.... لعل قانون أملاك الغائبين واحد من أخطر القوانين التي شرعتها حكومة الاحتلال من أجل أسرلة وتهويد المدينة،حيث يعد الصراع على ملكية الأرض في فلسطين منذ الغزوة الصهيونية لفلسطين واحد من أهم وأخطر مظاهر الصراع العربي – الإسرائيلي إن لم يكن أهمها على الإطلاق،وانعكس ذلك في شراء المؤسسات الصهيونية المختلفة للأراضي، وطرد الفلاحين العرب،ومن هنا كان من الطبيعي أن تتخذ السلطات الإسرائيلية بعد إعلان قيام "الدولة" مجموعة من الإجراءات والخطوات والممارسات التي تسهل نقل ملكية الأراضي من أصحابها العرب الى المستوطنين وحكومتهم،ولذلك يعد قانون أملاك الغائبين الصادر سنة 1950 ذا أهمية كبرى لأنه جاء تتويجاً لسلسلة من القرارات والإجراءات الصادرة منذ سنة 1948 من جهة،ومن جهة أخرى الأساس الذي استندت إليه السلطات الإسرائيلية في مصادرة جزء كبير من الأراضي العربية في فلسطين المحتلة،ومن جهة ثالثة فهو خرق رسمي صريح لقرار تقسيم فلسطين الصادر عن الجمعية العامة في 1947 .
ومن المهم جداً القول بأن استصدار قانون أملاك الغائب عام 1950 ،كان محاولة لإضفاء الصفة القانونية على سيطرة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية تدريجاً،فحسب هذا القانون يمنح الوصي الإسرائيلي على أملاك الغائب"الحق" في الاستيلاء عليها وإدارتها والسيطرة على الأرض التي يملكها أشخاص يعرفون"غائبين".
والغائب هو أي فلسطيني هجر إلى خارج فلسطين في الفترة من 29 /11 /1947 الى 18 ايار/1948 عن تلك الأقسام من فلسطين التي أقيمت عليها إسرائيل.
ومع مجيء حكومة اليمين والتطرف إلى الحكم في دولة الاحتلال،شنت حرب شاملة على المقدسيين بغرض إحكام السيطرة على المدينة،وتلك الحرب طالت المقدسيين في مختلف مناح شؤون حياتهم،وكانت الأرض في مقدمة ذلك الاستهداف،وشرعت في ممارسة التطهير العرقي بحق المقدسين،ولهذا الغرض سنت وشرعت الكثير من القوانين التي من شأنها تقليل عدد السكان العرب في المدينة إلى أقل حد ممكن،ويعتبر ما يعرف ب"قانون أملاك الغائبين" الوسيلة الأخطر لتحقيق هذا الهدف والغرض فهو يتيح للمستوطنين السيطرة على منازل العرب الفلسطينيين بصورة "قانونية" تشرعنها محاكم الاحتلال،كما حصل في قضية كرم المفتي في منطقة الشيخ جراح ومنزل عائلة قرش في البلدة القديمة والبيت الاستيطاني في سلوان المعروف ببيت يونثان وفندق كليف في ابو ديس وغيرها من عشرات المنازل الأخرى،وهذا القانون القراقوشي بمثابة السيف المسلط على رقاب المواطنين الفلسطينيين،حيث تلجأ حكومة الاحتلال والمنظمات الاستيطانية وبتواطؤ الجهاز القضائي إلى استخدامه في كل مرة يريدون فيها الاستيلاء على ارض او عقار فلسطيني في القدس.
وحسب هذا القانون المغرق في العنصرية والتطرف فإن كل مواطن مقدسي له شقيق أو قريب آخر من الدرجة الأولى يقيم خارج القدس حتى وإن كان الضفة الغربية يعتبر "غائباً" وبالتالي يمكن الاستيلاء على حصته من الإرث،حيث نجح الاحتلال في الاستيلاء على عقارات كثيرة في القدس بهذه الطريقة.
والقانون هذا يسري على القدس وسكانها وأملاكها بصرف النظر عن كونها فلسطينية أو عربية،وتحت هذه الحجة والذريعة سيطر الاحتلال قبل عشر سنوات على بيت تعود ملكيته لعائلة بن لادن في منطقة شعفاط/ القدس.
وهنا لدينا الكثير ما نقوله فإن تسهيل السيطرة على الأملاك والعقارات الفلسطينية والعربية في مدينة القدس،لا تتم فقط عبر ما يسمى ب"قانون أملاك الغائبين"،بل هناك مرضى وضعاف نفوس وفاقدي الحس والشعور الانتماء الوطني،ممن يقدمون خدمات مجانية للاحتلال في هذا الجانب،حيث يقوموا بإرشاد الاحتلال الى عقارات وأملاك يتواجد أصحابها أو جزء منهم في الخارج،ويقدموا على شرائها أو يتفقوا مع ورثة من الغائبين على التوجه الى المحاكم الإسرائيلية رغم معرفتهم وعلمهم بأن تلك الأرض أو ذلك العقار سيؤول إلى أملاك الغائبين،وبما يعني أن تلك الأرض أو ذلك العقار سيتم تسريبه الى الجمعيات الاستيطانية،وهذه الجماعات أو الأفراد الذين يقومون بمثل تلك الممارسات والأعمال خدمة لجشعهم وطمعهم وضيق أفقهم وأنانيتهم،فبالضرورة أن يتم الوقوف أمامهم بشكل جاد من قبل السلطة الوطنية الفلسطينية ومن قبل القوى والمؤسسات المجتمعية المقدسية،فما يقومون به من أعمال يرتقي الى حد الخيانة،فتسليم عقار او ارض للاحتلال وجمعياته الاستيطانية لا يقل خطورة او جرماً عن التعامل والتعاون مع العدو في القضايا الأمنية،وهناك عقارات في شعفاط والشيخ جراح وسلوان تحت خطر وضع اليد من قبل ما يسمى بحارس أملاك الغائبين،نتيجة لقيام البعض بالتوجه الى المحاكم الإسرائيلية بشأن وحول خلافات على الميراث أو الملكية،وخصوصاً أن جزء من الورثة او مدعي الملكية لذلك العقار أو تلك الأرض يعيشون خارج القدس.
وبهذه الطريقة والوسيلة نجحت الجمعيات الاستيطانية بالتعاون والشراكة والتعاقد من الباطن مع العديد من مرضى النفوس في تسهيل سيطرتها على أراض وعقارات مقدسية عديدة .
صحيح أن ثمة تركيز للنشاط الاستيطاني داخل البلدة القديمة في القدس والأحياء العربية المحيطة بها أو ما يعرف بالحوض المقدس ( سلوان والشيخ جراح والطور)،بغية تهويدها من خلال الزحف الديمغرافي،حيث تنشط الجمعيات الاستيطانية وبمباركة الحكومة ودعمها في جلب المستوطنين والمهاجرين اليهود لإحلالهم محل الفلسطينيين من خلال تقديم المساعدات والإغراءات المالية الضخمة لهم،وما يتمتعون بهم من مختلف أشكال الإعفاءات الضريبية.
ولكن هؤلاء احتلال ومستوطنين نعرف أهدافهم ومراميهم،تهويد وأسرلة أرضنا والقضاء على وجودنا في مدينة القدس،ولكن أن يقوم البعض منا بمساعدة هؤلاء على تنفيذ مخططاتهم وأهدافهم،من خلال التوجه الى المحاكم الإسرائيلية بخصوص أراض وعقارات متنازع أو مدعى على ملكيتها،جزء او بعض من أصحابها أو ورثتها خارج مدينة القدس،هو خدمة مجانية للاحتلال وأهدافه،ومثل هذه الأعمال بقصد أو غير قصد تصب في الخانات غير الصحيحية،وعلى السلطة الفلسطينية والحركة الوطنية،أن تتصدى لهذا الملف بشكل جدي،فالأمور ليست بحاجة الى مجرد مناشدات ومطالبة،بل هذه أمور تشكل مخاطر جدية على أرضنا ووجودنا في القدس،ولا يحق للعابثين وأصحاب المصالح الخاصة بضيق أفقهم وأنانيتهم أن يعرضوا وجودنا في المدينة للخطر.
0 comments:
إرسال تعليق