صعب على قلبي أن يحتمل فراق الأب مرتين: مرة عند انتقال والدي بالجسد.. ومرة عند انتقال والدي بالروح، الذي هو والد زوجتي!
صعب جداً بعد أن استعدت لقب "الابن"، أن أفقده ثانية.. لاجد نفسي "يتيماً" من جديد، واحساس طاغٍ بأن أحد ابعاد حياتي قد سلب مني، سلب ولن يعود!
كان القس يوسف شحاتة صاروفيم، الذي أحتفظ له بإحترام خاص.. أحد رعاة الكنيسة الرسولية.. ومع ذلك لم يكن متعصباً عندما أعطاني أبنته زوجة لي أنا الأرثوذكسي.. وأعطاني معها، فرصة التعرّف إليه أكثرعن قرب.
كان يمتلك حباً مميّزاً، ملأ حياته.. هذا الحب له وجه، وله اسم، هو يسوع.. وكان هذا الحب هو فرحه.
في الخدمة كان يتسلق خط الأفق.. بقوة، وشجاعة.. ويقود مشاعرنا نحو زمن يشبه زمن الإيمان الأول.. فكانت يداه منغمستان دوماً في مياة المعمودية، مرحباً بالأغصان الجديدة، وآخذا بيد العابرين.
كانت الترانيم عشقه الأول، فصار بها احد الترنيمات في سماء الفرح المسيحي.. فتجده دائماً يتهلل: مجداً.. وهللويا.
كان يمتلك سعة صدر أكبر من أي شيء، ومثالية، تجعلك تعرف كيف تحتضن الصعوبات وتُقبّلها، وكيف تتعامل مع شبيهك الإنسان.
اكتملت عظمة هذا الرجل، عندما وقف بوجه جبروت المرض الأعمى.. حاجباً عنا معرفة آلامه المبرحة.. بإيمان لا ينكسر، وصبر لا يندثر.. فلم يستطع المرض العبثي أن يحجب عنه التفاؤل المضيء، ولم يستطع أن يجعل رجاءه المجيد متأزماً.
عندما أتت ساعته، منحه الله، سكوناً عجيباً؛ لنتمكن من خلال بركاته أن نسمع الأبدية، وأن نرى روحه الحائمة، في نهاية رحلة طيرانها، وهي تنزل وتحط فوق يديّ الله المنتظرتين؛ لتمسح كل دمعة، وتبطل تواصل لهاث الألم.
،...،...،...
وداعاً أبي.. وقد هجعت نفسك الناشطة على الأرض، وصعدت بأفكارها، وجلالها، وجمالها، إلى عالم اسمى وأبقى.. في ذلك اليوم الذي لم تعتبره: "موتاً".. بل بداية "الحياة"!...
0 comments:
إرسال تعليق