العالم يتطور ونحن في مصر خاصة والعالم العربي عامة نتكور ونصير كُورة سهل اللعب بها بأرجل أناس يتحكمون فيها بأقدامهم يقذفون بها إلى أي إتجاه يريدون محددين هدفا واحدا يريدون تحقيقه وهو السيطرة والتحكم في خلق الله بأسم الدين .
في مصر الدولة الدينية لم تكن موجودة على الرغم من أن الشعب المصري أكثر شعوب العالم تدينا وتاريخه الضارب في القدم يشهد له بذلك مستمرا بتمسكه بالدين مهما تعدد . لذا تجده يدافع عن دينه ومعتقده الديني ويبذل في سبيل ذلك كل غالٍ ونفيس .
مصر تتميز أيضا بالتسامح وقبول الأخر وفتحت أبوابها وإحتضنت كل جائع فأطعمته وكل لاجيء فأوته ، وكل راغب في قبولها وطنا له فرحبت به إبنا لها . وكانت مصر الكيان الدولي الوحيد على وجه الأرض الذي أوجد ما يسمى الأن بالتعددية الجنسية مع إختلاف في التطبيق العملي لتلك التعددية عن ما هو حادث هذه الأيام . التعددية الجنسية أو كما يحلو للبعض تسميتها التعددية الحضارية أو الثقافية في مصر إنبنت على الإنصهار في البوتقة المصرية كل إنسان وجنسه وثقافته وحضارته فيمتزج كل مع الأخر ويشكل شعبا واحدا وجنسا واحدا وحضارة وثقافة واحدة تحت إسم واحد إسمه مصر . هذا كان ومايزال كائن مهما حاول البعض أن يفرق بين أبناء مصر بسبب لونهم أو دينهم أو معتقدهم . وهذا شيء نفتخر به نحن المصريين أينما كنا سواء على أرض مصر أو أرض أخرى نعيش فوقها .
أعود إلى الدولة الدينية ، أو مايحلو للبعض تسميتها بالدولة المدنية ذات مرجعية دينية . مما يجعل الإنسان في حيرة من أمره . الدولة الدينية واضحة معالمها حكمها حكم ديكتاتوري مهما حاول حكامها وضع مسوح الديمقراطية والتسامح وقبول الأخر سواء كان هذا الأخر مختلفا معهم في العقيدة أو الدين ، ويظهر ذلك واضحا وجليا في فرض عقائدهم ومعتقداتهم فرضا على الناس . هذا حدث في الدولة اليهودية والدولة المسيحية وفشل حكمهما لتسلط وديكتاتورية رجل الدين . كذلك حدث في الدولة الإسلامية منذ نشأتها ألى يومنا هذا على الرغم من إستخدام الكثير من الدول الإسلامية للدساتير المدنية التي تحد من سلطة رجل الدين مثل ماليزيا وأندونيسيا وسنغافورة التي بها التعددية الدينية والجنسية يضرب بها المثل لحكم القانون المدني وتطبيقه . ولا أكون مغاليا لو قلت أفضل من الكثير من الدول الغربية التي تتشدق بالديمقراطية والحريات غير المقننة مما أخذ تلك الدول إلى الفوضى الإجتماعية وعدم التماسك الأسري وتكاد الأخلاق المتعارف عليها والقيم أن تندثر وتحل محلها ما قد يكون سببا في ضياعها .
إذن الدولة الدينية أو كما يقولون الدولة المدنية ذات مرجعية دينية لم تعد الدولة القادرة على مواكبة الزمن الحالي المتطور والمتغير بسرعة لم تكن متوقعة . سرعة أوصلت الإنسان إلى ما بعد السماء السابعة أبعد ما سمع عنه الإنسان .والأن أصبح ليس فقط يسمع عنه ، بل أن يراه خلال التلسكوبات التي غزت الفضاء ، فكيف يتماشى هذا مع جميع العقائد الدينية ؟؟ وإن تماشى مع البعض فإنه سيتعارض مع البعض الأخر الذي يمسك بتلاليب الدين ويشكك في كل ما هو جديد أو حديث إن كان في العلم أو العلوم حتى لو سمحوا بتدريسها للطلبة سواء في الجامعات أو المعاهد والمدارس . لأنهم سيضعون مناهج دينية ويقللون من المناهج العلمية ومواكبة السباق الحضاري الذي تتنافس عليه جميع الدول المتحضرة .
الدولة الدينية في مصر في طريقها لتكون واقعا ملموسا فرض نفسه على المجتمع المصري بعد أن واتتها الفرصة الذهبية في 25 يناير / كانون الثاني من العام المنصرم 2011 على يد الإخوان المسلمين ومساندة سواء في عهد المتخلي عن إدارة شئون البلاد الذي سلم الإدارة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة ضاربا عرض الحائط بكل الأعراف والقوانين الدستورية التي تحدد من سيتولى إدارة البلاد بعد ترك الرئيس الإدارة تحت أي ظرف من الظروف . لكن يبدو أنه " الرئيس " كان يعرف ما يفعل لينتقم من الشباب الذي ثار وأصر على إبعاده نهائيا فسلم الإدارة إلى المجلس وهو واثق تمام الثقة أن المجلس سيحتفظ بكل نظامه حتى وهو خارجه. ولابد أنه حسب خبراته الأمنية التي كان مسئولا عنها في عهد السادات ، جعلته يعرف الجهة أو الجماعة التي يمكن للمجلس الأعلى أن يقف إلى جانبها لتحل محل الحزب الوطني المنحل لتسير على دربه . طبيعي نعرف من المقصود بذلك .. إنهم الإخوان المسلمين فهم أكثر دراية بالشارع المصري وهم أكثر خبرة وتنظيما في كيفية السيطرة على الشارع .
أدخل المجلس الأعلى إلى الحلبة جماعة أخرى إسلامية متشددة تعرف بأسم الجماعة السلفية. جماعة دون شك كانت موجودة في مصر وكانت لها نشاطات محدودة . لكن المجلس الأعلى للقوات المسلحة فتح لها الباب على مصراعية لتكون الجماعة المنافسة لجماعة الإخوان ، وقد يكون سبب ذلك إستخدامها كفزاعة لما عرف عنها من تشدد وعنف .
وما حدث بعد ذلك من أحداث لا يدع مجالا للشك في أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة كان ومايزال السند القوي لجميع الجماعات الإسلامية والعمل على تمويع دور الثورة التي أصرت ونجحت في إبعاد الرئيس مبارك ويبدو أن القضاء على الثورة أصبح قاب قوسين أو أدنى بعد إتمام الإنتخابات البرلمانية ووضع دستور جديد يحدد نصوصه الجماعات الإسلامية التي إكتسحت الإنتخابات ليتلائم مع أغراضهم .
الإنتخابات أظهرت بالفعل قدرة الإخوان على الفوز الكاسح كما كان يحدث مع الحزب الوطني مع إختلاف بسيط هو وجود الجماعة السلفية كثاني قوة في البرلمان وقد تشكل المعارضة .
على الرغم من الإنتهاء من الإنتخابات ، إلا أن السلفيين بدأوا يفرضون أنفسهم على الشارع المصري ، فبدأت مجموعات منهم بإعلان تكوين " هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " ، وهي نفس الجماعة الوهابية في السعودية " .
هذا الإعلان أثار غضب وسخط الكثيرين من أحرار مصر ، ولا عجب أن سمعنا عن نساء في القليوبية إعتدين بالضرب على مجموعة من الهيئة حاولوا إستخدام ما ظنوا أنه حقهم في تطبيق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . مما دفعهم بالإعتراف أن الهيئة قد أعدت نفسها لمثل هذه المصادمات بتسليحهم بعصيان كهربائية لأستخدامها عند اللزوم .
لم تنتهي الإنتخابات بعد . ومع ذلك السلفيون فاجأؤا الناس ب " أول القصيدة لحكم البلاد كفر " .
كلمة " الأمر " كلمة لا يستسيغها الشعب المصري . عندما يطلب شخص ما من شخص أخر خدمة يؤديها له نجد رده " إنت تؤمر يا حاج أو يا أخ أو أي لقب يناديه به . فيكون رده .. لا العفو الأمر لله وحده .
وأمر الله لم يجبر لا نبي ولا رسول ولا شيخ ولا داعية بأن يستخدموا " الخرزانه ولا العصا ولا الشومة التي كان يستخدمها فتوات مصر قديما ، وبالطبع ولا العصا الكهربائية التي ينون إستخدامها " .
وبدأت ردود الفعل النافية لهذا لتكوين لهذه الهيئة التي تستخدمها السعودية أداة تخويف وتحكم ضد فقراء الشعب و من العاملين في البلاد من دول أخرى ، بينما حكام وأمراء وأغنياء البلاد يرتعون ويعيثون في الأرض فسادا ومن الطبيعي لن يجرؤ أحد من هذه الهيئة أن يرفع عينه في وجه أحدهم حتى لو رأه مرأى العين وهو يرتكب الفحشاء .
إن بدأتم هكذا بأول القصيدة كفر وقبل إكتمال الحكم ، فماذا ينتظر الشعب عندما تحكمون بالفعل !! . أعتقد " حاتمشوهم ع العجين ما يلخبطهوش " . لأنه من المؤكد إن بقية القصيدة ستكون أكثر كفراً من أولها .
وهذا سيفرح قلب وفؤاد الرئيس المتخلي عن إدارة شئون البلاد الذي حرمه شباب الثورة من تحقيق حلم زوجته بتولي الإبن جمال حكم البلاد . ولا أظن إن العسكر سيكون لهم سلطة عليكم فقد كشرتم عن أنيابكم لهم منذ اليوم الأول .
0 comments:
إرسال تعليق