على مدى الأسبوع الماضي، عجزت غرفة الطوارئ في البنك المركزي الإسرائيلي عن استقبال سيل الاتصالات التي انهمرت عليها من عشرات الآلاف من الإسرائيليين الذين استبد بهم الفزع في أعقاب الكشف عن اختراق بطاقات الائتمان الخاصة بهم من قبل هاكرز ادعى أنه عربي سعودي يقيم في المكسيك. حسابات الإسرائيليين الفزعين التي باتت مهدة تقدر بمئات الملايين من الدولارات، وهو ما يمثل فاجعة حقيقية لقطاع واسع من الإسرائيليين داخل إسرائيل وخارجها. لكن ما أثار قلق صناع القرار في إسرائيل ليس إمكانية خسارة هؤلاء الإسرائيليين مدخراتهم المالية، بل الخوف من أن يكون هذا الاختراق الواسع جزء من حرب إلكترونية تشنها جهة معادية ذات مصلحة حقيقية في إلحاق أقصى قدر من الأذى بالأمن القومي الإسرائيلي. لم تتعامل المحافل الرسمية الإسرائيلية بجدية مع ادعاء الجهة التي اخترقت بطاقات الائتمان بأنها مجرد " هاكرز سعودي "، بل إنها تعتقد أن هناك ما يدفع للاعتقاد أن الطرف الذي يقف وراء هذا الهجوم هو إيران.
مصلحة إيران
وينقل بن كاسبيت، كبير المعلقين في صحيفة " معاريف " عن مصادر عسكرية إسرائيلية قولها أن لإيران مصلحة واضحة في شن حرب إلكترونية ذات أبعاد استراتيجية ضد إسرائيل، وذلك رداً على الهجمات الإلكترونية التي تعرضت لها مؤخراً، واتهمت إسرائيل بالوقوف خلفها، وتحديداً توظيف فيروس Stuxnet في تعطيل أجهزة الطرد المركزي التي تستخدم في تخصيب اليورانيوم في المنشآت النووية الإيرانية، علاوة على شن عدد من الهجمات التي استهدفت مخازن صواريخ في أنحاء متفرقة من إيران. ويضيف بن كاسبيت: " لقد اختارت إسرائيل أن تشن حرب إلكترونية على إيران، وعليها أن تواجه نفس الحرب، يتوجب عليها ألا تلوم سوى نفسها ".
أضرار استراتيجية
وتجمع كل الجهات ذات العلاقة بقضايا الأمن القومي الإسرائيلي على إن أية حرب إلكترونية تشن على إسرائيل يمكن أن تحدث أضرار استراتيجية أخطر بكثير من مجرد المس ببطاقات الائتمان. ويقول متان فلنائي، وزير الجبهة الداخلية الإسرائيلي إنه نظراً لأن المؤسسات المدنية والعسكرية في إسرائيل توظف أكثر التقنيات الحديثة تقدماً، فإن منظوماتها تكون أكثر عرضة للاختراق من قبل الأطراف المعادية. ويقول شموئيل منتسور، مدير إحدى شركات الحماية الإلكترونية في إسرائيل، إن أية حرب إلكترونية تشنها أطراف معادية ستصيب مرافق الدولة بالشلل الكامل. ويشير منتسور إلى إن حرب إلكترونية يمكن أن تؤدي إلى تعطل العمل في المطارات، ويمكن أن تؤدي إلى توقف الانتاج في المرافق الاقتصادية، علاوة على الإضرار بالمؤسسات الخاصة. ويوضح أن الجهات المعادية يمكنها أن توظف التقنيات الإلكترونية في اختراق شبكات الاتصال العامة والعسكرية وليس فقط الحصول على معلومات سرية بالغة الأهمية والحساسية، بل إن مثل هذا الاختراق يمنح الجهات المعادية القدرة على تزويد صناع القرار في تل أبيب بمعلومات مضللة، يمكن أن تؤدي إلى أضرار بالغة.
ذنب إسرائيل
لكن من الواضح أن إسرائيل ليس بإمكانها أن توجه اللوم لأي طرف معادي في حال قام باستهدافها باستخدام الحرب الإلكترونية الإلكترونية، لأنها تجاهر بتوظيفها الحرب الإلكترونية في استهداف كل طرف يقع تحت دائرة " الأعداء ". فقد أعلن عاموس يادلين، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق أن الجيش الإسرائيلي قد أقام بالفعل هيئة عسكرية خاصة بشن الهجمات الإلكترونية على الأطراف المعادية. ونقلت صحيفة معاريف عن يادلين قوله: " تقوم الحرب الإلكترونية على ثلاث مركبات أساسية، وهي: جمع المعلومات الاستخبارية، وتنفيذ الهجمات، وتوفير الحماية ". وتطبيقاً لهذا التوجه، فقد تم تدشين قيادة خاصة بالحرب الإلكترونية داخل ما يعرف بـ " وحدة 8200 "، وهي وحدة التنصت الإلكتروني في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، بحيث يرأس القيادة الجديدة ضابط كبير برتبة بريغادر جنرال، حيث يعمل في هذه القيادة خبراء في مجال الفضاء الإلكتروني ورجال استخبارات. وتختص القيادة الجديدة بتوفير حماية للشبكات التي يستند إليها عمل المؤسسات العسكرية والمؤسسات المدنية الحساسة، مثل شركة الكهرباء القطرية والمطارات وغيرها من مرافق، علاوة على إنها تبادر إلى شن هجمات إلكترونية على أطراف معادية حسب توجيهات هيئة أركان الجيش. وتنقل صحيفة معاريف عن ضابط خدم في هذه القيادة قوله أن الفضاء الإلكتروني يتطور بشكل سريع جداً وبالتالي يتوجب توفير حماية للمنظومات الإلكترونية بشكل يتلائم مع هذا التطور، حتى لا تتعرض للاختراق. ولم يكتف الجيش الإسرائيلي بهذه الإجراءات، فقد أعلن عن نيته تجنيد 300 من " الهاكرز " الإسرائيليين، وذلك لتوظيفهم في مجال مواجهة الهجمات التي يمكن أن تتعرض لها المرافق الحيوية التابعة للمؤسسة العسكرية. وقد أمر رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي بني غانز بتعديل الخطة الخمسية التي أقرت في الجيش مؤخرا،ً بحيث يتم تخصيص بضع مئات الملايين من الدولارات في مجال تحصين المنظومات الحساسة في الجيش. ليس هذا فحسب، بل إن الجيش الإسرائيلي افتتح هذا الأسبوع -ولأول مرة - في معهد لتخريح من وصفهم الجيش بـ "مقاتلي السايبر"، حيث إن المهمة الرئيسة لهؤلاء الجنود ستكون العمل دون اختراق المنظومات المحوسبة في الجيش من قبل فيروسات تصممها أطراف معادية.
سوابق إيرانية
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا تعتبر إيران في نظر الإسرائيليين الطرف المرشح للعب الدور الأساسي في الحرب الإلكترونية ضد الدولة العبرية، وهل قدرات إيران تسمح بتنفيذ هجمات إلكترونية ذات بعد استراتيجي على إسرائيل؟.
إليكس فيشمان، كبير المعلقين العسكريين في صحيفة " يديعوت أحرنوت "، يرى أن التجربة قد دللت على إن لدى الإيرانيين القدرة على تنفيذ هجمات إلكترونية بالغة الخطورة، لذا فهو يبدو أكثر حزماً في نسب الهجمات الإلكترونية التي تعرضت لها إسرائيل مؤخراً لإيران. ويتساءل: " إن كانت إيران قد تمكنت مؤخراً من السيطرة على أهم وأكثر الطائرات الأمريكية بدون طيار سرية وأعظمها كلفة عبر توظيف تقنيات متقدمة، فهل من المستهجن أن يتمكن الإيرانيون من اختراق بطاقات الائتمان لعشرات الآلاف من الإسرائيليين ". ويشير فيشمان إلى أن الإيرانيين يملكون سجلاً من الانجازات في مجال الحرب الإلكترونية، حيث تمكنوا من تحقيق انجاز " مذهل "، تمثل في إبطال عمل هيئة القيادة التي تتحكم في تشغيل وتوجيه الطائرات بدون طيار الأمريكية العاملة في العراق، مع العلم أن مقر هذه الهيئة موجود في قاعدة عسكرية داخل الولايات المتحدة. وأشار فيشمان إلى أنه على الرغم من أن الولايات المتحدة تستخدم 14 ألف خبير في مجال الحرب الإلكترونية، وتستثمر عدة مليارات من الدولارات في مجال تحصين شبكاتها الإلكترونية، إلا إنها لم تتمكن من الصمود أمام الهجمات الإيرانية. ويرى فيشمان أن هناك أساس للاعتقاد أنه بإمكان الإيرانيين اختراق المنظومات العملياتية للجيش الأمريكي في جميع أرجاء العالم. وأوضح فيشمان إن الإيرانيين تمكنوا في أواخر ثمانينيات القرن الماضي من فك شيفرة طائرات الاستطلاع الإسرائيلية التي كانت تستخدم في عمليات الرصد فوق سماء جنوب لبنان، وتمكنوا من خلالها من مد مقاتلي حزب الله بالمعلومات التي أسهمت في تعقب أنشطة الوحدات الخاصة الإسرائيلية التي كانت تعمل في جنوب لبنان الذي كان يخضع للاحتلال الإسرائيلي وهو ما أسفر في حينه عن استدراج وحدة النخبة في سلاح البحرية الإسرائيلية، المعروفة بـ " القوة 13 "، وقتل 12 من عناصرها وجرح عدد آخر. وفي شهر آب الماضي، أعلنت شركة " ديجينوتار "، المختصة بتوفير الأمان لمواقع الإنترنت في إسرائيل إفلاسها، بعدما تمكن الإيرانيون من اختراق موقعي جهازي الاستخبارات: " الموساد "، و" الشاباك "، وموقع " وللا "، أهم المواقع الإخبارية على الشبكة. وتحذر المحافل العسكرية الإسرائيلية من أن أية حرب تكون إسرائيل طرفاً فيها ستتأثر بالحرب الإلكترونية. وتشير هذه المحافل إلى أن سر تفوق الجيش الإسرائيلي التقني الهائل مقارنة مع الجيوش الأخرى في المنطقة يمثل في الوقت نفسه نقطة ضعف قاتلة في حال تم استثمارها من قبل " الأعداء ". وتنقل " يديعوت أحرنوت " عن هذه المحافل قولها أن توظيف التقنيات المتقدمة في زيادة فاعلية التنسيق بين أذرع الجيش الإسرائيلي وأسلحته المختلفة، يمكن أن ينغرس كسهم مرتد في جسم الجيش الإسرائيلي، لأن توظيف التقنيات المتقدمة يسهم في تمكين " العدو " من اختراق المنظومات العسكرية المشغلة لآلة الحرب الإسرائيلية وشلها، أو لتوجيهها لتضرب العمق الإسرائيلي.
لقد دق اختراق بطاقات الإئتمان على هذا النطاق الواسع ناقوس الخطر لدى الإسرائيليين، حيث أنه من المتوقع أن تعقد الكنيست جلسة عاجلة للتباحث حول سبل مواجهة " الحرب الالكترونية ".من ناحيته هدد نائب وزير الخارجية داني ايالون بان أي مساس بالسيادة الاسرائيلية في الفضاء الالكتروني يعتبر بمثابة اعلان حرب وأن كل مَن يفعل ذلك يعرّض نفسه لرد اسرائيلي. وفي ندوة عقدت الجمعة الماضي في مدينة بئر السبع، تطرق أيالون الى الهجمات الإلكترونية الأخيرة أنه ينبغي لاسرائيل ان تقتدي بالولايات المتحدة التي أوضحت أن أي استهداف لفضائها الالكتروني سيكون بمثابة اعلان حرب وأنها سترد عليه حتى باطلاق صواريخ اذا اقتضت الضرورة ذلك.
في أعقاب نجاح إسرائيل في إعطاب أجهزة الطرد المركزي في البرنامج النووي الإيراني باستخدام فيروسات محوسبة، تباهى أحد ضباط الجيش الإسرائيلي، قائلاً: " بدلاً من سلاح الجو بالإمكان استخدام الفضاء الإلكتروني، وبدلاً من الصاروخ بالإمكان استخدام الفيروس ".
لكن يبدو إن إسرائيل ستعاني من فيروسات الآخرين.
0 comments:
إرسال تعليق