أنا و المرآة و أشياء أخرى/ خليل الوافي


لم أكن أتوقع أن يكون شكلي بهذه الصورة،التي لم تخطر على بالي ،وأنا ألعب مع أقراني أمام البيت،يمكن أن أتصور الأمور خارجة عن إرادتي ،وطبيعتي البيولوجية ،ونهر الخلايا التي تموت كل يوم ،وتأتي أخرى تحاكي كل شيء بدا يكبر بسرعة متناهية،ولم أدرك حقيقة نفسي في خضم هذا التسارع في وتيرة الأيام ،التي تتداخل فيما بينها ، ولا تعطيك الفرصة السانحة لمعرفة ما يجري حولك ،وقد يخيل إليك أنك تستطيع التحكم في زمن لا تراه بالعين المجردة ،كمن يحاول الإنخراط في آلة الزمن ،تختار العودة إلى الماضي السحيق وتارة أخرى تفضل الذهاب إلى المستقبل بفعل الفضول المتزايد لمعرفة الأشياء المجهولة والخفية ،ربما هو تحدي لفعل الزمن الذي ينخر أجسدنا،ويضع حدا لطموحاتنا التي لا تنتهي.وأنت على شكلك الذي تغير بإستمرار نحو نهايته,وما دمت لا تتحكم في مسار الزمن لصالحك،ولا يسعفك الأمر في جمع شتات أفكارك ،ولو لحظة قصيرة تستطيع من خلالها إعادة النظر فيما حولك ،وقراءة تاريخ عمرك الذي يضيع منك كلما تقدم بك السن،و ينسل منك دون أن تشعر به ،وهو يتغلغل في دواخلك ،لا تعبأ بما يجري أمامك،تظن أن الحياة تدافع عنك في تجاهلك لنفسك ،وإلى شكله الذي يتغير مع تراكم الأيام والشهور والأعوام ٠.
الأمر خطير إلى درجة لا يمكنك العودة إلى الزمن الجميل الذي يحتفظ به كل واحد منا لنفسه ،ولا يريد أن يتقاسمه مع أحد، تحتاج إلى نوع من اليقظة السريعة في ضبط إيقاع زمن النهاية المحتومة ،التي تنتظر كل واحد منّا ،زمن يغير في الروح والجسد،ويغير في الذات والواقع المعاش،وأنت ما تزال تعتقد خارج هذه اللعبة ،وكل ما يجري لا يعنيك .ويظل هذا الإحساس ينتابك حتى ترى نفسك ,وبالصدفة واقفا أمام مرآة عصرك ،وتكتشف الصورة التي ظلت راسخة في ذهنك لدهر من الزمان،و تشعر بالصدمة و الذهول المصاحب لشريط الأحداث، والتساؤلات المتسارعة تتقاذفها الذاكرة التي تحدث رجة عنيفة ،تصحو بعدها من نومك الباطني حيال ما يدور في محيطك الدائري، وتحاول إخفاء وجهك الحقيقي عن نفسك .لكن حقيقة ما تراه يختلف كثيرا عما كنت تعتقد ،وهذا يعيدك مرة أخرى لإعادة حساباتك ،لأن الأشياء تنفلت منك كل يوم، و تصبح ضدك، كل ما أمعنت النظر في وجهك الجديد ،تكشف مزيدا من علامات الإستهام وأخرى للتعجب ،ويكتمل المشهد أمامك،وتبدأ الأسئلة تسقط على رأسك دون توقف.
وأمام هذا الوضع تعجزعن فهم ما يجري حولك،وتحاول إلتقاط الصور الهاربة من أعماقك ،وتسأل نفسك بإلحاح ،هل أنت هو؟ أم هو أنت؟.وأسئلة أخرى تحبط بعزيمتك في رؤية ملامحك المتغيرة في لحظة زمن تجري في تجاه نهاية معروفة سلفا.وتكابد إدراك الموقف في مسح ملامح وجهك من المرآة،يستعصي الأمر عليك ،لكن المرآة لا ترحم صاحبها ،حينما يحدق ملياًٌ في نفسه ، ومن خلالها،تتيقن أن الزمن فعل فعلته ،وأنت حاضر بكل تقاسيم وجهك الذي تعرفه،يحدث الفارق الخاطئ الذي توهم نفسك أنك لم تتغير ،وتعتقد أنك ما تزال تحبو لمعرفة خطوتك الأولى في بساط أرض حافلة بالمتغيرات ،التي لا تنتظر أحدا ،كي تصل إلى نهايتها المدفوعة بقوى قهرية في طريق تعرف خاثمتها، وهي تداري عن نفسها وحشة الصورة المثالية التي تراها بداخلك ، و لا تريد أن تظل راسخة في رؤيتك للأشياء مهما طال أثر الزمن.


الخوف يراودك كل لحظة ،حين تتمكن منك المرآة ،وتبدأ في فضح أسرار الوجوه ،التي لم تنظر إليها لمدة أطول ،تكشف وهم الحقيقة الحاضرة و الغائبة حينا ،و نفس تحار في إختيار صورتها حينا آخر،كما يتطلب الواقع الحتمي الذي يفرض مصوغات التغيير ، التي لا تقبل مثل هذه المصارحة المؤرقة ،وتداعيات المأزق الإنفعالي الذي يجد نفسه محاصرا داخله بإرادة ،تضعه مندهشا لما تراه عيناه ،وتبدأ الأسئلة في النضوج ، والإنفتاح على جميع الإحتمالات الممكنة و النادرة الوقوع،و بين أن يكون هو ،كما يرى شكله في غموض متعارف عليه مسبقا، وآخر يكشف تجاعيد الزمن ، وقد أحدثت أثرها البليغ في كل منطقة من جسده.حينها، ترى وجهك الخفي عن أنظارك كل يوم ، و تنسى وجهك المتغير بشكل لا يمكنك التعرف عليه،إلا إذا وضعته أمام صورتك الحقيقية في مرآة لا يستقيم لها معنى، و لا يطيب لها خاطر ، إلا إذا كانت حبلى بوجه من الوجوه،و تعلن عن أسرار الزمن في تفاصيل الوجه ،ذاك الوجه المهترئ.
تشعر بالعجز ، وأنت مشدود إليها ، ولم تحقق لك ما أردت ،فهي لا تعتذر أمامك ،و لا تجاملك عما اقترفته في حقك ، و من شرخ في ثنايا الصور التي تخصك ،إنها أكثر صدقا من نفسها ، تنتصر عليك ، و لا تقوى النظر إليها من جديد ، و التهرب منها ، و أحيان أخرى تراوغها بإستمرار ، وتخفي وجهك الذي لا تراه دائما في كل مكان تذ هب إليه، وإذا لم تقبل حقيقة نفسك ،و ترضى بوضعك الجديد ،تكسر وجهك في مرآة بريئة لا تعرف التملق ، و لا المجاملة ، تواجهك بحقائقها التي تحتفظ لنفسها حق البوح أو الكثمان، و دون أن تفرض عليها سلطتك التي لا تحتاج إلى من يبررها في حوارك الداخلي ، و أنت مقيد بخيوط الزمن التي تنفلت منك كلحظة عابرة في متاهات المكاشفة ، وتقرير أسباب الهزيمة أمام مرآة تكون في أغلب الأحيان مهملة في إحدى زوايا البيت٠
وحين يشتد غضبك، تبادر إلى كسر المرايا التي تحاكي وجهك ،و ترتعب من الظلال المتقاربة في إنعكاس ضوء الشمس ، وإنارة المصباح ،و أطياف شمعة هزيلة لا تتحمل ضوئها الباهث على جدار بيت عتيق ،تبرز تجاعيد الزمن المنسي في كل مكان . وأنت متشبت بصورتك الأولى على شاطئ البحر ،لقد اضمحلت الصورة في تعاقب الموج تحت ركبتيك ،أنظر هناك ،خلفك ، هناك شيء يشبهك...!!٠

CONVERSATION

0 comments: