الافساد المدروس.. وترويع النفوس/ سمير احمد القط‏

قد ينظر البعض منا إلى الشائعات وما يتبعها ويلازمها من ترديد ونشر ونقل على أنها نوع من التسلية والإيحاء للآخر بأن المتحدث في قلب الأحداث ومطلع على أدق وأحدث الأنباء , من دون أن يكون هناك إدراك لخطورة الشائعة وما يمكن أن تتضمنه من بيانات ومعلومات مغلوطة بل ومدمرة في بعض الأحيان , لذلك كانت الشائعات من أخطر أسلحة الحرب النفسية وإن كان استخدامها لا يقتصر علي وقت الحروب فقط وإنما يمتد إلى وقت السلم من دون أن تستثني جانبا من الحياة، أو أمراً من الأمور.
ويستشعر الفرد المتأمل أن الشائعات لا تنطلق بصورة عشوائية بل هي صناعة متقنة ومنظمة ولها خبراؤها وأوقاتها المناسبة، وهناك مكاسب ومصالح تتحدد بموجب تلك الشائعات، ومن الملاحظ أن الشائعات عادة تنطلق بقوة تفوق أحيانا قوة الحقائق وتجد المناخ المناسب لسريانها وتصديقها .
ويعرف الكثير من المختصين الشائعة بأنها (رواية مصطنعة عن فرد، أو جماعة، أو مسئولين، يتم تداولها شفهياً بأية وسيلة متعارف عليها دون الرمز لمصدرها، أو ما يدل على صحتها).. وتتنوع الشائعات ما بين دوافع نفسية، أو سياسية، أو اجتماعية، أو اقتصادية، وتتعرض أثناء التداول للتحريف، والزيادة، والنقص، وتميل غالباً للزيادة وهي من أشد الأسلحة تدميراً، وليس من المبالغة اعتبارها ظاهرة اجتماعية عالمية، لها خطورتها البالغة على المجتمعات البشرية، لذا فإنها جديرة بالتشخيص والعلاج، والتصدي والاهتمام لاستئصالها والتحذير منها، والتكاتف للقضاء على أسبابها وبواعثها، حتى لا تقضي على الروح المعنوية في الأمة التي هي عماد نجاح الأفراد، وأساس أمن واستقرار المجتمعات.وهناك مقولة إعلامية شهيرة تقول «الشائعة تروج عند غياب الخبر» ويميل كثير من الناس إلى تصديق كل ما يسمعونه دون محاولة التأكد من صحته ،ثم يردونه بدورهم للغير وقد يضيفون إليه بعض التفصيلات الجديدة ، وقد يتحمسون لما يرونه ويدافعون عنه بحيث لا يدعون السامع يشكك في صدق ما يقول.
فالشائعة عموما تتغذى بحب الفضول، ونقل الخبر بدافع الشعور بأهمية معرفة أشياء يجهلها الآخرون، أو بدافع إرضاء الميل الفطري لتبادل الهمسات والتسلي بالدسّ وتضخيم الأكاذيب التي تحدث بلبلة وتوتراً.
ومن بين هذه الشائعات الاشاعات الزاحفة والشائعات العنيفة وهذا ماصنفه بعض اساتذة الجامعات المصرية فمن جهته , صنف الدكتور علاء فرغلي أستاذ الإعلام بجامعة عين شمس المصرية , الشائعات من حيث طريقة وسرعة انتشارها إلى ثلاثة أنواع أولها الشائعة الزاحفة وهي التي تروج ببطء ويتناقلها الناس همسا وبطريقة سرية تنتهي في آخر الأمر إلى أن يعرفها الجميع , وهناك الشائعة العنيفة وتنتشر انتشار النار في الهشيم، وهذا النوع يغطي جماعة كبيرة جدا في وقت بالغ القصر ومن نمط هذا النوع تلك التي تروج عن الحوادث والكوارث أو عن الانتصارات الباهرة أو الهزيمة في زمن الحرب و تستند إلى العواطف الجياشة من الذعر، والغضب، والسرور المفاجئ , أما النوع الثالث فهو الشائعات الغائصة وهي التي تروج في أول الأمر ثم تغوص تحت السطح لتظهر مرة أخرى عندما تتهيأ لها الظروف للظهوركما قسم فرغلي الشائعات من حيث الدوافع النفسية إلى الشائعات الحالمة وهي المليئة بالخيالات التصويرية وتعبر عن الأماني والأحلام , الشائعات الوهمية ومن أمثلتها الشائعات المغرضة عن أعداد مبالغ فيها من القتلى والجرحى أثناء المظاهرات أو الحروب والشائعات التفريقية وتهدف لإحداث فرقة وانفصال بين أفراد الشعب أو بين الدول وبعضها.
ضرورة التعامل الذكي مع الشائعات
أما الدكتور فؤاد عبد الرازق وهو مدير شركة خاصة للتدريب الإذاعي وعمل في وقت سابق مديرا للتعاون الإذاعي مع العالم العربي في هيئة الإذاعة البريطانية , فقد أوضح أن خطورة الشائعة تتمثل في عدم إمكانية دحضها بنفس السرعة التي تنتشر بها وأن الخطورة تكمن في صعوبة تكذيبها لما لها من عنصر الإثارة خصوصا عند الأوضاع المتأزمة.وأضاف أن الشائعة تتطلب ضرورة التعامل معها بذكاء وإمكانية الوصول إلى مصدرها والتعرف على المصلحة والهدف منها ، كما يجب مواجهة الشائعة بالحقائق كالإحصائيات والأرقام الرسمية والوقائع ولحقائق بالصور منوها إلى أن الخطر الأمني يكمن في سرعة الانتشار والتصديق و التأثر بهذه المعلومات التي تؤجج الخلافات الوطنية وتتسبب في الخلافات الدينية وتدفع البعض للعمل الثوري دون تفكير في العواقب والجهل بمصدر هذه الشائعة باختلاف أنواعها الحزبية أو الوطنية.
وقال د.عبدالرازق إن الشائعة في أغلب الأحيان تعتبر مجهولة المصدر ويمكن أحيانا لبعض المختصين التوصل لمصدرها بالتحليل والبحث ، أما الدعاية المغرضة فتختلف عن الشائعة بأنها معلومة المصدر بعكس الشائعة التي عادة ما تكون شفهية تنتقل عن طريق الألسن والحديث المتناقل للمعلومة ما بين الأفراد والجماعات كما في حال السلع في الأسواق وتناقل الحديث بين المستهلكين حول السلعة إن كانت جيدة أو رديئة الاستخدام.
ورأى أن للشائعة تأثيرها القوي على المجتمع في الأوضاع المتأزمة وكلما زاد وعي المجتمع قل تأثير الشائعات كما هو الحال في الدول الديمقراطية.
مواجهة الشائعة
من خلال التربية السليمة والوعي
ينبغي في هذا السياق , التأكيد على أن أهمية التوجيه ونشر الوعي للنهوض بالفكر في المجتمعات المستهدفة، كما يلعب الإعلام الرسمي والخاص إضافة إلى الاستعداد النفسي العام، دوراً أساسياً في محاربة الشائعة بالدلائل الحسية منعاً لانسياق الرأي العام في تيارات التضليل والضغوطات النفسية، كما ينبغي تأهيل الإدارات وتوظيف مسؤولين من ذوي الكفاءة والخبرة لرفع شعور الثقة لدى المواطنين ، وضرورة توخّي الصراحة لكسر طوق الغموض مع لفت الأنظار إلى ضرورة تحليل الأخبار والأقاويل قبل تصديقها ونشرها. كما يستدعي الأمر التركيز على التربية السليمة لإعداد أجيال أكثر وعياً وثقة وثقافة على مستوى تعزيز الانتماء الوطني مع تضافر الجهود بين المؤسسات التعليمية والتربوية والإعلامية لإحلال نموذج المواطن الإيجابي الحريص على أمن واستقرار مجتمعه ومحيطه وإحلال الشراكة المجتمعية التي تشكل دوراً في صناعة المجتمع الحضاري والنهوض بعطاء الفرد المخلص لوطنه

CONVERSATION

0 comments: