الصمت الإسرائيلي المُتخيّل من أحداث سوريّة/ سعيد نفاع

هل فعلا إسرائيل صامتة عمّا يجري في سوريّة ؟! أم أنها أُصمِتت قولا على يد أسيادها في الغرب وحلفائها في مجلس إسطمبول، كما أُصمِتت قولا في حرب الخليج رغم الصواريخ التي وصلتها من العراق؟!
وحيث أن مقولتنا العربية علّمتنا أن نأخذ في بعض الأحيان أسرارهم من صغارهم، فقد تبارى في الفترة الأخيرة كثير من الساسة الإسرائيليين في ذرف الدموع على الشعب السوري المذبوح بلغتهم، في حمص، ولم يبخلوا بالاصطلاحات المستنكرة والمُدينة التي تفيض بها إنسانيتهم (!) وهم أصحاب التجربة في قانا لبنان وغزّة هاشم وساحات قرانا في يوم الأرض وهبّة القدس. وقد استعملوا كلّ منصّة أتيحت لهم وآخرها منصّة البرلمان الإسرائيلي في نطاق بحث على نزع الثقة بالحكومة.
الغريب كان أن يقف نائب عربي وبالذات على منصّة كنيست إسرائيل والذي فقط بالأمس وقبل أن "يتحَمْدن – من حمد" رفيقه في الدوحة كان النظام في سوريّة من أعزّ أصدقائهم ليقول: " أريد في بداية أقوالي أن أبدي أسفي العميق وغضبي الكثير على الجرائم المنفذة ضد الشعب السوري وسكان حمص وحماه ودمشق. جاء الوقت أن يذهب هذا النظام. الأمور التي تحصل هناك هي ببساطة جرائم كبرى... إني أعبّر هنا عن موقفي القاطع لجانب الشعب السوري ومطالبه العادلة لديموقراطيّة حقيقيّة".
لقد جاءت هذا النائب التهنئة سريعا ومن نائب الوزير أيوب القرا عضو الجناح المتطرف في الليكود، ومن على نفس المنصّة بقوله: "أريد أن أهنيء عضو الكنيست جمال زحالقة على الموقف في موضوع سوريّة. لا يوجد لدينا أيها الزملاء أي أجر سياسي عندما نتكلم ضد ما يجري في سوريّة. لدينا أمر واحد نراه من منطلقات إنسانيّة. أُناس يُقتلون في وضح النهار، مثل الذباب، مثل الدجاج، وكل العالم صامت.. أمّا نحن فعلينا كدولة تعرف قيمة حياة الإنسان ألا نصمت... يتوجه إلينا الكثيرون من داخل سوريّة فقد تحولنا إلى هيئة متابعة داخل دولة إسرائيل...فكل من لا يُقيم صرخة يمس بالإنسانيّة، يمس بحقوق الإنسان... ولذلك فنحن كدولة تنادي بالقيم الأساسيّة وقيم الحياة وليس لدينا ما نفعله لمساعدتهم، ولكن على الأقل أنا أتوقع من هذا البيت أن يرفع صرخته ".
وعلا الضجيج في الكنيست من الكثير من نواب الأحزاب الصهيونيّة يتباكون على دماء الشعب السوريّ مطالبين نتانياهو رئيس الوزراء بعدم الصمت، ممّا حدا برئيس الكنيست أن يتدخّل ليقول: تخيّلوا لو قلنا رأينا رسميّا ماذا كان سيحدث!!!
صحيح أن الحكومة الإسرائيليّة وعلى الأقل حتّى الآن لم تخرج ببيان رسميّ حول تطوّر الأحداث مؤخرا في سوريّة، ولكن يخطيء من يظن أن كل أجهزة الدولة الإسرائيليّة ليست غارقة حتى "أعلى العنق" بالجاري على الساحة السوريّة، خصوصا وأن كل الخبراء الإسرائيليين في الشأن الشرق أوسطي والسوريّ أجمعوا أن التغيير في سوريّة هو مصلحة إسرائيليّة.
ما دام عربان العرب ومفكرو عربان العرب وسياسيّو عربان العرب وإعلاميّو عربان العرب وها بممثليهم في برلمان إسرائيل، وكل في مجاله قائم بالمهمة وعلى أتم وجه لما يخطط في الأروقة بين المخابرات الغربيّة والموساد، فما الداعي لأن تتكلّم إسرائيل الرسميّة؟! وما دامت علوج الخليج تدفع ثمن الأسلحة التي توفرها إسرائيل لل"ثوار" السوريين وبأضعاف أضعاف الثمن، تماما في الوقت الذي تشكو فيه سلطات الجيش الإسرائيلي من نقص في مواردها يهدد الكثير من مشاريعها كما أفاد نائب القائد العام مؤخرا أمام لجنة الخارجيّة والأمن في الكنيست؟!
ما دام كل ذلك قائما فما الداعي لإسرائيل أن تعبّر رسميّا حكوميّا عن موقف؟!
لا يمكن أن يكون خافيا على أحد أن المصلحة العليا لإسرائيل هي في زوال سوريّة الموقف والتوجه وإن أمكن كذلك زوال الجسد بتفتيته فهذا أقصى المُنى، ولكن ومع هذا فلا ضير من العودة للتذكير والتأكيد على بعض الأمور التي تقال في إسرائيل على يد المتخصصين، فقد أجمع رئيس الموساد السابق مئير دجان ورئيس هيئة الأركان السابق موطي أشكنازي ورئيس المخابرات العسكريّة السابق عاموس يدلين في مداخلات لهم في أهم المؤتمرات التي تعقد في إسرائيل، على أن التغيير في سوريّة هو مصلحة إسرائيليّة عليا، وقد صاغ البروفيسور أيال زيسر أهم خبير إسرائيلي في الشأن الشرق أوسطي وتحديدا السوريّ الموقف في بحث أجراه لصالح "مركز أورشليم للأبحاث السياسيّة" تحت العنوان " الانتفاضة السوريّة، التأثيرات على إسرائيل" قائلا:
"إن في حال صعود المعارضة إلى سدّة الحكم في سوريّة فإنها سوف تدفع باتجاه إبعاد دمشق عن إيران وحزب الله اللبناني، إضافة إلى أن رموز هذه الحركة من خلال علاقاتهم مع النخب الأردنيّة والسعوديّة والنخب التركيّة، والأميركيّة والغربيّة الأوروبيّة، سوف يعملون باتجاه بناء أفضل الروابط مع أميركا وبلدان أوروبا الغربيّة. وإذا أضفنا إلى ذلك الحقيقة القائلة أن دمشق البديلة سوف تكون دمشق الضعيفة، فإن خيار صعود المعارضة السوريّة هو الأفضل لإسرائيل." وأضاف البحث:
"في مصر كان النظام داعما للمصالح الإسرائيليّة، وبالتالي كانت واشنطن وإسرائيل أكثر حرصا على دعم استمراره. في سوريّة النظام الحالي هو الخصم الرئيسي لإسرائيل، والعقبة الرئيسيّة أمام صعود قوة إسرائيل كطرف مهيمن على الشرق الأوسط، وبالتالي فإن إسرائيل وواشنطن سوف تظلان أكثر حرصا على دعم عدم استمراره". وزاد:
"أنه في مصر تزايدت قوّة المعارضة بما أصبح من غير الممكن عمليّا لإسرائيل وواشنطن دعم بقاء الرئيس السابق حسني مبارك. في سوريّة النظام قويّ والمعارضة ضعيفة، والمطلوب أن تسعى إسرائيل وواشنطن لجهة دعم المعارضة الداخليّة والخارجيّة بما يجعل منها عمليّا أقوى من النظام".
أليس كل ما جاء أعلاه صمت مدوٍّ ؟!
ومع هذا، صمتت إسرائيل رسميّا أم لم تصمت، صمت كبارها وألقوا الحبل على الغارب لصغارها من نواب عرب أو غيرهم أم لم يفعلوا، تظل الأسئلة كثيرة، وأهمها حسب اعتقادي موجهة لهؤلاء الذين يلتقون، سوريين كانوا أم غيرهم، مع المصلحة الإسرائيليّة وتحت شعارات الحريّة والديموقراطيّة وحقوق الإنسان؟!!!
الحركة الوطنيّة للتواصل والبقاء
Sa.naffaa@gmail.com
saidnaffaa@hotmail.com

CONVERSATION

0 comments: