حماس تشرب من كأس عبّاس/ د. إبراهيم حمّامي


عود على بدء ...

تكرار واجترار لمراحل سابقة من "مسيرة وعملية" الحوار، نعم لقد تحولت لمسيرة وعملية تماماً كما هي "عملية" التفاوض التي تستمر دون نتائج، لتعود للمربع الأول بعد دغدغة العواطف وانعاش الآمال بقرب حل المعضلة المستعصية، وفي ذلك تتجاهل الأطراف جميعاً حقيقة ولب المشكلة، وتجتمع لتناقش قشور وذيول الأزمة، لتخرج علينا ببيانات وتصريحات سرعان ما تبددها تصريحات أخرى، لتعود جولات الاتهام والاتهام المضاد، وكأنك يا أبو زيد ما غزيت.

الجولة الأخيرة من "عملية" المصالحة قررها وحددها محمود عبّاس بعد أن عطّل كل شيء لمدة نصف عام منذ التوقيع "التاريخي" في 04/05/2011 ، لسبب بسيط أن عبّاس أراد التوقيع ليكون ورقة في يده أولاً للعودة لطاولة المفاوضات، وثانياً للذهاب للأمم المتحدة للحصول على دولة كما يسميها من خلال وهم أسماه "استحقاق" أيلول، ليذهب الاستحقاق بصفعة جديدة لسياسات عبّاس العبثية بفشله حتى بالحصول على 9 أصوات داخل مجلس الأمن.

هذا الفشل الذريع والاحباط والاهانة كانت السبب الرئيس ليتذكر عبّاس فجأة وفي شهر نوفمبر/تشرين الثاني أن هناك "مصالحة" يعرقلها من ستة أشهر، وفجأة أصبح لقاء عبّاس بمشعل ممكناً، وحدث "الاختراق" الاستراتيجي بملف "عملية" المصالحة بلقاء تم يوم 24/11/2011 في القاهرة، تلته لقاءات واجتماعات ثنائية وللفصائل، لم تسفر حتى اللحظة إلا عن وعود بحل ملفات مثل ملف جوازات السفر.

حمّاس بدورها هرولت للمصالحة المفترضة، وأنقذت عبّاس للمرة الألف من شرور أعماله، وساعدته بتحويل الأنظار عن فشله في الأمم المتحدة، صدقته بعد أن لُدغت أكثر من مرة، ورمت له طوق النجاة، ولم يخيب عبّاس الظن به، تلقف الأمر وعاد منتصراً على حماس لا غيرها، لتبدأ سلسلة جديدة من ألاعيب السلطة وفتح – جناح بيت لحم، وليستغل عبّاس كل شيء لصالحه، وبالتالي تقع حماس للمرة المليون في ذات المطب زذات الفخ، ليس عن جهل لكن لحسن نيتهم وظنهم بطرف لا يجيد إلا المراوغة.

عبّاس "المستميت" على المصالحة، واللاهث وراءها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من سلطة باتت بلا وظيفة بعد تعثر وظيفتهم السياسية بالمفاوضات، اللهم إلا من وظيفة العميل الأمني مدفوع الأجر من خلال التنسيق الأمني، عبّاس الذي تمسّح بخالد مشعل ليجلس معه بعدما رفض ذلك ظال أشهر ستة، يظهر اليوم ومعه باقي الشلة كمن يفرض رأيه وقراره.

قلنا في السابق أن حماس "تستاهل" ما يحدث لها، وتستحق ما يجري، لأنها لم تستوعب دروس الجولات الماضية، وقلنا أن حسن نية "المشايخ" لا يصلح في السياسة، وبح صوتنا ونحن نقول لن تنجح المصالحة بدون ضمانات وآليات وسقف زمني، ولن تتم بوجود توتيريون يسعون بكل قوة لعرقلتها، لكن تتكرر التجربة بذات النتائج.

هل هي نظرة تشاؤمية وحسب؟

هل هو موقف ضد المصالحة بغض النظر؟

لا أذيع سراً أنني شخصياً ضد المصالحة مع من باع وفرّط ويفاوض ويتنازل ويستفرد بالقرار وينسق مع الاحتلال ويجرّم شعبنا، منذ عرفات وحتى اليوم، ولا أخفي أنني لا أرى أملاً في السلطة ورموزها دون استثناء، إلا إذا عادوا عن غيّهم وأعترفوا بجرائمهم واعتذروا لشعبنا عما اقترفوه من مصائب وجرائم.

هذا موقف شخصي، لكن ما نتحدث عنه هنا هو سلسلة من المواقف التي وضعت حماس في خانة المستجدي، وحوّلت المستجدي إلى من يفرض الشروط، تمهيداً لعرقلة كل شيء بعد الحصول على المرجو من الدخول في جولة جديدة من "المصالحة"، والذي بدأ باجتماعات عمّان "التفاوضية" الأخيرة.

ولأن البينة على من ادعى، نرصد هنا مواقف شلة عبّاس بعد اللقاء الأخير بين مشعل وعبّاس، والتي سعت وتسعى جاهدة لنسف كل شيء، ولتشويه صورة الآخر، وفي أفضل الأحوال وضعه في ذات المكان والموقف.

· ما أن خرج عبّاس من اجتماعه الأخير مع مشعل في 24/11/2011 حتى توالت تصريحاته و"شروطه" المعتادة، الالتزام بشروط الرباعية، اتفاقات المنظمة وغيرها.

· كرر عبّاس مرة أخرى أن أي حكومة قادمة هي حكومة "الرئيس" وعليها أن تلتزم ببرنامجه

· عبّاس لم يفته في جلسات "الحوار" أن يجلس في منتصف القاعة ليجلس الباقون حوله متقمصاً دور الرئيس الفعلي، ليعامل الجميع بفوقية تعكس حالته البائسة بسبب الاهانات المتكررة من قبل الاحتلال، ليستقوي على شعبه

· وبقرار مباشر من عبّاس تم تأجيل الاعلان عن الحكومة إلى ما بعد 26/01/2011 – لماذا؟ عن هذا السؤال يجيب صلاح البردويل القيادي في حركة حماس قائلاً في لقاء مع وكالة أنباء الشرق الأوسط في 27/12/2011: "تم تأجيل تشكيل الحكومة الفلسطينية المقبلة إلى ما بعد اجتماعات الرباعية الدولية المقررة في 26 يناير القادم وذلك بقرار من الرئيس محمود عباس ، موضحا أن الرئيس عباس يرهن تشكيل الحكومة بنتائج هذه الاجتماعات فإذا حققت نتائج ايجابية للسلطة فلن يمضي في تشكيل حكومة مع حماس ،أما إذا لم يتحقق شيء منها فسيفكر في تشكيل حكومة مع حماس" .

· أصر عبّاس على فيّاض مرشحاً لرئاسة الحومة، وهو ما أقر به عزام الأحمد في تصريحات للعربية نت بتاريخ 28/11/2011

· أما عن التشريعي فما زالت زمرة أوسلو تصر على تعطيله ومنع انعقاده بكافة أعضائه وتغلق أبوابه أمام حتى رئيس المجلس د. عزيز الدويك، الذي لا يترك مناسبة إلا ويتغزل بالمصالحة وضرورتها وأهميتها، متأملاً أن تجد آذاناً صاغية.

· ثم انتقل عبّاس خطوة نحو موقف آخر ذات علاقة بالمقاومة في الضفة الغربية، حيث أكد "مستشار" عبّاس نمر حماد في تصريحات نشرت بتاريخ 02/12/2011 في صحيفة القدس العربي على أن " 'السلاح ممنوع منعا باتا في الضفة الغربية والذي عنده سلاح او متفجرات سيتم اعتقاله بغض النظر عن تنظيمه، وسيتم التحقيق معه لمعرفة الجهات التي تقف خلفه والدوافع لامتلاك تلك الاسلحة والمفجرات'، مشيرا الى ان عباس يؤكد بشكل متواصل للجميع بانه لا يريد تهاونا في موضوع الاسلحة والمتفجرات."

· في ظل كل ذلك ومع الحديث عن انهاء ملف الاعتقال السياسي ونفي كل أركان ورموز السلطة وجود معتقلين سياسيين، استمرت حملة الاعتقالات، وقد أكدت أكدت لجنة أهالي المعتقلين السياسيين في الضفة الغربية، أن الاعتقال السياسي لا يزال مستمرًّا من قبل الأجهزة التابعة لسلطة رام الله، رغم لقاءات المصالحة التي تعقد في القاهرة بين حركتي "فتح" و"حماس" ، ووثقت اللجنة حتى تاريخ 20/12/2011 أكثر من تسعين حالة اعتقال سياسي في الضفة الغربية، منذ اللقاء الأخير بين محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" خالد مشعل، في الرابع والعشرين من الشهر الماضي، كما رصد استدعاء أكثر من 150 مواطنًا بالإضافة إلى فصل 17 مدرسًا!

· ثم بدأت مرحلة جديدة لتشويه المواقف، بدأها رياض المالكي بتاريخ 31/12/2011 في لقاء مع صحيفة الخبر الجزائرية بقوله أن "حماس تعترف باسرائيل"!

· وتابعت مواقع معينة ومعروفة منها من يدعي الاستقلالية جداً بأن حماس قررت التخلي عن المقاومة المسلحة، وأن مشعل أصدر أوامره لكتائب القسام بوقف كل أنواع العمليات المسلحة

· رغم كل تلك المحاولات استمرت حركة حماس بتفاؤلها غير المبرر إلا بحسن النوايا، وعقدت لقاءات أخرى، على أمل تفعيل بعض الملفات ومنها ملف م ت ف، واجتمعت اللجنة القيادية المؤقتة للمنظمة – بتاريخ 23/12/2011- والتي تم الاتفاق عليها في القاهرة 2005، وبمشاركة حركتي حماس والجهاد الاسلامي لأول مرة، وهو ما لم يرق للبعض، حيث خرج عزام الأحمد ليحول الاطار القيادي إلى ما يشبه إطار "طراطير" ليقول في لقاء على قناة الحوار يوم 23/12/2011 "أن المجلس الاستشاري الذين يتكون من الأمناء العامين للفصائل ( حماس وفتح والجهاد ) ومصطفى البرغوتي كشخصية مستقلة ليس بمقدورهم تغيير أول تعديل سياسة منظمة التحرير الفلسطينية فهو شكلي ، ويرجع القرار إلى اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير".

· أما موضوع المفاوضات العبثية والعقيمة والتي لا يحصد فيها عبّاس إلا الفشل والمهانة والاذلال، فسرعان ما ركض لأول لقاء لاح له في عمّان، ليلهث عريقات وبشكل منفرد ويقد ملفات الأمن والحدود حسب الطلب والأمر.

· فشل كل ما سبق في ثني حماس عن التراجع، وتمسكت بالمصالحة حتى وان كانت شكلية وحتى وإن كانت طوق نجاة لعباس، حتى وإن كانت حماس تستغل فيها أبشع استغلال، ولذهذا السبب كان لابد من افتعال مشكلة تنسف كل شيء، وتعيد السجال الاعلامي للمربع الأول، على أمل أن "تفرط" الأمور، ومن هنا جاء توقيت افتعال مكشكلة معبر رفح لوفد فتح، وصلوا وقت صلاة الجمعة – 06/01/2012، تعاملوا بفوقية و"عنطزة" ولم يعجبهم أن هناك حكومة وادارة جوازات واجراءات، عشر دقائق كانت كافية بالنسبة لهم لتفجير الموقف واعلان عودتهم ورفضهم دخول قطاع غزة، بعد أن "سبوا" الذات الالهية بحسب الرواية الرسمية، معلنين أنه تم منعهم من دخول غزة.

· لم تتأخر أبواق السلطة في التطبيل والتزمير والتهليل للواقعة، معيدة استخدام التعبيرات اياها من انقلاب، واختطاف لغزة، وجرائم وغيرها

· صخر بسيسو المتهم من قبل أجهزة الأمن في غزة بخرق القانون وسب الذات الالهية أصدر بياناً اليوم يطالب فيه حماس بالاعتذار ويطالب بتقديم قادة حماس للمحاكمة بتهمة القتل – مكرراً أكاذيب جماعته بقتل 700 اثناء "الانقلاب" وهو ما سبق وتحديناهم فيه من أكبر رأس لأصغر رأس

· موقف بسيسو لم يكن فردياً لكن ضمن خطة متدرجة، تلقفتها اللجنة المركزية لفتح – جناح بيت لحم والتي بدورها أصدرت بياناً بعد اجتاع لها جاء فيه "أن لغة التكفير والتهديد التي استخدمها البيان إنما تهدف أولاً وأخيراً إلى إغلاق الباب أمام المصالحة ومنع أعضاء اللجنة المركزية وقيادات حركة فتح وكوادرها من الوصول إلى قطاع غزة لمواصلة الحوار من اجل رأب الصدع العميق الذي خلفه انقلاب حماس على الشرعية الفلسطينية صيف عام 2007."

مضيفة أ"ن بعض قيادات حماس في غزة والملوثة أيديهم بدماء أبناء شعبنا وحركتنا غير مؤهلين وليسوا في وضع يسمح لهم بإتهام أحد لأنهم هم من يجب أن يحاكموا على ما اقترفوه من جرائم بحق المشروع الوطني الفلسطيني وبحق المناضلين من لأبناء شعبنا وكذلك إصرارهم على تعميق وتأصيل الإنقسام الذي لا يخدم سوى الاحتلال الإسرائيلي والفئة القليلة من قيادات حماس في غزة التي لا هم لها سوى مصالحها الخاصة".

طبعاً دخل على الخط آخرون من اسماعيل جبر إلى ياسر عبد ربه وغيرهم، ينفخون في الكير المعد مسبقاً!

هذا غيض من فيض لما جرى ويجري وسيجري!

ومع كل ذلك تتمسك حماس بالمصالحة المزعومة، وتشتكي لمصر على ما أصابها!

سامي أبو زهري الناطق باسم حماس ورداً على التصعيد الأخير أبو زهري صرح اليوم لـ"قدس برس" قائلاً: نرفض تهديد "فتح" بوقف المصالحة وندعو مصر لتحمل مسؤولياتها.

حماس تتمسك وعباس وفريقه يصعّدون!

حماس تظهر بمظهر اللاهث وعبّاس وطغمته لا يهتمون!

حماس تتفاءل، وعبّاس ومن معه يشترطون!

حماس قبلت أن تقزّم الخلاف إلى حكومة وانتخابات، وتركت الأهم والمهم، وعبّاس ومن معه يأجلون حتى تلك الأمور ويربطونها بالرباعية والمفاوضات!

لماذا؟

لأن قطار المفاوضات انطلق من جديد بعد لقاء عمّان الجمعة الماضية (06/01/2012) ولم يعد عبّاس بحاجة لا لغطاء ولا لطوق نجاة حماس

لأن عبّاس لا يمكن أن يقبل بشريك آخر

لأن المصالحة المفترضة لم تتطرق للأسباب الحقيقية للخلاف والانقسام، أسباب أن هناك فريق يفرّط ويبيع ويتنازل دون تفويض أو تكليف

لأن قرار عبّاس ليس بيده، وقرار حركته ليس بيدها

لأن حماس ذهبت بعيداً جداً في الثقة بوعود وبكائيات عبّاس

لأن حمّاس وقيادتها تأملت أن هذه المرة تختلف بعد أن تجرع عبّاس مرارة الذل في الأمم المتحدة، ولم يتعلموا أن وظيفته هي أن يكون ذليلاً

لأن المؤمن وللأسف لدغ أكثر من مرة ومن ذات الجحر

انتهت أسباب الحوار والمصالحة لدى عبّاس وطغمته، وعلى حماس أن تشرب من جديد من كأس عبّاس!

وإلى اللقاء في جولة جديدة من مرحلة جديدة من "عملية ومسيرة" الحوار المستمرة والباقية والدائمة!



CONVERSATION

0 comments: