لعل الذين قرأوا رواية "رجال في الشمس" لطيب الذكر الشهيد غسان كنفاني يتذكرون في نهاية الرواية السؤال المدوّي الذي أطلقه سائق "الصهريج" ورددته الصحراء:
"لماذا لم يطرقوا جدران الخزان"؟؟
وذلك بعدما اكتشف ان المجموعة البشرية التي كان يهرّبها عبر الحدود العربية قد نفقت داخل خزان الحديد بسبب انقطاع الهواء ومن شدة القيظ.. والأهم من طول مدة المعاملات الرتيبة التي تجري عند نقاط الحدود النائية.
هؤلاء الرجال كانوا لاجئون فلسطينيون خرجوا من مخيمات البؤس لعلهم يجدون حياة أفضل في الخليج العربي الذي بدأ يطفو على بحيرات من النفط في سيتينيات القرن الماضي.
على ان المشهد الروائي هنا شديد الرمزية، فيمكن في واقعنا المعاصر اسقاط الخزان ليتمثل في كوكب..كوكبنا الارضي الذي جعلت منه الولايات المتحدة الامريكية مسرحا لاشاعة الظلم، وبث كل انواع الشر والطغيان الكامل في تقرير مستقبل البشرية.
في الرواية يموت الرجال الفلسطينيون وهم ينشدون الحياة..وفي الواقع تعمل السياسة الامريكية على زوال الفلسطيني قبل ان يحقق حلمه في اعلان دولته الى الوجود.
"الفيتو الامريكي" المزمع استعماله ضد طلب الاعتراف الاممي باعلان الدولة الفلسطينية في الامم المتحدة، ما هو الا اداة من ادوات الدمار الشامل، يتغلغل حتى في قتل الاحلام.. والاحلام الفلسطينية لا تتطاول اكثر من حياة مشروعة في وطن الاباء والاجداد.
لقد اختنق الفلسطينيون وماتوا في خزان الرواية، ولكنهم تركوا العبرة والامثولة.. وهي التي ربما نراها تتجسد في تحرك القيادة الفلسطينية الى هيئة الامم المتحدة لطرق جدرانها، وكأننا نطرق جدران الكوكب كله لنقول: اننا ما زلنا هنا، على قيد الحياة، على هذه الارض باقون.. ولنا حقوق كما هي للآخرين.
تعلمنا ان لا نختنق ببؤسنا ونكباتنا التي انتجتها لنا "اسرائيل" وترعاها الولايات المتحدة الامريكية ودول اوروبا التي تدور في فلك سياساتها.
الذهاب الى الامم المتحدة ما هي الا خطوة الى الحياة، قطرة من مطر بعد جفاف الارض ... وبعد انسداد كل الطرق التي تؤدي الى تحقيق السلام العادل، ولأن الاحتلال الاسرائيلي لا يرى في هذه الدنيا الا أمنه وحياته التي ربطها بإبادة الآخرين الذين هم نحن أصحاب البلاد منذ الازل.
نطالب لنا بدولة يكون لها شموسها وأقمارها،
أما عن الرفض الامريكي والاسرائيلي لهذه الدولة فذلك شأنهما المتمثل في وحشيتهما وظلاميتهما المشهودة لهما عبر التاريخ. وسيسجل هذا التاريخ بكل شرف لدولة فلسطين كيف هزمت الامبراطورية الامريكية واسقطت عنها قناع النفاق والكذب في مناداتها وتبنيها لحقوق الانسان. وستكتشف البشرية عاجلا ام آجلا ان امريكا تعمل على عكس ذلك تماما..لانه وبكل بداهة ان قضية فلسطين كانت وستظل هي أول حقوق الانسان في الماضي القريب وفي وقتنا المعاصر.
وعن المعارصة الداخلية الفلسطينية، لعلنا نفهم مشروعيتها على أساس ان الخطوة الفلسطينية تجاه الامم المتحدة هي خطوة ضئيلة، لا تغير كثيرا من واقع صراعنا مع العدو ولا تأتي بآمال مرجوة لشعبنا. ولكن اين هو البديل ونعني فعل المقاومة الذي امتلكته هذه المعارضة يوما وقد ارسلته منذ ان دانت لها السلطة في غزة الى سبات عميق.
0 comments:
إرسال تعليق