** بعد صراع طويل مع المرض أعلنت وسائل الإعلام المحلية والدولية المقروءة والمرئية .. تعرض مصر الحزينة لأزمة قلبية حادة أدت إلى توقف جميع شرايين الحياة وأصابتها بإنفجار فى شرايين الرأس وسكتة قلبية .. هذا وقد خرجت كل من قناة النيل الإخبارية والقناة الأولى والفضائية المصرية ببيان أذاعت فيه الخبر وقالت فيه "بمزيد من السعادة .. نزف إليكم الخبر الذى إنتظرناه طويلا فقد تم بحمد الله تشييع المرحومة "مصر" إلى مثواها الأخير وبهذه المناسبة السعيدة تقام سرادق العزاء بميدان التحرير .. ويتم توزيع الأنواط والنياشين إلى بعض السياسيين لدورهم المتميز فى إجهاض المرحومة .. كما ستقدم الجوائز العينية ، والشهادات التقديرية لمقدمى البرامج الإخبارية لتميزهم والذى شهدت له "واشنطن" ، ودول الإتحاد الأوربى ..
** أما عن تشخيص الحالة الصحية وتطورات المرض فقد أفادت جميع القنوات المصرية والفضائية ، وقناة الجزيرة القطرية ، وقناة CNN .. أن المؤسف عليها مصر ظلت طوال سنوات عديدة تعانى من أمراض عديدة أدت إلى تصلب شرايين الجزء الأيمن من الجسد وأصابته بشلل رعاش مما أدى إلى عجز بنسبة 85% ولأن الأبناء العاقين رفضوا علاج الأم فقد زحف المرض على الجانب الأيسر للجسد حتى أصابه بنسبة 90% وظلت الأم راقدة أعوام طويلة ترى بعينها ولا تستطيع الحراك .. وفى إتصال هاتفى مع بعض الدول الغربية لعمل الإستشارات الطبية اللازمة تدخل أحد أصحاب محلات دفن الموتى ويدعى باراك حسين أوباما الحانوتى أحد مواطنى كينيا المعدمة والذى سقط عن طريق أحد دروب التهريب إلى أمريكا ونصح بعض المقربين للمرحومة بتجهيز مراسم الدفن قبل زيادة الأسعار ورأى البعض أن المشكلة تكمن فى الإعلان عن الخبر حتى يتسنى للورثة المطالبة بكافة حقوقهم طبقا لحق الإرث فيما بينهم .. وسارت الأمور كما خطط لها الورثة .. وهم يرقصون رقصة الوداع ، ويدقون الطبول .. وفجأة إندلعت بعض الأصوات من أبناء المرحومة الذين ثاروا وإنتفضوا وتحركوا وقالوا فيما بينهم ما الذى دهانا .. هذه أمنا وهى تمثل عرضنا وشرفنا .. لماذا لا نحاول أن نستنهضها من غفوتها وأن ننقذها من قسوة المرض .. خرجوا ثائرين طالبوا بالدواء ونقلها فورا إلى أحد المستشفيات الأمنة .. كان ثمن الدواء يستوجب التضحية ببعض وسائل الترفيه .. وهو ما رفضه الكثيرين وقالوا لقد إستحملنا أمنا كثيرا .. حان الوقت لكى نتقاسم الثروة فيما بيننا ، ولن نغادر المكان قبل الحصول على إرثنا ، كان صراخهم وضجيجهم أكثر صخبا من أصحاب القلوب الرحيمة .. ظلوا هؤلاء الفوضويون يصرخون حتى ملأت أصواتهم جميع أرجاء المسكونة .. وهم يقذفون الأم بالحجارة وكرات النار المشتعلة .. نظرت الأم وهى على فراش الموت حولها وهى تستنجد بأبنائها ، وفى مشهد شديد القسوة لم تستطيع الأم أن ترى أبنائها المخلصين حول فراشها من شدة الإصابات .. فقد قاموا بطردوهم من المنزل وظلت الأم وحيدة تنظر حولها فى صمت والدموع تتساقط من عينيها ، بينما إختفت جميع الأصوات الرحيمة .. لم تجد الأم حولها إلا مصاصى الدماء والإرهابيين وهم ينزعون الأساور من يديها التى ظلت سنين طويلة تتزين بها وحينما رفعت أيديها إلى أعلى فألبسوها أساور من كلابشات حتى لا تحرك يديها .. صرخت الأم ولكن صوتها ظل يصرخ فى وادى الموت ولا أحد يسمعه .. لم تسمع الأم سوى صدى صوتها يأتى من "كهوف الظلمة" حتى خمد الصوت ولم تعد تملك إلا عينين متحجرتين .. ينظرون إلى مجهول كئيب ومظلم بينما تتساقط الدموع لتغسل عار الغدر والخديعة وإنكار الجميل .. لم تملك الأم إلا النظر إلى السماء وهى تصرخ فى صمت .. لماذا فعلتم بى كل هذا الغدر .. هل تعلمون ماذا أنتم فاعلون ، وأسلمت الروح وسكت الجسد .. وبدأت تدق طبول النصر .. فقد ماتت الأم وخرج بعض الأبناء العاقين إلى ميدان التحرير وهو أحد البقاع السحرية الذى كان المكان المفضل للأم قبل الوفاة ، للمطالبة بميراثهم الشرعى وحمل البعض منهم أجهزة الكمبيوتر ونصبوا الخيام وأكلوا الهمبورجر وهم يتحسسون الأرقام التى سيحصلون عليها بل أن بعضهم حجز فى منتجعات سياحية للإحتفال بهذا النصر حتى قبل دفن المرحومة .. ولأن المرحومة لها جذور فى كل مكان فقد إنطلق بعض الأبناء المعاقين يصرخون ويهللون ويحطمون كل ما طالتهم أيديهم فأغلقوا الطرقات وقالوا هذا حقنا .. وأخرجوا أبنائها الرحيمين بها ، وصرخوا فى وجوههم ، وجرجروهم ، وأهانوهم ، وسبوهم ، وجرحوهم ، وقالوا لهم أخرجوا من أرضنا .. فالتى تقولون عليها أنها أمنا وهى التى تحمينا قد ماتت ، ولا نرغب فى التواصل معكم .. أما عن الميراث فهذا حقنا ..
** رحلت الأم وتركت الأرض بلا وطن .. لقد كانت الأم هى الحلقة التى تربط جميع الأبناء .. الأن الجميع تحولوا إلى وحوش مفترسة تبحث عن الغنائم .. خرج بعض العاقين من الأبناء يتقاتلون ، فقد أضاعوا هيبتهم ووقف العالم يشاهدون الإخوة الأعداء وهم يخمدون خناجرهم فى صدور بعضهم .. الغدر والخيانة وقلة الأصل هى الصفات التى تحلوا بها .. كان دار الحب الذى جمعتهم به الأم تحول الأن إلى دار الخساسة والندالة .. جعلوا أشباه الرجال وأنصاف المتعلمين كبيرهم يأتمرون بفتواه حتى لو أمرهم بقتل إخوانهم .. نعم لقد أصابهم العمى والغيبوبة .. فقدوا الشرف وباعوا الغالى بالرخيص ..
** هذه هى مصر الأن .. لا تنزعجوا وأنتم تتساءلون هل تتحول مصر إلى عراق أخر .. نعم .. "مصر" ماتت ولن تعود .. ولا تلوموا إلا أنفسكم وأنتم تهللون منذ أحداث ثورة 25 يناير وحتى الأن .. إنه الغباء الذى سيطر على العقول .. إنه الغباء الذى جعل بعض الأبناء يتركون الأم تصارع المرض وهم يلهون ويسكرون ويضحكون ثم الأن يتباكون .. بل مازال البعض يكابر ويدعى المعرفة وهو فى الواقع ربما لا يعلم من هى التى ماتت .. ربما وقف كالأبله فى السرادق كخيال المأتة والبعض ينظر من أعلى فلا يعنيه ما يحدث فى مصر ...
مجدى نجيب وهبة
صوت الأقباط المصريين
0 comments:
إرسال تعليق