فساد التعليم في سورية في عهد حزب البعث القائد والموجه للدولة والمجتمع/ محمد فاروق الإمام

عاشت سورية في ظل حكم حزب البعث الذي جعل من نفسه، بحكم المادة الثامنة من الدستور، القائد والموجه للدولة والمجتمع حالة من التصحر الفكري والتراجع العلمي وتردي التعليم وإطفاء سُرج العقول وقتل الطاقات والاستهانة بالإبداعات الفكرية التي طلما كانت ميزة السوريين المبدعين والخلاقين على مر التاريخ، فقد كانت دمشق الفيحاء وأخواتها حلب الشهباء وحمص ابن الوليد وحماة أبي الفداء منارات للعلم والمعرفة وكنزاً للفكر والإبداع وقبلة مقصودة من الباحثين والدارسين وطلاب العلم.
ساد التدهور الكبير في مجال التعليم في سورية – كما قلنا - منذ تسلق حفنة من ضباط البعث المغامرين جدران الحكم في دمشق غيلة وغدراً فجر الثامن من آذار عام 1963على ظهر دبابة ضالة أدارت ظهرها للعدو الصهيوني انغمسوا في صراعات فيما بينهم للاستئثار بالحكم دون الالتفات إلى المصلحة الوطنية التي أساسها ورمز تقدمها هو الاهتمام بالعلم الذي هو السبيل لمواكبة الحضارة والمدنية والأخذ بأسباب مسايرة العصر وعلومه في كل مناحي الحياة، فمنذ نجاح البعث بانقلابه وقع العديد من الانقلابات والعصيانات والتمردات وتبادل المناصب وكراسي الحكم إلى أن استتب الأمر إلى الرئيس الراحل حافظ الأسد بعد انقلابه على رفاقه في 16 تشرين الثاني عام 1970.
هذه الانقلابات والصراعات أضعفت من فعالية التطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي إضافة إلى جميع الأصعدة الأخرى، وبالرغم من أن هذا الضعف قد بدأ منذ استيلاء البعث على الحكم، إلا أنه ازداد بشكل ملحوظ منذ عام 1971 حيث تردت الصناعة والزراعة والتجارة بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ سورية، وهذا مما أضعف الدخل الفردي والقومي السوري، وأضعف بالتالي التطور في المجتمع السوري وسادت الطبقية الاقتصادية بشكل عمودي بالرغم من ادعاء النظام أنه نظام اشتراكي يسعى في سياسته ومنهاجه لتقليل الفجوة بين الطبقات، وإذا ما أردنا تفسير ازدياد الهوة فيعود ذلك بالدرجة الأولى إلى ازدياد الهوة بين أفراد الشعب في مجال التعليم، حيث قلَّ عدد الحاصلين – لمعظم فئات الشعب - على الثانوية العامة /البكالوريا/ إضافة إلى الحاصلين على الشهادات الجامعية والدراسات العليا من دبلوم عالي وماجستير ودكتوراه إضافة إلى المدارس العسكرية والأمنية، كما برزت الطائفية في هاتين المدرستين الأخيرتين، حيث أصبح أفراد الطائفة التي ينتمي إليها النظام هم أكثر الفئات انتساباَ لها مقارنة بنسبتهم العددية في سورية مع بقية فئات الشعب السوري، وكلنا يذكر قائمة البعثات التي قدمت للسيد جابر بجبوج عضو القيادة القطرية لحزب البعث الحاكم والمسؤول عن التعليم العالي في سورية (آنذاك) وضمت الأسماء المرشحة للابتعاث إلى الخارج 80% من محافظتي اللاذقية وطرطوس، و20% من باقي المحافظات، وعندما رفض بجبوج التوقيع عليها تلقى صفعة على وجهه من قبل العقيد رفعت الأسد شقيق الرئيس حافظ الأسد فوقعها صاغراً، وفي هذا السياق أذكر صديق لي كان الأول على دفعته في كلية الرياضيات والأول على الجامعات السورية عام 1977، فأدرج اسمه في مقدمة المبتعثين إلى الخارج، وعندما تبين أنه غير منتسب إلى حزب البعث ورفض الانتساب إليه عندما طلب منه ذلك أسقط اسمه من القائمة.
واعتماداً على التقارير الرسمية فإن حصة التعليم من الموازنة العامة للدولة لم تتجاوز طيلة الفترة الممتدة من العام 1983 إلى العام 2000 نسبة 7%، منها 3% حصة التعليم العالي. وهذه نسبة ضئيلة جداً لبلد تعداد سكانه يزيد على 23 مليون نسمه نصفهم من المؤهلين للدراسة في مختلف مراحل التعليم، في حين أن الإنفاق على الأجهزة الأمنية وفروعها ومهماتها تأخذ من الخزينة ما يزيد على 24%.
ثم امتد الفساد المقنن والمنظم والممنهج في فترة الثمانينات إلى المجالات الأخرى الاقتصادية والسياسية والفنية والزراعية والصناعية والتجارية، وازداد ذلك باطراد حتى اندلاع الثورة السورية في 15 آذار 2011، فقد أصبح أبناء الضباط والمسؤولين من انتماءات بعينها أو ممن يؤازرون النظام من الوصوليين والانتهازيين والمتملقين، بغض النظر عن الكفاءات سعياً للولاءات، أصبح هؤلاء الأبناء لهم الأولوية المطلقة في الدراسة واختيار المجالات التي يريدونها، كما أصبحت بعثات الدراسة الخارجية سواء كانت أكاديمية أم عسكرية حكراَ على هؤلاء بسبب ما ساد المجتمع السوري من محسوبية مطلقة نخرت جسد سلك التعليم حتى النخاع بشكل لم يسبق له مثيل، وبالمقابل حرم أكثرية أبناء الشعب السوري وخاصة الطبقتين الفقيرة والمتوسطة من التعليم الثانوي والجامعي بسبب ضغط النظام على هؤلاء ليتيح المجال للفئات الأخرى للصعود بشكل طبيعي وليحافظ على مكتسبات الفئة الحاكمة منذ عام 1970.
تتمثل مشكلة الدراسة في سورية بوجود فساد ساد مجال التعليم فيها منذ عام 1970 عندما أسس حزب البعث تنظيمات شبيبة الثورة وفرق المظليين والمظليات وطلائع البعث الذين كان يحوز أفرادها – وفي معظمهم من الفاشلين في الدراسة والمتحللين أخلاقياً - على أفضلية في دخول الجامعات والمعاهد العليا (الكليات العلمية: الطب والهندسة والصيدلة والرياضيات) ومختلف البعثات، بإضافة نسبة كبيرة إلى مجموع علاماتهم التي حصلوا عليها وحتى عام 2011، حيث اندلعت الثورة السورية ضد نظام البعث الفاسد، وهذا الفساد كان جهوياَ وطائفياَ وفئوياَ وعشائرياَ وطبقياَ وحزبياَ وإقليمياَ وأسرياَ، فلم يستطع النظام السوري خلال هذه الفترة تحقيق العدالة بين جميع أفراد الشعب بحيث يكون هناك تكافؤ في الفرص بينهم فكانت المحسوبية الجهوية أو الطائفية أو الفئوية أو العشائرية أو الطبقية أو الحزبية أو الإقليمية أو الأسرية سيفاَ مسلطاَ على الشعب السوري لتحدد له من سيكون في سلك التعليم ومن سيكون ممسكاَ بالمناصب الإدارية بجميع أشكالها في الدولة، وهذا ما يفسر تجمع المناصب والإدارات في الدولة السورية بيد فئة محددة تعمل جهدها للحفاظ على النظام بجميع الوسائل الممكنة كما تعمل على عدم إتاحة الفرصة للآخرين للوصول إليها بجميع الوسائل الممكنة أيضاَ، فلم نسمع عن وزير أو سفير أو مسؤول سوري قدم استقالته أو انحاز إلى الشعب في ثورته كما حدث في ليبيا، وهذا ما يؤكد أن النظام في عهد البعث لم يقرب إلا الفاشلين والمنحرفين والوصوليين والانتهازيين والمتملقين ويسند إليهم المناصب والمراكز الحساسة والفاعلة في الوطن، فنجدهم يستميتون في الدفاع عن النظام والتمسك به، وهذا ما دفع بالكثير من أبناء الشعب السوري للهجرة إلى خارج الوطن ليحصلوا في دول أخرى على ما لم يقدروا أن يحصلوا عليه في وطنهم وهذا ما عرف بهجرة الأدمغة حيث هاجر الملايين من أفضل الكفاءآت السورية أرض الوطن خلال حكم البعث.
إن الحديث عن التعليم في سورية في ظل البعث ذو شجون، حيث كان دائماً في انحدار وهبوط أدى إلى التدهور العام في كافة مجالات الحياة في سورية، وأبرز نوع من الضعف الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وأضعف الدخل الفردي والقومي، مما تسبب في هجرة الكثير من أبناء الشعب السوري إلى الخارج رغبة منهم في وطن يحترم العلم ويقدر المفكرين والمبدعين ويقود من خلالهم المجتمع نحو التطور والرقي.
وعند الحديث عن انحدار التعليم في سورية نجد صعوبة كبرى في توثيق المعلومات لشحها، وذلك لعدم وجود مصادر موضوعية أو علمية حول التعليم، كون ذلك يمس أمن الدولة والحزب القائد، كما أن الكثير من الدراسات التي تمت في سورية عن وضعية التعليم هي دراسات غير دقيقة وتفتقر إلى الموضوعية، فكلها تمجد بالبعث والنظام ومنجزاته السرابية مقارنة بدول الجوار، ومثال ذلك الأردن الذي يعد في طليعة دول العالم في تقدم التعليم فيها، ونسبة خريجي الجامعات في كافة الاختصاصات هي الأولى في العالم، علماً أن معظم الطبقة الأولى من المتعلمين في الأردن الذين قامت على أيديهم هذه النهضة العلمية درسوا في الجامعات والمعاهد السورية، ولم يكن هناك في الأردن أية معاهد أو جامعات، فقد تأسست أول جامعة في الأردن في أيلول عام 1962، بينما تأسست أول كلية للطب في دمشق عام 1903، وتأسست أول كلية للحقوق عام 1913، وكانتا نواتي جامعة دمشق التي أسست عام 1923.
لقد أضعف نظام البعث التعليم في مراحله الأولى: الابتدائية والإعدادية والثانوية وأضعف التعليم في المعاهد المتوسطة وفي المراحل الجامعية والتعليم العالي، وفي زيارة للجنة بعثتها منظمة اليونسكو المسؤولة عن التعليم في الأمم المتحدة لتفقد الجامعات السورية ومستواها العلمي عام 1980 حذرت اللجنة الزائرة الحكومة السورية من تدني التدريس في الجامعات السورية وهددت بعدم الاعتراف بالشهادات الجامعية التي تصدر عنها إن لم يجر تحديثها ومواكبتها للتطورات العلمية الحديثة في العالم. وبالتالي فإن ضعف التعليم أثر على الدخل الفردي والقومي السوري وعلى الطبقات المتوسطة والدنيا في سورية. كما أثر على الوحدة الوطنية ، وأثر على التطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وبالتالي أثر على مستقبل الأجيال الصاعدة وعلى مستقبل الدولة.
ولم يكتف نظام البعث بهذه الأساليب في إضعاف التعليم بل راح أبعد من ذلك فأصدر مراسيم وقوانين وقرارات مجحفة بفصل الآلاف من المعلمين والمدرسين والأساتذة المشهود لهم بإخلاصهم وأدائهم المتميز في كل مراحل التعليم الابتدائي والثانوي والعالي بحجة أن هؤلاء متدينون وغير موالين للنظام البعثي الثوري التقدمي، فقد أصدر عام 1980 مرسوماً نقل بموجبه مئات المعلمين والمدرسين والأساتذة من سلك التعليم إلى دوائر ومؤسسات في الدولة لا صلة لها بالتعليم، وأصدر مرسوماً عام 2010 طرد بموجبه ونقل آلاف المعلمين والمدرسين والأساتذة من كل المراحل التعليمية من الابتدائية إلى الجامعية بصورة تفتقر إلى العدل والإنصاف وأدنى حقوق الاختيار وحرية ممارسة المعتقد بصورة سلمية. فلقد صدر أمر بطرد 1200 معلمة منقبة من سلك التعليم إلى وظائف إدارية في وزارات ودوائر أخرى دعماً لعلمانية التعليم ولأسباب تعليمية لم يلبث أن تبين زيفها، فالمنقبات لا يرتدين النقاب مطلقاً داخل الفصول الدراسية. وليس كل اللواتي طردن منقبات فمعظمهن من اللاتي يرتدين غطاء الرأس. وتلا ذلك قرار من وزير التعليم العالي غياث بركات يمنع الطالبات المنقبات من دخول حرم الجامعات السورية.
كما تم نقل عدد من المدرسين (الذكور) المتدينين إلى وظائف إدارية خارج وزارة التربية. وتم فصل سبعة أساتذة بارزين من كلية الشريعة بجامعة دمشق وآخرين من جامعة حلب على خلفية التزامهم الديني. ونسمع الآن عن اعتقالات طالت العديد من أساتذة الجامعات السورية بحجة تأييدهم للثورة أو التحريض على التظاهر.
ولعبت التقارير الأمنية والعلاقات الشخصية والمحسوبيات دوراً مهماً في التنقلات في وزارة التربية ووزارة التعليم العالي مما أثر سلباً على التعليم في كل مراحله، وكان الضحية دائماً الطالب والمعلم على حد سواء وإفشاء الفساد في هذا السلك وتسلط المفسدين على مفاصل القرارات فيه.
وتم التعدي على المدارس الخاصة ذات الطابع الديني وأغلق العديد منها بدعوى أن جرعة التعليم الديني فيها أكبر من المنهاج المرسوم، بينما تخضع العشرات من هذه المدارس حالياً للمضايقة والشروط التعجيزية لإفشالها وإغلاقها، على الرغم من أنها تخرّج سنوياً طلاباً وطالبات من أفضل المستويات الدراسية في أنحاء البلاد.
هذه الحالة المتردية للتعليم جعلت الطلبة غير معنيين بالأوامر الصارمة التي تدعوهم إلى الالتحاق بالمدارس تحت طائلة عقوبة التغيب التي صدرت، متجاهلة هذه الأساليب من التخويف وقد كسر آباؤهم وأعمامهم وإخوانهم وأخواتهم وأمهاتهم حاجز الخوف، فساروا على دربهم مطلقين العنان لهتافاتهم في مظاهرات عفوية وحقائبهم على أظهرهم، رافضين العودة إلى هذه المدارس التي تحولت فصولها إلى معتقلات، وقاعاتها إلى مراكز للتحقيق، وباحاتها إلى ساحات تعذيب وإذلال لآباء الطلبة وأعمامهم وأخوالهم وإخوانهم.

CONVERSATION

1 comments:

غير معرف يقول...

اولا اذا كان في رجل من الطائفة السنية فهو ابو جابر و غيره و امثالك فأنتم من أيتام رفعت الأسد و دجالته
٢ فشر رفعت الأسد و يلي اكبر من رفعت ان يتطاول على بجبوج و عندما كنتم تغمون من ذكر الأسد لم يقف في وجه رفعت الا ابو جابر
الرجل المناضل سنديانةالبعث و تاريخه و الشريف من البعثيين عاش نزيها و رحل كريما.
٣ فإما انت يا أمام متل عادل امام بشاهد ما شفش حاجه
تروي ما تريد دون دلائل و انت اكيد عشت صاغرا للجميع و ستبقى كذلك و بالمناسبة حينما حاول رفعت ان يتطاول تلقى صحن سجائر على راسه و بقي علامه إلى هذا الحين.
و في الآخرة ساسالك أمام الله على هذه الرواية الباطنة وتفووو عليك و على امثلك