ما تحتاجه مصر الثورة؟/ عبد الكريم عليـان


عاش الشعب الفلسطيني في غزة مترقبا ومتلهفا لنتيجة الانتخابات الرئاسية في مصر الشقيقة، وربما كان، ومازال أكثر اهتماما وترقبا من المصريين أنفسهم، وفي أثناء الحملات الدعائية تبارى الفلسطينيون فيما بينهم كأنهم هم من سيذهبون للتصويت، وانقسموا إلى فئات مع الأطراف المصرية المتنافسة، منهم من يؤيد الإخوان، ومنهم من يؤيد شفيق، ومنهم من يؤيد صباحي أو موسى أو أبو الفتوح.. تماما كما المصريين، وهذا شيء طبيعي جدا نظرا لعلاقة مصر التاريخية بالقضية الفلسطينية من جهة، والدور الريادي المنوط بمصر عربيا من جميع النواحي من جهة ثانية، وبحكم الجوار لغزة وحساسيتها ووضعها السياسي من جهة أخرى.. ولن ننسى علاقة النسب والدم الذي يربط الكثير من الغزيين بالمصريين، بل إن كثيرا من العائلات الغزية ترجع جذورها لأصول مصرية.. وأعتقد أن كثيرا من الكتاب، فلسطينيين وغيرهم انبروا يعبرون عن أرائهم، وقدموا تحليلات كثيرة للنتائج، وكما أهل غزة المقسومة، منهم مع الإخوان ويرون في فوزهم انتصارا للفلسطينيين، ومنهم مع الفلول والحرس القديم بحجة الحفاظ على ما هو قائم وعدم تحويل مصر إلى دولة دينية، ومنهم مع الفقراء والفلاحين.. وهذا هو الأغلب حيث يرون في حمدين صباحي عبد الناصر جديد قد يعيد للأمة مجدها..
لن ندخل هنا في تحليل النتائج والآراء ولن نقف مع هذا أو ذاك.. بقدر ما يؤلمنا المشهد الجميل للعرس الديمقراطي المشوه الذي يشير إلى امتصاص الثورة وسحب البساط من تحت أرجلها، سواء برجوع الحرس القديم.. أم باستبداله بنظام أكثر استبدادا وظلامية.. لقد حذرنا سابقا في مقالتين منفصلتين الأولى بعنوان: "أيها الثائرون العرب احذروا من تجربة غزة..!" ونشرت على الرابط http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=250578 والثانية بعنوان: "الإخوان المسلمون والشرق الأوسط القادم؟؟" ونشرت على الرابط : http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=259941 وتوقعنا فوز الإخوان بالثورات العربية في الدول الثائرة.. شعوبا دفعت دما غزيرا لإعادة إنتاج القديم.. ثورات تؤهل لدم أكثر باسم الدين، كأن "صفين" قادمة لا محال..! أو عصر السخرة والعبودية والجواري قادم لا محال..! الفلسطينيون في غزة والضفة سابقا حلموا بأن يحققوا هؤلاء لهم وطنا حرا مستقلا.. لكنهم حققوا لهم وهنا وانقساما هدم كثيرا مما بنوه.. إذا كانت حرب أكتوبر قد أمنت للإمبريالية مشروعها لمدة تقترب من أربعين عاما.. فكم سيؤمن لهم المشروع الإخواني..؟؟
جرت الانتخابات التشريعية والرئاسية في فلسطين مرتين خلال ستة عشر سنة، وحسب الدستور يجب أن تجرى كل أربعة سنوات.. وبحجة عدم توفر الظروف الملائمة، وتحت مبرر الانقسام، كانت تؤجل.. بينما في الدول الديمقراطية لن يؤجل الانتخابات أي سبب كان مثل الأسباب التي نسوقها؛ لأن حق التصويت والترشيح هو حق للمواطن وليس حقا لجهة أو فردا ما.. أما السؤال الذي يحيرنا هو: لماذا دساتيرنا العربية بما فيها الجمهورية مبنية على النظام الملكي..؟ هل هناك فرقا بين النظام السياسي الملكي للدول العربية، والنظام الجمهوري الرئاسي؟؟ لا نعتقد أن هناك فرقا جوهريا بين الملك والرئيس، سوى التسمية.. بل قد يكون النظام الرئاسي أسوأ بكثير إذا ما مارس الرئيس وحاشيته سلوكا لا يمارسه الملك نفسه.. فالملك لا ينتخب من قبل الشعب، ولا من أي جهة.. بل يترث الملكية ميراثا عن ذويه، (ليس معنى هذا أننا نؤيد النظام الملكي) أما الرئيس عندما يرفض الانتخابات أو يؤجلها لسبب أو آخر، أو يلعب ويزور في نتائجها، أو يغير الدستور كي ينتخب مرة أخرى مثلما قام به رئيس تونس المخلوع قبل خلعه، أو يترث الابن الرئاسة بعد أبيه لسبب الوفاة أو أي سبب آخر كما حصل في سوريا بعد وفاة حافظ الأسد.. كل تلك الشواهد وغيرها هي المعضلة الأساسية في النظم السياسية العربية، والأهم من ذلك هو تلك النظم قد تكلف الدول أموالا باهظة لا لزوم لها إذا ما اعتبرنا أن وظيفة الحكومة الأساسية لأي دولة كانت هي: تقديم الخدمات العامة للمواطنين بأقل تكلفة ممكنة وبأعلى جودة ممكنة.. ويمكن أن يقوم بكل المهمات مجلس الوزراء، ويبقى دور الرئاسة تشريفية أو فخرية أو رمزية تراثية كالملك في الدول الديمقراطية مثل السويد والنمسا وبريطانيا وغيرها، أو حتى إلغاءها من الحياة السياسية.. الحكم في النظم الرئاسية العربية حكومتان، حكومة الرئيس وطاقمه، ورئيس الوزراء وزرائه.. وفي الغالب تحدث نزاعات كثيرة بين الرئيس ورئيس الوزراء، وتلك النزاعات تنضوي تحت ازدواجية الصلاحيات المنوطة بكل منهما، لكنها لم تنشر ولا يتم نقاشها.. من هنا يجب التوجه نحو البرلمان للحزب الأكبر الذي عليه تشكيل الحكومة، فإن لم يستطع عليه البحث عن ائتلاف مع أحزاب أخرى كي يفوز بنيل الثقة من البرلمان الذي يجب أن يكون أعلى سلطة وينجح في الرقابة على الحكومة، وتظهر المنافسة الحقيقية، والبدء في النزاهة والشفافية والمحاسبة..
المسألة الجوهرية الأخرى التي علينا مناقشها على وجه السرعة في مقالتنا هذه، والموجهة للثورة المصرية باعتبارها أكبر ثورة عربية وملقي على كاهلها قيادة الأمة العربية فيما بعد.. أو لأن كل الأنظار العربية تتجه صوبها وما سينجح في مصر سوف ينجح في الدول العربية الأخرى.. هي مسألة " الأحزاب ذات التوجه الديني " فعلينا أن نرفع صوتنا عاليا دون وجل أو خوف.. لأن الديمقراطية التي نسعى إليها هي ليست من ابتكار عربي، بل هي أوربية المنشأ والتطور، وحتى وصلت إلى ما هي عليه الآن دفعت ثمنه الشعوب الأوربية ثمنا باهظا من الدم والصراعات الطويلة عبر أربعة قرون أو أكثر.. وأهم تلك الصراعات كانت مع الكنيسة والقائمين عليها، ونعتقد أن معظم الدساتير الديمقراطية في العالم ترفض الترخيص للأحزاب المبنية على أساس ديني أو ذات توجه ديني.. لأنه لا توجد دولة في العصر الحديث صافية العرق واللون والدين.. ولا يجوز استخدام الدين لأغراض سياسية.. فهل سندفع ثمن ذلك في ثورات أخرى كي نصل إلى ما وصلت إليه الديمقراطيات الغربية؟؟ أعرف أنه فات الأوان.. لكن الثورة في مصر مستمرة ويجب أن تستمر حتى يتحقق ما يصبو إليه الشعب المصري والشعوب العربية الأخرى أيضا.. لا نعرف كيف تأجل موضوع الدستور المصري؟ ولماذا؟ وهل سينجح الدستور في تلبية هذين المطلبين المهمين خصوصا بعد فوز الإخوان بـ 47% من البرلمان المصري؟ وإذا ما أضفنا إليهم السلفيين سيكون المجموع أكثر من 61%..؟! هل تعرف الأحزاب الأخرى لماذا فاز كل هؤلاء..؟ وكيف..؟ السبب بسيط ولا يحتاج إلى كثير من التفسير؛ لأنهم يمتلكون أرضية كبيرة في كل أنحاء مصر وقاعدة مهمة تنظيميا ولا تتوفر لأكبر الأحزاب مهما كانت قوتها ألا وهي: " المساجد.." . أنا لم أزر مصر كثيرا ولا أعرف كثيرا عن محافظاتها وأريافها لكنني استنتجت من تجربة الإخوان المسلمين (حركة حماس في غزة) فعشية الانتخابات التشريعية في فلسطين عام 2006 كانت حركة حماس الأكثر تنظيما مركزيا من خلال مساجد وجوامع كافة المحافظات في الضفة وغزة، واستغلت حركة حماس الحجم الهائل من المساجد كقواعد حزبية تنفذ من خلالها كل مخططاتها وأهدافها وبرامجها بدون تكلفة كبيرة.. لهذا السبب مطلوب من كل الأحزاب الأخرى أن ترفض ولا تقبل بوجود أحزاب دينية مهما كانت.. والذي يعرف غزة الآن يرى كيف لا يخلو شارع من شوارعها من مسجد وأكثر تسيطر عليه حركة حماس، وأول ما تم ترميمه بعد الحرب هي المساجد والترميم لم يتم بنفس المعنى، بل بالهدم والإنشاء والتوسع من جديد وبأحدث وبأغلى مواد متوفرة، وحسب ما يشاع بين الناس أن مسجدا يبنى حاليا في مخيم الشاطئ (بالقرب من بيت رئيس وزراء حماس) رصد له ميزانية تقارب خمسة ملايين من الدولارات..؟ لأن حركة حماس عرفت وتعرف قيمة ذلك تنظيميا، وتعرف أنه لن يتجرأ أحد منعها من ذلك..
يا ثوار مصر.. هناك الكثير يمكن قوله.. لعلنا وضحنا نقطتين هامتين عانت منهما مصر ويعاني منهما كل الشعوب العربية.. إن لم تؤخذا بعين الاعتبار لن تخرج مصر من القمقم وبالتالي سيبقى العالم العربي متأخرا عن حركة التاريخ وتطور الشعوب نحو الأفضل..

CONVERSATION

0 comments: