إنهم خارج التغطية/ علي مسعاد

قديما قيل أن " الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك " ، و اليوم مع الشبكة العنكبوتية الانترنيت ، لم تعد المفاهيم ما قبل ظهور " النت " هي نفسها ، ما بعده .
حيث تغيرت بشكل جدري و بسرعة قياسية ، لا توازيها إلى سرعة " التي جي في " ، أو إرسال رسالة عبر " إس إم إس " ، فمفهوم "الزمن" في السابق ، شأنه في ذلك شأن مفهوم "المكان" ، تغير بشكل كبير في عصر الزمن الإفتراضي ، بحيث أصبح بإمكان الفرد منا ، التنقل من زمن إلى آخر و من مكان إلى غيره ، حيث هو ، دون كثير عناء .
مع الثورة المعلوماتية و التكنولوجية ، التي يشهدها العالم ، اليوم ، لم يعد للفرد منا مبررا للتحجج بغياب الإمكانات المادية ، لاستكمال تكوينه أو دراسته ، لأن الدراسة عن بعد ، أصبحت إحدى ميزات العصر الجديد ، فالكل سواسية ، أمام النت ، و أصبح بإمكان الجميع ، قضاء كل حاجياتهم عبر الشبكة و بنقرة بسيطة ، يمكن الإطلاع على أحداث العالم و بشتى اللغات و كل الإغراض الإدارية ، في زمن الإدارة الإلكترونية .
يحدث كل هذا و شاباتنا و شبابنا ، كأنهم خارج التغطية ، كأن " الوقت " الذي يعني " المال " في أوروبا و أستراليا و أمريكا ، لا قيمة له هنا ، بحيث أن الواحد منهم ، قد يقضي الساعات الطوال ، في احتساء مشروبه ، دون إحساس بالذنب ، تجاه الوقت الذي يتسرب من بين يديه كالماء ، الشابات لسن أحسن حالا من الشباب ، فهن بالحدائق العمومية و الأسواق التجارية ، بدون هدف ، إلا لقتل الوقت ، الذي نحن في أمس الحاجة إليه ، أوليس الوقت كالمال و الشباب و العمر ، سوف نسأل عنهم ، غدا أمام الله تعالى .
المسلم الحقيقي ، كما يغيب عن هؤلاء ، لا وقت للفراغ لديه ، يضيعه في التسكع في الطرقات أو في مقاهي الشيشة أو الكلام في الناس أو التحرش أو في الانتظار .
قد يقول قائل ، أن العطالة هي السبب ، و هذا الكلام مردود لصاحبه ، لأنه ليس هناك عاطل بل هناك معطل ، فالفرد منا له طاقات و مؤهلات داخلية ، إن أحسن استخدامها ، حتما سيعرف طريقه إلى المال ، لأن الوظيفة العمومية " لمن يحرق نفسه " ، ليست الوسيلة الوحيدة ، للبحث عن الخبز و الكرامة ، فكل الطرق تؤدي إلى المال الحلال ، طبعا ، يكفي وقفة للتأمل و معرفة الإمكانات الداخلية .
و لعل وجود نماذج ناجحة ، لأفراد من ذوي الاحتياجات الخاصة ، لخير دليل على أن الطاقة الداخلية ، هي المحرك الأساسي للفرد منا و ليس الانتظار أو حرق الذات من بينها ، للإحساس بالذات و الكرامة .
مشكلتنا ، نحن العرب ، أننا لا نعرف قيمة الوقت ، لأن الساعات الطوال التي نقضيها في انتظار مسؤول ما ، في إدارة ما أو في انتظار الطبيب أو الحافلة أو صديق أو قدوم القطار ، لا تقدر بثمن ، في حين أن الفرد في أوروبا أو أمريكا ، يستغرقها في القراءة و مطالعة جديد الأخبار .
الساعات الطوال التي نقضيها في اللاشيء ، لا تعد و لا تحصى ، وفي الوقت الذي يجب أن نلقي فيه بالأئمة على أنفسنا ، نعيب زماننا في حين أن العيب فينا نحن ، الذين استسلمنا للكسل و النوم و الارتخاء .
و هو مثال قد ينطبق على الموظف كالعاطل و أي فرد ، لا يحسن استغلال الوقت ، في أشياء قد تعود عليه بالنفع و الفائدة ، إن ذاتيا أو مجتمعيا ، وهذا ما نحتاجه في زمن أصبحت السنة كأنها شهر و الشهر كأنه أسبوع و الأسبوع كأنه يوم .
الحل هو التغيير من الداخل و ليس انتظار الذي قد يأتي و قد لا يأتي .

CONVERSATION

0 comments: