جورج حبش: جرده حساب/ عطا مناع

كأنك لم تكن، تمر على عالمنا كما الطيف، عد إلى حيث أنت، ولا تقتحم عالمنا، فعالمنا ليس لك، من قال أننا حملنا وجعنا وامتشقنا عشقنا وسرنا خلفك؟ يا سيدي دجنتنا الحياة، ثقلت أحمالنا، وانحنت ظهورنا، وخفتت النار المقدسة، وأصبح الواحد منا يحمل في الداخل ضده، نقنع أنفسنا بأننا أحياء، والحقيقة أننا نقف في المنطقة المحرمة لا حياة ولا موت، ما أصعب أن تموت حياً يجتاحك البرد وتبتلعك الغربة.
نحاول يا سيدي استحضارك في ذكرى مولدك، نقفز على قوانين الطبيعة، أيعقل أن الميت يستحضر الحي؟؟ بصراحة يا حكيمنا ما عدنا كما كنا، لا تصدق ما يكتب فيك من قصائد رئاء، واحمل حبك لنا وارحل عن عالمنا، وامنح حبك لمن يرقدون إلى جانبك وفي أرضها فهم الأكرم منا والأنبل منا، وهم ترابها وحنونها والبذرة التي ستنبت عشقاً في زمن غير زمننا.
تعبنا يا حكيمنا من التمترس خلف المنطقة المحرمة، استأنسنا لنعمة النسيان، نمشي على رؤوسنا متثاقلين، نفتش عن الخلاص والحفاظ على جلدة الرأس وبعض الامتيازات، نطوي السنيين عسانا نرتاح من حملنا الثقيل الذي فقد معناه، ما عدنا نحن، نموت في الأنفاق وتخنقنا الحقيقة، ونذهب إلى مقابر الشهداء في الأعياد نصافح بعضنا وكأنها مرثية، الم اقل لك أننا نستعين على أيامنا بالتراب والحنون.
سامحك اللة يا حكيم، لماذا ناديت بالخلاص؟؟ لماذا بشرتنا بأرض البرتقال الحزين؟ ولماذا أعلنت انحيازك للكادحين وقلت لنا ثوروا فلن تخسروا سوى القيد والخيمة؟؟ يا حكيمنا لقد تحولت الخيمة إلى قيد يطوق أعناقنا، ممنوعون من الكلام، ممنوعون من الإعلان عن وجعنا، ممنوعون من الخروج على الناس لنذكرهم أن الإنسان قضية، لم نعد يا سيدي قضية ومات فينا الإنسان، الم اقل لك أننا أموات وأننا نتكائر دون هدف.
يا حكيمنا: نكذب عليك وعلى أنفسنا عندما نقول أن الثوار لا يموتون أبدا، نكذب عليك يا من أعلنت انك آخر العائدين، يا سيدي انتم بالنسبة لنا علاقات عامة، اعتذر بكل المرارة التي تجتاحني، ولكنها الحقيقة، وإذا كانت الحقيقة غير ذلك؟ فلماذا قفزنا من سفينتك وتمترسنا خلف المنطقة المحرمة؟ ولماذا تهنا عن الألوان وتاهت عنا، ارحمنا يا سيدي واخرج من عالمنا، فعالمنا ليس لك.
هي يا حكيمنا جرده حساب، ووقفة أمام الذات بدون مكياجات، هي اللعنة التي ستلاحق من أحبوك وتخلوا عنك وتركوك أسير حلمك، وهي لحظة تأمل في اللحظة الأخيرة قبيل الاغماضه الأخيرة، حيث لم يرف لك جفن وأعلنتها بكل الحب الساكن في قلبك الكبير أن الحواجز ستنهار، وان المستقبل لنا رغم الظلم والظلام، هكذا أنت، كنت أنت، ولم تك إلا أنت، وكأنك تعطينا الإشارة التي لم نفهمها إلى ألان، الأجيال القادمة أمانة في أعناقكم فلا تخونوا الأمانة، ولكن للأسف.
هي جرده حساب وفجر يوم ميلادك يقرع الأبواب، وأرواح الشهداء تحلق في ليل المخيم حيث الصمت الذي يسبق الميلاد، حقيقة غابت عنا في غمرة الحياة التي طحنتنا، يبشرنا الشهداء بان موتك ميلاد في ظل ابتعاد المخاض عن الرعاة الذي سهروا حتى فجر ميلادك ينتظروا النجمة لتبشرهم بالعودة، النجمة الشاهدة على الميلاد والمخاض والتمسك بعمود الخيمة شراعاً يدلنا على الطريق، ونو ر الأمل المفعم بالوجع العتيق ينثر في المخيم بعضاً من رائحتها التي تأتينا من سهولها العطشى للعرق السخن الذي يعانق تراها لتنشد الملائكة ويتردد صدى صوتها وتحمله أمواج بحرها إلى حيث اللقاء، المجد لك ولهم في الأعالي وعلى الأرض السلام.
عندما يحين الوقت ويأتي الربيع ويصبح القمر بدراً تفيض علينا الأرض وترتدي لوناً آخر شقائق نعمان تبشرنا بالميلاد، تعود ومعك من تنكرنا لهم وتتقدموا الصفوف رافعين الراية العتيقة، تطل علينا كما عرفناك ليتدفق الدم في العروق وتعود الحياة في عروقنا، ويصدح الصوت عالياً وتذوب القيود وتختفي ربطات العنق، ويختفي الدجالون وتتفجر الأرض ينابيع عشق لها، نتجمع في ساحاتها وميادينها نتنشق هوائها المشبع ببرتقالها الذي طال حزنه، ومن بين الحشود تخرج أم سعد تمتشق عمود الخيمة مشعلاً وتمسح عن جباهنا تعب السنيين
هناك وعلى مرمى خيمة، تداعى الشهداء لاجتماع ذا وجع تحت عنوان جرده حساب، نادوا في الناس لسنا صوراً ولا حجراً يعلق على جدار، نحن العبق المعتق وإكسير الحياة، نحن زعترها والفكرة والأمل الذي يشع نوراً مع كل ميلاد، ومن بين الجموع خرج بطلته المعروفة وكما كان، تتطلعوا إلية وطال صمته ومشى.

CONVERSATION

0 comments: