجى نيلَ جاه ومنصب
تودون باسم الدين تفرقة أمة.... تسامى بنوها فوق كل لون ومذهب
لكني أسعى لعزة موطن وما .... الوطن الغالي سوى الأم والأب

CONVERSATION

0 comments: