...... يبدو أن الاحتلال الإسرائيلي كرد مباشر على "المفاوضات الاستكشافية " بعد ما يقرب العشرين عاما من المفاوضات المباشرة وغير المباشرة،السرية والعلنية منها،وكذلك على تقرير الاتحاد الأوروبي الأخير الذي طالب الاحتلال بفتح المؤسسات الفلسطينية المغلقة بالقدس،وانتقاد الممارسات الإسرائيلية وخرقها ومصادرتها لحقوق المقدسيين في القدس،جاء ك"استجابة سريعة" لذلك،وكنوع من خطوات "بناء الثقة" التي طالما أتحفنا وتغنى بها الاحتلال،فهو يعتبر انه بإزالته لكومة تراب مغلق بها مدخل قرية فلسطينية،تنازلاً مؤلماً من أجل "السلام"،فهذا الاحتلال له من الصلف والعنجهية والغطرسة،والقدرة على التزوير والخداع والتضليل،ما ليس لأي احتلال في العالم على مر العصور بقديمها وحديثها،وغطرسة هذا الاحتلال وفرعنته وخروجه السافر على كل الأعراف والقوانين والمواثيق والاتفاقيات الدولية،ما كان لها أن تتم لو أن قيادتنا وأمتنا العربية لديها من احترام الذات الشيء القليل،ولو أن المجتمع الدولي،بدلاً من أن يوفر الدعم والحماية لإسرائيل في تجاوزاتها وخروقاتها وخروجها السافر على القانون الدولي، من خلال فرضه لعقوبات جدية وملزمة عليها، وكذلك بدلاً من "التعهير"والانتقائية والازدواجية في كل ما له صلة بالقيم والمعايير والقوانين الدولية،لما مكن ذلك إسرائيل من تصعيد ومواصلة حربها الشاملة على المقدسيين،حرب ضمن سياسة ممنهجة ومنظمة،تشترك فيها الحكومة وأجهزة الأمن والقضاء والحاخامات والمستوطنين وكل أجهزة الدولة ومؤسساتها ومستوياتها، بهدف واحد وحيد،هو اقتلاع وتصفية الوجود العربي الفلسطيني في مدينة القدس،ومن كان لديه أوهام وأحلام بأن المفاوضات العبثية المتواصلة،ستعيد بوصلة واحدة من القدس أو توقف إجراءات الاحتلال فيها،فهو يعيش في كوكب أخر،أو يحلم،كما يقول المأثور الشعبي" بأن يحصل على دبس من قفا النمس"،أو لربما ينتظر أن يحلب الثور.
شامير رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق من مدريد 1991 وكل رؤوساء الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة من بعده ومن مختلف ألوان الطيف السياسي الإسرائيلي يميناً ويساراً متفقين على إستراتيجية واضحة وموحدة،الاستيطان الإسرائيلي سيتواصل ولن يتوقف،وبالمقابل المفاوضات مع العرب والفلسطينيين ستتواصل شريطة دورانها في حلقة مفرغة،وعدم تقديم أي تنازل إسرائيلي، يصل حتى للحدود الدنيا من الحقوق الفلسطينية المشروعة في العودة وتقرير المصير والدولة المستقلة.
أما في القدس فالموقف الإسرائيلي لا يحتمل التأويل او التفسيرات أو المواربة،وهو لا يبقي لأي مفاوض فلسطيني او عربي ولا لرباعية ولا سباعية او تساعية ورقة توت تجمل بها عورتها،فإسرائيل بالقول والفعل،تعمل على تغيير طابع المدينة الديمغرافي وتعمل على اسرلتها وتهويدها،ضمن خطة تطهير عرقي شاملة،تقوم على أساس تحويل حياة العرب المقدسيين في المدينة إلى جحيم وجعلهم يشاهدون النجوم في عز الظهر "الحمراء" من شدة القمع والقهر والاضطهاد والاستهداف.
وأنا لا أريد العودة إلى التفصيل في ما يتعرض له المقدسيين من عملية ذبح وتطهير عرقي وتهجير قسري،فالأمور وصلت حد لا يطاق والإجهاز على المدينة اعتقد انه في مراحله النهائية،ونحن ما زلنا نحلم بالشعارات والخطب العصماء وبما فيها من سجع وطباق بأنها لن تكون إلا العاصمة الأبدية للشعب الفلسطيني.
نعم الاحتلال يسابق الزمن،ويريد القضاء على كل مظهر من مظاهر الوجود العربي الفلسطيني في المدينة،وفي هذا السياق يتم استهداف المؤسسات المقدسية التي تقدم خدماتها لأبناء شعبنا الفلسطيني في مدينة القدس،خدمات ذات طابع اقتصادي واجتماعي وتنموي وثقافي وتوعوي واستشاري وقانوني ورياضي وإغاثي،ففي يوم الأحد 29/1/2012 أقدم الاحتلال على إغلاق نادي إسلامي سلوان الرياضي وجمعية سلوان الخيرية،تحت حجج وذرائع ممجوجة وواهية ومكررة،ألا وهي صلة وعلاقة تلك المؤسسات بالأحزاب والتنظيمات الفلسطينية او السلطة الفلسطينية ،مصطلح الصلة ب"الإرهاب"،على الرغم بأن الاحتلال يعرف جيداً نوعية وطبيعة الخدمات التي تقدمها المؤسستان من أنشطة رياضية ومساعدات للفئات المهمشة والمحتاجة في المجتمع وتعليم للأطفال.
دائماً وابدأ وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي يعلن عن إغلاق المؤسسة المعنية لمدة شهر،ومن ثم يعلن وزير الداخلية الإسرائيلي عن تمديد الإغلاق لمدة عام،حيث انه وفي كل الحالات يصبح الأمر دائماً،فهو برؤيته"الثاقبة" يرى بأن تلك المؤسسة تشكل خطرا على امن إسرائيل ووجودها،وهو "محق" في ذلك فطالما أن ولادة أي طفل فلسطيني كانت بمثابة كابوس لرئيسة الوزراء الإسرائيلية المغدورة غولدا مئير،فبقاء أي مؤسسة فلسطينية في القدس هو أكثر من كابوس لقادة إسرائيل وحكومتها.
بإغلاق نادي إسلامي سلوان الرياضي وجمعية سلوان الخيرية يرتفع عدد المؤسسات الفلسطينية التي جرى إغلاقها منذ بداية الاحتلال وحتى الآن إلى 32 مؤسسة،بحيث يجري ترحيل قسري لأنشطتها وكوادرها وعامليها ومراكز عملهم وحياتهم إلى خارج مدينة القدس،بما يسهم ويساعد في تحقيق الهدف الإسرائيلي،ألا وهو تفريغ المدينة من سكانها العرب الفلسطينيين،وحرمانهم من الخدمات التي تقدمها لهم،ومنع تبلور أي بنية مؤسساتية لدولة أو سلطة فلسطينية قادمة.
المحاكم الإسرائيلية على مختلف درجاتها والجهاز القضائي المتفرعة عنه نفسه،هو في خدمة السياسية الإسرائيلية،وهو وجد لكي يقونن ويشرعن كل إجراءات وممارسات الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة،وبالتالي اللجوء إليه كخيار من اجل العدول او التراجع عن مثل هذه القرارات،هو كمن يستجير بالرمضاء من النار،فهذه ادوار يجري تقاسمها،ولكل في هذه الدولة دوره ومهمته،في اطار تنفيذ الحلم الصهيوني،ولذلك لا جدوى من اللجوء الى مثل هذا الخيار،أي خيار التوجه إلى المحاكم الإسرائيلية،وله الكثير من المخاطر من حيث شرعنة مثل هذه الإجراءات والممارسات الإسرائيلية المنتهكة والمتنافية والمتعارضة لكل ومع القوانين والأعراف والمواثيق والاتفاقيات الدولية.
وهنا علينا أن ندرك جيداً بأنه لا مناص من مواجهة جمعية ووفق إستراتيجية شاملة لمثل هذه الإجراءات والممارسات الإسرائيلية،من خلال احتضان المؤسسات الفلسطينية القائمة للمؤسسات المغلقة،أو رفع سقف المواجهة مع الاحتلال بالتعاون مع المتضامنين الأجانب باقتحام المؤسسات المغلقة أو الاعتصام بشكل دائم امام مقراتها،وكذلك ضرورة التوجه الى المحاكم الدولية وطرح القضايا أمامها،وأيضا وفق إستراتيجية ورؤيا واضحتين.
ومن الهام هنا أيضاً العمل على تفعيل البعد الشعبي في عملية المجابهة والمواجهة،فالعمل النخبوي لن يكون مجدياً في هذا الجانب،وكذلك ممارسة ضغوط جدية على المجتمع الدولي وبالذات الرباعية الدولية والاتحاد الأوروبي من أجل إجبار إسرائيل على التراجع عن خطواتها وممارستها القمعية في القدس واحترام القانون الدولي.
القدس- فلسطين
0 comments:
إرسال تعليق