يريدون الجيش أمام المجلس العدلي لأنه مجلس ملّي/ جوزيف أبو فاضل


لا يختلف اثنان أنّ مهمّة ودور الجيش اللبناني تكمن أساساً في حماية الوطن والمواطنين من الاعتداءات الخارجية، وفي الحفاظ على أمن الدولة الداخلي ومنع المؤامرات والفتن التي تهدف إلى زعزعة الاستقرار والأمن الداخلي.
وفي سبيل أداء هذه المهمة السامية والمقدّسة، يتعرّض الجيش اللبناني قيادة وضباطاً وعناصر لشتّى أنواع الصراع والضغوط.. فيَهجرون أماكنهم وأهلهم ويبيتون أياما وليالي في العراء وفي أحيان كثيرة يدفعون حياتهم ثمنا لهذه المهمّة الوطنية المقدّسة، ويسقطون قرابين على مذبح الوطن، والتاريخ القديم والحديث خير شاهد على ما نقوله.
الجيش أسقط المؤامرة
فالجيش اللبناني هو الذي أسقط المؤامرة – الفتنة في نهر البارد فدفع الثمن باهظاً جداً جداً شهداء وجرحى وأيتام ومعاقين وأرامل، وقبلها بسنوات هو الذي تصدّى لعصابات منحرفة في جرود الضنية شمال لبنان وأيضاً وأيضاً دفع الثمن غالياً، وكلّنا يذكر العقليّة الإجرامية التي تعاملت بها هذه الفئة الباغية مع الجسد الطاهر للضابط المغوار الشهيد ميلاد الندّاف وغيرها وغيرها..
هذه الجرائم ونظراً لفظاعتها ووحشيتها وتهديدها للأمن الوطني والسلم الأهلي أحيلت بموجب مراسيم حكومية، كما يفرض القانون، على المجلس العدلي، الذي هو محكمة استثنائية وُجِدت منذ وُجِد لبنان الكبير وقراراتها مبرمة لا تقبل أيّ طريق من طرق المراجعة العادية وغير العادية باستثناء الاعتراض وإعادة المحاكمة.
المجلس العدلي.. وتسويات العفو العام
لكنّ المجلس العدلي، الذي نُجلّ ونحترم وهو يضمّ نخبة من أرفع قضاة لبنان، وقف عاجزاً أمام هذه الجرائم، فجلسات محاكمة مجرمي الضنية لم تنته ولم تصدر الأحكام بحق هؤلاء، إذ سبقها قانون العفو العام عن هؤلاء في شهر تموز من العام 2005، والكلّ سأل حينها ولا يزال يسأل من ينتصر لدماء شهداء الجيش؟؟!!
ومن يعيد للجيش اللبناني حقوقه المسلوبة بالسياسة والمساومات بغطاء القضاء اللبناني الذي يُفترض أن يكون منزَّهاً عن السياسة وصوتاً للحق وصونا للوطن وجيشه؟!
هل تتكرّر المأساة؟
في قضية نهر البارد متهمون كثير بالاعتداء على الجيش اللبناني حتى ضاقت بهم السجون وهناك من يرفع الصوت مطالباً بالإفراج عنهم باعتبار أنهم أبرياء، لكنّ الوقائع تثبت أنّ معظم هؤلاء اعتقلوا على خلفية قتالهم الدموي مع الجيش، والذي أفرِج عنهم خلال السنوات والأشهر الفائتة من هؤلاء عادوا للانخراط في تنظيمات إرهابية مسلّحة، والإفراج عن هؤلاء اليوم يعني عودة معظمهم إلى حياتهم القديمة وقتال الجيش مجدداً ومجدداً وتنظيم المؤامرات من جديد، فيسقط لنا الشهداء مجدداً وتتكرر المأساة، ويكون القضاء – المجلس العدلي غطاءً للسياسة تستبيحه لحسابات وغايات سياسية انتخابية ومحلية.
لكن غاب عن هؤلاء جميعاً أنّ الجيش هو من كلّ الطوائف والمناطق، والاعتداء عليه هو اعتداء على كلّ اللبنانيين المؤمنين بلبنان واستقراره وأمنه.
ما هي غايتهم من طعن الجيش؟!
إنّ هذا الطعن بالجيش من خلال المجلس العدلي يدفعنا للانتقال إلى المطالبين، وهم محامون ونواب وسياسيون، بإحالة حادثة مقتل الشيخ أحمد عبد الواحد ومرافقه الرقيب أول المتقاعد محمد مرعب إلى المجلس العدلي، على اعتبار أنّ هؤلاء قُتلوا على حاجز للجيش اللبناني في بلدة الكويخات العكارية...
.. من الناحية القانونية، قد يكون من حقّهم المطالبة بإحالة القضية على المجلس العدلي كون صلاحياته تشمل المدنيين والعسكريين على حدّ سواء، وهم "لا يثقون بالمحكمة العسكرية" الدائمة ربما لأنّ رئيسها من طائفة معيّنة، فهم يريدون مجلساً عدلياً ملّيا يمثل الطوائف اللبنانية الكبيرة – الأساسية، كي تكون أحكامه مبرمة وتشكل إدانة صارخة للجيش اللبناني، ما يجعلنا نتساءل ما هي غايتهم من طعن الجيش وإسقاطه ومحاكمته؟!
وهذا هو محور الخلاف بين من يتمسّك بالقضاء العسكري وبين من يصرّ على محاكمة عسكريين أمام المجلس العدلي في سابقة لم يشهدها لبنان في تاريخه وحاضره وربما لم تحصل في أي دولة من دول العالم.
لماذا كان الشيخ عبد الواحد مسلّحاً يرافقه موكب مسلّح كبير؟
فلماذا قُتل الشيخ عبد الواحد ومرافقه دون غيره من الآلاف الذين عبروا الحاجز في ذلك النهار المشؤوم؟!
لماذا كان الشيخ المرحوم أحمد عبد الواحد، الذي يفترض أن يكون داعية سلام ومحبة لا يضمر للآخرين ولا يضمرون له إلا الخير والمحبة، لماذا كان هذا الشيخ مسلحاً يرافقه موكب مسلح كبير؟! وممّ كان يخاف الشيخ عبد الواحد حتى يعتمد هذه الحماية الكبيرة والمكلفة؟! ومن كان يمدّه بالمال وبتراخيص السلاح؟!
من هنا، كان يجب أن ينطلق النقاش لنصل إلى الأسباب التي أدّت إلى الخطأ بإطلاق الجيش اللبناني رصاصاته على الشيخ المرحوم عبد الواحد!
فالاحالة على المجلس العدلي يجب أن يسبقها بيان "الحقيقة" وقبل كلّ هذا يجب تطبيق الأحكام الصادرة عن المجلس العدلي وإلغاء قانون العفو العام الصادر لمصلحة مجرمي الضنيّة، فلا يمكن أن يحاكَم الجيش عن المرتكب والمجرم الذي يستهدف الجيش والدولة والشعب، فيجب علينا أن نقبل بالأحكام التي أصدرها ويصدرها المجلس العدلي بالموازاة مع مطالبتنا بإحالة قضية الشيخ عبد الواحد على القضاء العسكري لبيان "الحقيقة" وعدم إعطاء المسألة طابعاً خطيراً وكارثياً يهدّد أمن واستقرار لبنان.
يهاجمون الجيش.. مقدّمات حرب الـ1975
فالجيش حريص على قسمه ولا يجب التشكيك بانتماءات أفراده ورتبائه وضباطه وإطلاق حملة تخوين ضدّ الجيش بهدف إضعافه وبث الوهن في جسمه.. ما يذكّرنا بأجواء الحرب في العام 1975، فإضعاف القضاء العسكري والجيش مهّدا لتلك الحرب المشؤومة، ومن يطالب اليوم بمحاكمة ضباط وعناصر في الجيش اللبناني يُمهّد للأجواء ذاتها التي رافقت اندلاع الحرب في العام 1975، تنفيذاً لمخططات خارجية ولرغبات ثأرية داخلية.
فالجيش اللبناني لا يقوم إلا بمهامه الوطنية على كافة الأراضي اللبنانية وإذا حصل ووقعت أخطاء، فإنّ القيادة الحكيمة للجيش وعلى رأسها العماد جان قهوجي كفيلة بتصحيح الخطأ وإنزال العقاب لمستحقّيه، وعلى الجميع، إذا كانوا فعلاً حريصين على لبنان وأمنه واستقراره وعلى الجيش اللبناني، عدم استغلال هذه الحوادث المؤسفة للانقضاض على الجيش ودوره الوطني  الريادي.
نكبة كبيرة..
إنّ من يطالب بمحاكمة ضباط وعناصر في الجيش، ومن يطالب بإخلاء الجيش الشوارع والساحات وعودته إلى الثكنات، ومن يطالب بتشكيل "جيش لبناني حر" على غرار ما يُسمى بـ"الجيش السوري الحر"، يجب أن يحالوا إلى المجلس العدلي في أسرع وقت، لأنّ كلامهم يؤسّس لفتنة تستهدف أمن الوطن واستقراره، والتساهل مع هؤلاء تحت ذريعة الاعتبارات الطائفية والسياسية يشكّل اعتداءً على كلّ اللبنانيين لا يجب أن يتساهلوا معه!
فكيف بنا نتخيّل حالة لبنان واللبنانيين لو انسحب الجيش من الشوارع والساحات وأخلاهم لأتباع هؤلاء؟!
حتماً سنكون أمام نكبة كبيرة تنذر اللبنانيين بالموت والتهجير والتدمير والهجرة وتفتيت الوطن كيانات على قياس زعامات بالية تجاوزها الزمن والتاريخ.
أقسم بالله العظيم أن..
أملنا كبير جداً بأنّ الجيش اللبناني بفضل حكمة قيادته والتفاف أكثرية اللبنانيين حوله لن يخضع لتهديدات هؤلاء واستفزازاتهم، وسيبقى أميناً على القَسَم: "أقسم بالله العظيم أن أقوم بواجبي كاملاً، حفاظاً على علم بلادي، وذوداً عن وطني لبنان".

CONVERSATION

0 comments: