استحقاق أيلول: تهديد إسرائيلي.. وجدل فلسطيني محتدم/ راسم عبيدات

.........أثار ويثير القرار الفلسطيني بالتوجه إلى هيئة الأمم المتحدة الكثير من ردود الفعل المتباينة والجدل المستمر حول جدوى وأهمية ومخاطر تلك المبادرة الدبلوماسية الفلسطينية،فإسرائيليا اعتبرت إسرائيل ان إصرار الطرف الفلسطيني على التوجه إلى هيئة الأمم المتحدة للاعتراف بحدود الدولة الفلسطينية القائمة على خطوط الرابع من حزيران عام 1967 هي خطوة أحادية الجانب،وبالتالي فإن إسرائيل سترد على تلك الخطوة بسلسلة من الإجراءات العقابية والخطوات العملية على الأرض،حيث طالبت أصوات إسرائيلية بوقف تحويل أموال الضرائب المفروضة على البضائع المصدرة والمستورة فلسطينياً،ومنهم من دعا إلى ضم الأراضي الفلسطينية في الأغوار والمستوطنات الكبرى القائمة على الأرض الفلسطينية المحتلة عام 67 الى دولة الاحتلال،وهناك من ذهب إلى ابعد من ذلك حيث اعتبر هذه الخطوة الفلسطينية بأنها اخطر من حماس على دولة الاحتلال،والرفض الإسرائيلي ليس الوحيد للخطوة الفلسطينية،بل أمريكا الراعي للعملية التفاوضية والسلمية،والذي يرى الأمور بعيون إسرائيلية ويعبر عنها بشكل أكثر سفوراً ووقاحة من الجانب الإسرائيلي، حيث أبلغ الفلسطينيين صراحة بأن أمريكا ستستخدم حق النقض"الفيتو" ضد الخطوة الفلسطينية في مجلس الأمن،وإذا ما أصر الفلسطينيون على التوجه إلى هيئة الأمم المتحدة فإن الكونجرس الأمريكي سيوصي بقطع المساعدات عن السلطة الفلسطينية.

وفي قراءة سريعة للموقفين الأمريكي والإسرائيلي من الخطوة الفلسطينية بالتوجه إلى هيئة الأمم المتحدة لنيل الاعتراف بدولة فلسطين على الأراضي الفلسطينية عام 1967،نجد أن أمريكا قبل إسرائيل لا تريدان منح الفلسطينيين دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران،فالحكومة الإسرائيلية ورئيس وزرائها والرئيس الأمريكي وكذلك الكونغرس،أكدا على ذلك،فنتياهو قال في كل خطاباته لا عودة لحدود الرابع من حزيران ولا انسحاب من القدس،في حين اوباما والكونجرس الأمريكي،شرعا الموقف الإسرائيلي بالقول أن المفاوضات والعودة إلى حدود عام 67 تتطلبان مراعاة الإجراءات والحقائق على الأرض،أي تشريع الاحتلال وجواز الاستيلاء على الأرض بالقوة خلافاً لقرارات الشرعية الدولية..

وباختصار لا منح للفلسطينيين لدولة في حدود الرابع من حزيران لا عن طريق المفاوضات أو هيئة الأمم المتحدة،فالمطلوب هو الاستمرار في إدارة الأزمة والضغط على الجانب الفلسطيني للاستجابة للشروط والاملاءات الإسرائيلية وما يعرف بسلام نتنياهو الاقتصادي شرعنة وتأبيد الاحتلال مقابل تحسين الشروط والظروف الاقتصادية للفلسطينيين تحت الاحتلال وبدعم عربي ودولي.

أما على الصعيد الفلسطيني فخطوة ما يسمى بأيلول تثير الكثير من الجدل القانوني والسياسي في الأوساط الفلسطينية،فهناك من رأي في هذه الخطوة بأنها تعزيز للمكانة التمثيلية لمنظمة التحرير الفلسطينية وليس العكس،وإن الدراسة القانونية التي أعدها البروفيسور البريطاني جاي جودوين حول النتائج السلبية والتأثيرات الضارة لتلك الخطوة على المكانة التمثيلية لمنظمة التحرير الفلسطينية،لا أساس لها من الصحة فالدراسة تبني استنتاجاتها على الافتراض الخاطئ بأن السلطة الفلسطينية هي التي ستتوجه إلى الأمم المتحدة بطلب الاعتراف بها كدولة،الأمر الذي سيؤثر على حقوق فلسطيني الشتات في التمثيل وفي تقرير المصير والدولة،وهذا الافتراض لا أساس له،حيث ان منظمة التحرير الفلسطينية هي التي سوف تتوجه إلى الأمم المتحدة بطلب الاعتراف والعضوية لدولة فلسطين التي أعلنت في عام 1988 بقرار من المجلس الوطني الفلسطيني والتي وثيقتها الدستورية،المتمثلة بإعلان الاستقلال تنص على كونها "دولة الفلسطينيين أينما كانوا،وبالتالي فإن توسيع نطاق الاعتراف الدولي بدولة فلسطين ليشمل الأمم المتحدة سوف يعزز المكانة التمثيلية لمنظمة التحرير وليس العكس.

كذلك يرى البعض في تلك الخطوة وهذا التحرك السياسي،بأنه بحاجة إلى إستراتيجية سياسية يشارك فيها الجميع والعمل من أجل فلسطين،وهذه الخطوة تشكل بداية الخروج من نفق ومجرى أوسلو المظلم والتحلل من اتفاقياته،وإعادة ملف القضية الفلسطينية من حيث المرجعية والقرارات إلى الأمم المتحدة والشرعية الدولية.

ولكن "الوثيقة القانونية" التي صاغها البروفيسور جودوين والأستاذ في القانون الدولي ،تكشف، المخاطر الكبيرة التي تشكلها مبادرة الأمم المتحدة في حال تضمنت نقل تمثيل الشعب الفلسطيني في الأمم المتحدة من منظمة التحرير الفلسطينية الى دولة فلسطين،حيث أن هذا سيلغي الوضعية القانونية التي تتمتع بها منظمة التحرير في الأمم المتحدة منذ عام 1975 (والمعترف بها دولياً منذ عام 1974 )كالممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.

وعلى مستوى عالي من الخطورة،سيعني هذا بأنه لن تكون هناك أي مؤسسة قادرة على تمثيل الشعب الفلسطيني بأكمله في الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية المتصلة بها.

وستؤثر هذه الخطوة سلباً على تمثيل حق تقرير المصير ،لأنه حق تقرير المصير، حق يخص كل الفلسطينيين سوءا تواجدوا في داخل الوطن المحتل أو في خارجه،ويؤكد الرأي القانوني بأن هذا التغيير في الوضع التمثيلي سيهدد بشكل كبير حق اللاجئين بالعودة إلى ديارهم وأملاكهم التي هجروا منها قسراً.

ويبدو أن هذا الرأي القانوني على درجة عالية من الوجاهة والأهمية،مما حدا بمجموعة من المثقفين والنشطاء الفلسطينيين الى توجيه مذكرة لمنظمة التحرير وقادة الفصائل الفلسطينية عموماً تحذر فيها من الانعكاسات السلبية لاستبدال الدولة بالمنظمة في الأمم المتحدة.

ومما جاء في المذكرة:- مع التأكيد على أهمية المبادرة الدبلوماسية الفلسطينية في الأمم المتحدة،ومن أجل نجاحها في تشكيل منعطف استراتيجي في ظل وصول المفاوضات الثنائية الى طريق مسدود ،يستند الى شق مسار سياسي وكفاحي جديد،على قاعدة تحقيق المصالحة الوطنية،وإعادة الاعتبار للتمثيل الوطني في إطار منظمة التحرير الفلسطينية،فإن هذه المبادرة يجب أن ترتبط بنقل القضية الفلسطينية بكل جوانبها وأبعادها إلى الأمم المتحدة،بما يكفل الحفاظ على تحمل الأمم المتحدة مسؤولياتها بموجب ميثاقها.

ويبدو أن رأي الداخل الفلسطيني- عرب 48 -،ليس بعيداً عن ذلك،فرئيس لجنة المتابعة العربية العليا محمد زيدان يؤيد كل خطوة من شأنها الاعتراف بالدولة الفلسطينية وتكون اساساً قوياً لإحراج إسرائيل لافتاً في الوقت ذاته أن اسرائيل لا تلتزم بالقرارات الأممية وقد ترد بتكثيف عمليات الاستيطان.

أما الكاتب الصحفي عبد الحكيم مفيد،وهو عضو مجلس الشورى للحركة الإسلامية،الشق الشمالي،فقد تحفظ على توجه السلطة بشكل واضح واعتبر أن هناك محاولة إشغال الفلسطينيين بقضية لم تحقق شيئاً على مدى سنوات طوال.

أما الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي عوض عبد الفتاح، فأبدى تحفظه على المبادرة وخشيته أن تكون مجرد مواجهة دبلوماسية محدودة وتجديد البيعة لنهج أوسلو مع إضافة نقاط قوة لا ترتقي إلى المواجهة الشعبية والسياسية والأيديولوجية الحقيقية مع الاحتلال.

أما سكرتير الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة المحامي أيمن عودة ،فاعتبر من جانبه التوجه الى الأمم المتحدة لن يقيم دولة كونها تقام بيد أبنائها بالنضال الشعبي،مؤكداً أنه من دون تفعيل المقاومة الشعبية سيتحول "استحقاق أيلول" الى قرار إضافي في الأمم المتحدة.

وفي الختام نقول بأنه كلما اقترب موعد تقديم الطلب الفلسطيني إلى الأمم المتحدة للاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران،كلما ارتفعت وتيرة التهديدات الأمريكية والإسرائيلية،هذه التهديدات يجب أن تقابل بموقف فلسطيني صلب وحازم وبإستراتيجية سياسية موحدة،عنوانها تحقيق المصالحة وانهاء الانقسام،واعادة الاعتبار للتمثيل الوطني في إطار منظمة التحرير الفلسطينية،وبأنه لا مناص من التوجه إلى الأمم المتحدة،بعد انسداد وفشل الأفق والخيار التفاوضي.

وكذلك فإن كافة المبادرات الدبلوماسية،بما في ذلك مبادرة الأمم المتحدة في أيلول،يجب أن تحافظ على مكانة منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في الأمم المتحدة،وأن تحمي وتعزز حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف،والقيادة الفلسطينية على مستوى المنظمة وقادة الفصائل مطلوب منها،أن تتحمل مسؤولياتها التاريخية عن كل ما يلزم من إجراءات وممارسات لضمان بقاء منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده،والحفاظ عليها في أيلول وما بعده ،والالتزام بالشفافية وحق الرأي العام الفلسطيني بالاطلاع على كل القرارات والخطوات السياسية التي تتعلق بمستقبله،بما في ذلك مضمون أي مشاريع قرارات تتعلق بالمبادرة الفلسطينية في الأمم المتحدة.

CONVERSATION

0 comments: