لقد كان هذا الأسبوع متخماً بالتحركات العربية والدولية حول الشأن السوري والأزمة المستعصية من موسكو إلى القاهرة مروراً بطهران وأنقرة، وقد عجز النظام والعالم على حل هذه الأزمة أو التعامل بجدية معها، وباعتقادي أن كلٍ من هذه الأطراف المنغمسة بشكل مباشر أو غير مباشر بهذه الأزمة يغني على ليلاه، غير آبه بنزيف الدم الذي بات شلالاً جارفاً يمتد من جنوب سورية حتى شمالها كنهرها العاصي الذي خالف نواميس الطبيعة، حيث يشق طريقه صعوداً من الجنوب إلى الشمال غير آبه بما يعترضه من تضاريس، وهذا حال الثورة السورية التي تتحدى في عنفوان قمع النظام السوري بتصاعد الاحتجاجات كمّاً وكيفاً، غير آبهة بآلة القمع الأسدية التي طورها النظام من العصا والساطور إلى الدبابة فالبارجات الحربية إلى أن وصل إلى الطائرة المقاتلة الجبانة، التي لم تتصدى يوماً للمقاتلات الإسرائيلية التي استباحت الأجواء السورية طولاً وعرضاً دون أي خطوط حمر، والتي هي ذروة ما يمتلك في مواجهة الشعب المسالم الأعزل إلا من تصميمه على انتزاع الحرية ونيل الكرامة والوصول إلى الدولة المدنية القائمة على الديمقراطية والتعددية والمؤسسات الدستورية والقانونية والتداول السلمي للسلطة، وقراره هذا لا رجعة فيه، فليفهم العرب والعالم أن السوريين قد شبوا على الطوق الأسدي أو أية مبادرة لا تحقق لهم مطالبهم، ولن يكونوا بعد اليوم إلا أعزاء منتصبي القامة.
المبادرة العربية التي سيحملها نبيل العربي إلى دمشق يوم السبت القادم لن تغير من المعادلة شيء لا في عقلية النظام المستبد الذي قطع كل الخيوط وأغلق كل الأبواب في وجه كل النصائح والطلبات التي جاءته من الأصدقاء والمشفقين عليه ومحبي سورية، ولا في روحية الثورة التي انطلقت بتصميم وثبات حتى يتحقق لها ما قامت لأجله وهو إسقاط النظام ورحيل رأسه بشار الأسد وتفكيك خيمته القاتمة حزب البعث (ما منحبك.. ما منحبك ارحل عنا أنت وحزبك)، حيث لم تتناغم هذه المبادرة العربية بمطالب الثورة في إسقاط النظام ورحيل الأسد وحزبه، وعلى العكس من ذلك تريد إعادة عقارب الساعة إلى الوراء.. إلى إعادة الثورة إلى المربع الأول حيث تجاهل النظام دعوات المحتجين بداية للإصلاح، وتبرم بمطالبهم واستهان باحتجاجاتهم السلمية وسخر منهم بوصفه لهم بأنهم حفنة من الجراثيم ومجموعات سلفية وإرهابية ومتطرفة وعصابات مسلحة، وتعامل معهم بعنجهية ووحشية وأسرف في سفك دماء المتظاهرين، وقابل ما رفع المحتجون من ورود وأغصان زيتون بوابل من الرصاص المجنون الذي استهدف الطفل قبل الشيخ والمرأة قبل الرجل، وقذائف مدفعية الدبابات التي لم تميز بين منزل ومسجد ومشفى وأسواق تجارية وسيارة عابرة، حتى بلغت الدماء الأعناق وتجاوزت الركب، مما جعل الثائرين يرفعون من سقف مطالبهم من الإصلاح إلى إسقاط النظام ورحيل بشار وحزبه فالمفسد لا يمكن أن يكون مصلح والذئب لا يمكن أن يكون حمل، وعلى أصحاب المبادرة أن يتعاملوا مع هذه الحقائق بصراحة ووضوح ويحملوا إلى الأسد الصغير حلاً واحداً لا ثاني له إسقاط نظامه ورحيله هو وحزبه، ولا شيء أدنى من ذلك.
لقد استبق الأسد الصغير وصول نبيل العربي باستعانته بجنرلات أبيه ممن قادوا عمليات القمع الدموية أعوام 1980-1982 في ارتكابهم مجازر بشعة بحق الشعب السوري المسالم الأعزل في تدمر وحلب وجسر الشغور وجبلة وبانياس وحمص واللاذقية ودمشق وسرمدا وجسر الشغور، وتوجوا هذه المجازر باستباحة مدينة حماة في شباط من عام 1982 وقصفها بالمدفعية والدبابات وراجمات الصواريخ وطائرات الهلوكبتر لنحو 23 يوما، تركتها قاعاً صفصفاً وخراباً يباباً تنعق الغربان في خرائبها وتنهش البهائم الجائعة أجساد الضحايا الذين بلغوا نحو ثلاثين ألفاً أو يزيد، في غياب وسائل الإعلام وتعتيم متعمد وسكوت دولي وعربي مريب.
استعان الأسد الصغير بجنرالات أبيه لقمع الثورة، وقد أخفق إخفاقاً ذريعاً في قمعها، على كثرة ما أزهق من أرواح وما فجر من دماء وما ساق من معتقلين وهجّر من عائلات وحاصر من مدن واستباح من حرمات ومقدسات (3000 شهيد 6000 جريح 3000 مفقود 25000 معتقل بين طفل وشيخ ورجل وامرأة و20000 ألف مهجر).
فقد عاد إلى القصر الرئاسي بصفة مستشار رجلا الاستخبارات، اللذان تلوثت أيدهما بدماء السوريين، علي دوبا ومحمد الخولي, ومؤخراً أعيد للعمل بصفة مستشار أيضاً الجنرال نايف العاقل, المعروف عنه الشراسة وهو أحد الضالعين في مجزرة حماة 1982، والقاسم المشترك بين هؤلاء المجرمين هو تورطهم في الماضي الدموي لعائلة الأسد، ومعرفتهما المسبقة بأنهما سيساقان إلى محكمة جرائم الحرب الدولية في لاهاي عاجلاً أو آجلاً.
ويعتقد بعض المحللين أن بشار الأسد يخطط لتنفيذ عملية عسكرية سريعة وحاسمة بتوجيه من هؤلاء المستشارين, توجه إلى منطقة واحدة وتحدث صدمة عميقة ترعب الشارع وتجبره على التزام الصمت, ورجح هؤلاء المحللون أن توجه الضربة إلى إحدى أكثر المناطق احتجاجاً وتظاهراً وعلى الأغلب ستكون حمص وريفها الغربي هو المستهدف بهذه المجزرة, وهناك مؤشرات إلى بدء هذه العملية، حيث تقوم الدبابات وناقلات الجند والمدرعات وأجهزة الأمن بتقطيع أوصال المدينة وقطع الكهرباء والاتصالات معها، وعزلها عن محيطها وعن العالم الخارجي، واستقدام الآلاف من رجال الأمن والشبيحة وفرق الموت المستوردة من قم والضاحية الجنوبية لارتكاب مجزرة شبيهة بمجزرة حماة عام 1982، فهل سيقف العرب والعالم متفرجاً على ما يقوم به النظام السوري كما حدث في عام 1982، أم سيبادر إلى تكبيل يد الأسد ووقفه عند حده قبل فوات الأوان ومشاهدة أنهار الدماء تسيل من أجساد عشرات الآلاف الذين سيكونون ضحية ما يخطط له بشار الأسد ومستشاريه المستقدمين من عالم الإجرام الأسدي الذي شهدته سورية في القرن الماضي؟!
0 comments:
إرسال تعليق