الإنسان المصري/ عـادل عطيـة

في السبعينات من القرن الماضي، كان يقيم في مدينتي، بعض الخبراء البولنديين، الذين كانوا يقودون الطائرات فوق الحقول، ورشها بالمبيدات؛ للقضاء على آفاتها الزراعية.
ذات يوم، رأيت بعضهم، يقف امام إحدى البائعات، التي باعتهم كيلو الطماطم بخمسة جنيهات، بينما كان سعر أفخر أنواع الطماطم في ذلك الوقت: قروش زهيدة!
لم تكن تعرف أن حالهم من حالنا، ولكنهم في نظرها مجرد أجانب، يحلّ سلبهم!
وكم من مرة رأيت هؤلاء البولنديون، وهم يتنزّهون على كورنيش النيل، فيلاحقهم بعض الفتيان، الذين كانو يجهلون على ما يبدو أن هؤلاء الأجانب على دراية بشيء من اللغة العربية، ويزفونهم بكلمات هي كل حصيلة ما تعلموه من اللغة الانجليزية في المدرسة، من قبيل: كلب، قرد، حيوان،... ولعلهم قالوا في أنفسهم: هل سننتظر إلى أن يتساءلوا عما نقول، فليصل سبابنا إليهم مباشرة!
لا زالت هذه الصور المشينة، عالقة في ذهني، ومستقرة في قلبي كالعذاب. لا تتهموني بأن "قلبي أسود"؛ فإن لم يحتفظ الإنسان بذاكرة لأخطائه، وأخطاء جيله، فسوف تنمو، وتكبر، وتستمر!
ولطالما راودتني فكرة، ظلت تلح عليّ، وربما وجدت الآن طريقها إلى النشر، وهي أن نطلق معاً من اليوم، اصطلاح: "الإنسان المصري"، وتمشياً مع العشق الغربي للمصطلحات المختزلة: "E H"، نؤسسه، ونبنيه معاً، مستمداً قوته من تاريخنا، وعراقتنا، وحضارتنا، وقيمنا الروحية العظيمة، إلى أن يصبح عنواناً عالمياً للشعب المصري.
اصطلاحاً يختزل بعمق، وامتداد:
علاقة المصري بوطنه، حيث يحبه بإخلاص، ولا يسمح لنفسه بأن يهتف على أرضه بعلم غير علمه!
وعلاقة المصري بالمصري، حيث العلاقة المبنية على الحب، والترابط، ولكم دينكم ولي دين!
وعلاقة المصري بضيوفه، حيث يستقبلهم بالود، والاحترام، والترحاب، ويكون مضيافاً وكريماً وسخياً إلى الدرجة التي يتنازل فيها عن حقه في ما يسمى "بالبقشيش"!
،...،...،...
"الإنسان المصري"، ليكن هو شعارنا، وعنواننا الثابت، والدائم.. فبدونه كل شيء مباح، وبدونه تختفي الاخلاق، ويذهب الوطن!

CONVERSATION

0 comments: