عين التينة هي عين ماء سوريّة جولانيّة تنبع من سفوح جبال الشيخ قبالة مجدل شمس ما وراء الأسلاك الشائكة والألغام الفاتكة، مدرارة لا تمنعها الأسلاك ولا الاحتلال من إرواء بعض ظمأ أهالي المجدل. اشتهرت هذه العين بتلّة صيحاتها حيث يتجمع الأهالي الجولانيّون على تلتها وقبالتها سائلين عن أحوال بعضهم بعضا صياحا، فالأسلاك والألغام وزارعها لم يبقوا لهم خيارا إلا هذا، في مشهد دامع ملوّع.
لكن هذه التلال تشهد كذلك سنويّا مشهدا آخر فرِحا وإن كان دامعا لكنه مختلف الدموع، ألا وهو احتفال المحتَلين منهم والمحرَّرين ومن على جانبيّ أسلاك خط وقف إطلاق النار، بعيد الجلاء، ذكرى الاستقلال السوريّ في ال-17 من نيسان من كلّ سنة، وحتى في خضم العدوان على بلدهم لم يفوّت أهل الجولان الاحتفال بعيد الجلاء مؤمنين واثقين أن جلاء الاحتلال والعدوان الآنيّ على بلدهم والمترابطين عضويّا، مسألة وقت ليس إلّا .
كان الاحتفال على مدى سنوات طويلة مسيرات تنتهي بمهرجان خطابي ومن الجانبين، شاركتْ الجولانيين فيه غالبيّة، إن لم يكن كل، القوى الوطنيّة عندنا في الداخل، وبزتها قوّة كانت تعتبر نفسها "معزبة من أهل البيت" ليس فقط في الجولان وإنما في كلّ سوريّة تشيدُ بالحصن القوميّ المقاوم والممانع إلى أن وجدت بعض قياداتها مضيفا أكثر قوميّة وأكثر مقاومة وأكثر ممانعة وفوق ذلك "أخضر يدا" ! وأخرى كنتَ تتخيّل ممثلها سيحرر القدس بدء من عين التينة بخطبه الناريّة، وما تحرير الأقصى إلا مسألة وقت ليس إلا وقد غدا قاب قوسين أو أدنى وبهمة العثمانيّ صاحب أسطول الحريّة إلى غزّة والوهابيّ حامي حمى القدس !.
كان يصرّ ممثلو فصائلنا الفلسطينيّة الوطنيّة الكثيرة أن يلقوا الخطب كلهم احتفاء مع السوريين، وتنهال المدائح على القيادة السوريّة وعلى رأسها القائد الشاب الفذ المقاوم الممانع القومي العروبي الدكتور بشار الأسد، معلّقات أطول من معلّقات عكاظ والفارق فقط لغتها العربيّة ال"مطبّشة" على الغالب، خصوصا وأن القنوات الفضائيّة وبالذات السوريّة وعلى الجانبين تنقل الحدث ببث مباشر ويكون في المساء باكورة نشراتها الإخباريّة !.
والجولانيّون على جانبيّ الأسلاك يستمعون بطول بال لا يريدون أن يكسروا في خاطر أحد من ممثلي الأطر على كثرتها، إلى أن ضاق بها ذرعا واصفها ب "ثقلنيّة دم" أمين حركة من عندنا، فاقترح أن يقتصر الأمر على كلمة رئيس لجنة المتابعة العليا وهكذا صار في السنتين ما قبل الأخيرتين، وبحكم ازدياد الانشغال بالقضايا المصيريّة الكبرى في تينك السنتين قلّ عدد المشاركين من القادة طرديّا مع ضيق المنصّة أو صاروا يرسلون ممثلين من الدرجة الثانية أو الثالثة !.
في السنتين الأخيرتين و"بقدرة قادر" افتقدت عين التينة بعض تلك الأصوات كليّة قادة وممثلين، ولكن دقيقي الملاحظة لاحظوا أن مياهها الآتية عبر الأسلاك صارت أصفى وأرق رغم بعض الحُمرة فيها.
طبعا لم نعط هذه العجالة عنوانا سؤالا نحن بحاجة للإجابة عليه فهو سؤال استنكاريّ عرفنا أو على الأقل خمّنا حينها نحن محبّي سوريّة الموقع والموقف، ودون تملّق، الإجابة عليه، ونعرف اليوم ودون تخمين الإجابة عليه وإن كنّا من الذين أُخفتت أصواتهم حينا.
حينها عرفنا أن هذه الأصوات ما هي إلا حِداء حُداة يلتحفون الانتهازيّة ويلتحفون الطائفيّة ولن يجدوا في عين التينة ألحُفا، وإن خالوا مرّة أن عين التينة كست عُري انتهازيتهم أو طائفيتهم كانوا واهمين أو موهَمين، لأن عين التينة لا تكسو عُراة وإنما تدثّر أباة، لأنها تنبع من جبل شيخ سوريّة.
سوريّة بغالبيّة شعبها العظمى وقيادتها لم تتغيّر من يوم عين التينة 2010 ليوم عين التينة 2011، لا موقعا ولا موقفا، وأصوات هؤلاء المجلجلة كذلك لم تتغيّر اللهم إلا أنها بدّلت المنابر، بعضها بدّل المنبر القوميّ بآخر أميريّ متنور وقد دفعته قوميّته الديموقراطيّة إلى أن يرى الخطر على الأمة آت من إيران خصوصا وأن هذه الرؤية مكسوة من قاعها إلى رأسها بالأخضر الأميركي المكتوب عليه ب"الله نحن نثق"، وبعضها بدّل المنبر الداعم للمقاومة الإسلاميّة بآخر عثمانيّ أكثر دعما وأكثر مقاومة ومن خلال تحالف مع "محبّي" أمتنا الإسلاميّة من الفرنجة، يذبح بعتادهم الأكراد بالجُملة كما ذبح أجداده الأرمن بالجُملة، وأكثر معاداة لعدو الأمة الإسلاميّة من خامينئي شرقا إلى نصرالله غربا !!!.
أمّا للأشقاء السوريّين شعبا بغالبيّته وقيادة ومعارضة وطنيّة فنقول: قرّوا عينا فغالبيّة من فلسطينيّي ال-48 معكم بتصديكم للعدوان بغض النظر عن صمت بعض الأصوات أو خرس غيرها من التي كانت تجلجل في عين التينة، صوت الناس وقلب الناس عدا من رهنوا أنفسهم ل "الحمامدة" و"الأرادغنة" معكم، واذكروا أن صوتا واحدا معكم من فلسطينيّي ال-48 نظيفا من الدولار والريال ومغموسا مبدئيّا بقوة البقاء أقوى من كلّ العبيد ومهما تغيّرت الأسياد، فكم بالحري إذا كانت غالبيّة الأصوات معكم ومنكم.
الكاتب النائب المحامي
أوائل حزيران 2012
0 comments:
إرسال تعليق