ان مسؤوليات النصر اكثر صعوبة ومشقة من تبعات الهزيمة التي تقضي على صاحبها او تجبره على التغيير والتحفّز للخروج من هزيمته، بينما يجد المنتصر نفسه امام تحديات تتزايد وتتغير وتتراكم يوماً بعد يوم.
فقد سجل الاسلاميون العرب من معتدلين ومتشددين طوال اكثر من ربع قرن انتصارات مرموقة ومفاجئة في كل انتخابات حرّة او شبه حرّة كما شهدنا في الجزائر والاردن قبل اكثر من عقدين وكما تشهد ساحات الربيع العربي حالياً حيث سجل الاسلاميون فوزاً مميزاً في تونس ومصر.
وكنا كتبنا قبل عدة اسابيع عن ضرورة اعطاء الاسلاميين فرصة لممارسة تجربتهم وليتعرّف الرأي العام على اساليبهم في الحكم بكونها تجربة جديدة. ولم نعتبر انتصارات الاسلاميين مفاجأة او صدمة لان فقدان الحريات السياسية والفكرية في الاقطار العربية طوال عشرات السنين لم تترك للمواطن العادي سوى التردد على المساجد وتلقّي الدعوات الدينية من معتدلة او متشددة، حيث نمت في هذه الاجواء حركات سلفية وتكفيرية مختلفة في اكثر من ساحة وخاصة في مصر. كما ان حركات اسلامية عدة وخاصة »الاخوان المسلمون« قامت بنشاطات انسانية وخيرية لاغاثة وإعالة الفقراء واستفادت من سخاء بعض الدول النفطية لدعم توجهاتها ومشاريعها السياسية.
والآن تسلّم الاسلاميون مجلسي النواب في تونس ومصر والبشائر عادية والجماهير في طول وعرض الوطن العربي تراقب وتترقب بحذر ما سيجري هناك. لقد عبّرت صحف عالمية عديدة ومنها صحيفة »سيدني مورنينغ هيرالد« عن مخاوفها حول مصر حيث جاء في عنوان رئيسي »الخوف على مصر بعد ان احتل النواب الاسلاميون مقاعدهم في مجلس الشعب«...
انه عنوان مثير وغير منطقي واستباقي لمجريات الوضع السياسي. ان المسؤولية كبيرة، وعلى المنتصرين مجابهتها باساليب عصرية تمنع السلفيين من إعادة بلدانهم الى حقبات مظلمة فيما تتطلب التحديات المعاصرة مواكبة ثورات العلم والتكنولوجيا وزيادة الانتاج الزراعي والصناعي.
وقد سمعنا من وزيرة الخارجية الاميركية مؤخراً ان بلادها مطمئنة وقادرة على التعامل مع الاسلاميين في مصر وغيرها بعدان حصلت على تطمين منهم يؤكد تمسكهم بمعاهدة الصلح مع اسرائيل. لا شك ان المرونة ضرورية في هذه المرحلة تجاه أعتى دولة متسلطة في العالم وكانت الداعمة الأقوى لنظام مبارك وسلفه.
ولكن من الضروري ان يعلم الاسلاميون، من معتدلين وسلفيين، ان الولايات المتحدة لا يهمّها اذا حكم الاسلاميون وربما تفضل حكم السلفيين ظناً منها انهم يعرقلون التغيير والتطور... وعليهم ان يتذكروا ان بن لادن وتنظيمه و»قاعدته« نشأوا وترعرعوا في احضان المخابرات المركزية الاميركية ورعايتها في أفغانستان عندما جنّد الاميركيون وسلّحوا عشرات الألوف من العرب لمحاربة الشيوعية في أفغانستان وتخلت عنهم عندما سقط ذلك الحكم.
لهذا لا نرى ضرورة لتقديم التنازلات ومحاولات الحصول على شهادات حسن السلوك من واشنطن، بل نرى من الضروري والملحّ ان يطمئن الاسلاميون شركاءهم في الوطن برفضهم التفرّد في الحكم وبإبعاد القوى الظلامية عن صفوفهم.
لقد مرّ الاخوان المسلمون في مصر بتجارب مريرة وعانوا الملاحقات والاضطهاد منذ تأسيسهم قبل ٤٨ عاماً. ومنذ ان تسلم المرحوم عمر التلمساني منصب المرشد العام قبل ٠٤ عاماً، حوّلهم الى فريق سياسي معتدل معارض للتطرف والارهاب والاساليب التكفيرية ومازالوا سائرين على هذا النهج كما يبدو حالياً.
انه التحدي الاكبر والاصعب. انها تجربة جديدة وإن كان اصحابها وتنظيمهم قديمون في السياسة. ربما تكون تجربة حزب الحرية والعدالة التركي دليلاً للاسلاميين العرب يساعدهم على التعاطي مع التوجهات القومية والعلمانية المتنامية في أوساط المثقفين والراسخة في ضمائر نسبة لا بأس بها من الشعوب في كل مكان.
فقبل ان ندقّ ناقوس الخطر وقبل ان نصدق ان الخطر يتهدد مصر، علينا الانتظار والترقب بعيداً عن التشاؤم. اننا نرى في العراق ما هو أدهى وأسوأ حيث جرّت شرذمة من السياسيين ذلك البلد القوي الى أحضان المذهبية والعنصرية برعاية أميركية - إيرانية مشتركة. ونرى الاوضاع في مصر وتونس أقل خطراً وسوءاً من العراق.
ونرى لزاماً علينا ان نذكر ان سجلات الحركات الاسلامية العربية، من معتدلة وسلفية، لم تكن في المستوى الجهادي المرجو فيما يتعلق بقضية فلسطين. لقد تجاوز عدد العرب الذين تطوعوا للحرب في أفغانستان تحت الرعاية الاميركية المئة ألف، فيما لم نرَ أي متطوع حمل السلاح من أجل القدس، وربما تكون هناك قلّة محدودة لم نسمع بها. طبعاً هذا التقييم لا يشمل »حزب الله« كما انه ليس للمزايدة وانما للتذكير فقط.
0 comments:
إرسال تعليق