ان هذه الحملات ليست جديدة وكل من راقب الاحداث خلال السنوات الخمس الماضية وتحديداً بعد انتهاء حرب تموز 2006 لاحظ محاولات الاساءة الى الجيش اللبناني ومحاولات زجّه في معارك تشكل خطراً على الوحدة الوطنية كما جرى في حادث مار مخايل واحداث 7 ايار الشهيرة.
يتذكر اللبنانيون دون شك ان عملية اضعاف الجيش والمكتب الثاني التي بدأت عام 1970 في حملة انتقامية من الشهابية كانت الهزة الاولى التي زلزلت الارض اللبنانية وصولاً الى الحرب الاهلية. لقد جرى آنذاك تشريد ضباط المكتب الثاني في كل الاتجاهات وتحقير قائد الجيش اميل البستاني وملاحقته فضعفت هيبة الجيش وبدأت حركة التسلّح الميليشياوي في كل الاتجاهات وحصل ما حصل بعد اضعاف الجيش وضرب هيبته وتفككه.
لا يريد احد ان تتكرر تلك التجربة المريرة. لقد استغرقت عملية اعادة بناء الجيش اللبناني اكثر من عشرين عاماً ومرّ في ظروف سياسية معقدة وصعبة ولكنه تمكّن من ان يكون جيشاً متماسكاً يمتلك عقيدة وطنية واضحة ورؤيا موحّدة.
كان جيش لبنان مثالياً رغم كل الصعوبات. فعندما تفرّقت الالوية بين «شرقية وغربية» في عهدي الرئيسين امين الجميل وميشال عون رفض ضباط وجنود هذه الالوية محاربة بعضها والمشاركة في اي معركة كان الجيش طرفاً فيها.
يُشكر المفتي قباني على قوله ان انهيار الجيش يعني انهيار وحدة الوطن، ويشكر غبطة البطريرك الراعي على اتخاذ موقف مماثل لموقف المفتي. ولكن السؤال الكبير هو لماذا الدعم الخجول للجيش اللبناني من الرؤساء الثلاثة؟.. ولماذا لا ترتفع الاصوات مطالبة زعماء الكتل التي ينتمي اليها النواب السلفيون للجمهم عن الجموح باطلاق حملات التشهير والاساءة ضدّ القوّة الوحيدة الضامنة لوحدة الكيان؟
ان احلام الكانتونات واقامة الامارات ما زالت تدغدغ مخيلات بعض الذين يعانون من مرارة الابتعاد عن مملكة السلطة. ويعتبر هؤلاء ان ضرب الجيش والتشهير بالمقاومة هما المدخل لتحقيق بعض هذه الاحلام السوداء. ولا يحتاج المراقب الى كثير من الذكاء ليدرك ان الكلام النابي وغير المنطقي الذي يوجه الى المقاومة يستهدف الجيش النظامي الملتزم بالتنسيق مع هذه المقاومة انطلاقاً من المبدأ المتفق عليه رسمياً عبر معادلة: الجيش، الشعب والمقاومة.
انه لمن الأفضل ومن اجل الحفاظ على وحدة الداخل اللبناني ان يقدم المسؤولون من رؤساء كتل نيابية واحزاب وتيارات على القيام بحملة توعية لرصّ الصفوف وكبح جماح المتحاملين على الجيش حتى لا تزداد الهوة ويتسع الشرخ بين الفئات المتنافسة سياسياً.
اذا كان البعض يرى في حملة التشهير ضد الجيش وقياداته تصرّفاً سياسياً يشبه التحامل على خصم سياسي فهذا خطأ لأن للجيش قدسيّة واحتراماً وحصانة لا يستحقها السياسي العادي. ويعرف المعنيون ان الجيش وقيادته لن ينزلوا الى مستوى المهاترة والردود على سفهاء السياسة كما عوّد هذا الجيش اللبنانيين منذ تأسيسه قبل سبعة عقود.
لا يخاف اللبنانيون من «العسكرة» ونفوذ الجيش السياسي لأن المعادلات الداخلية لا تسمح بذلك ولكن هذا الواقع يجب ان لا يكون حافزاً لاستضعاف الجيش والتحرّش بقياداته مهما كانت الذرائع.
اخيراً نذكر بكلام قاله الاستاذ غسان تويني عندما زار استراليا في اواخر العام 1974 بدعوة من وزارة الخارجية حيث اعترف بأن الحملة على الجيش والمكتب الثاني وتشريد ضباطه كانت خطأ كبيراً.. بعد ذلك القول بأشهر قليلة انفجرت الحرب.. ولكنها الآن لن تنفجر.
0 comments:
إرسال تعليق