بين قانا لبنان والحولة السوريّة/ سعيد نفّاع

لا أريد في هذه العجالة أن أتعب نفسي والقاريء في اجتهادات وأسئلة عن: من المستفيد وما مصلحة السلطات السوريّة وكل ما شابه ذلك كي أصل إلى الجاني في مذبحة الحولة، ما أريد هو عرض الأمر من زاوية أخرى اعتقد أنه ما كان لهذا التسونامي الإعلامي الدجّال أن يتفجّر أصلا لولا أنّ القيّمين عليه يروننا ليس أمة تَضحَك من جهلها الأمم وإنما أمة تُضحِك على جهلها الأمم.
عام 1996 لمن لا يذكر، وفي العمليّة التي أسمتها إسرائيل "عناقيد الغضب" صبّت إسرائيل برئاسة بيرس رئيسها الحاليّ الحاصل على جائزة نوبل للسلام (!)، قنابلها العنقوديّة وقذائفها المدفعيّة على مدرسة قانا لبنان التي لجأ إليها العجزة والنساء والأطفال علّها تحميهم، ولا اعتقد أن إنسانا تغيب عن دماغه آثار وشكل الجثث التي مزقتها القذائف. وهكذا فعلت في حرب لبنان الثانية كما تسميها، والمنطق البسيط يقول أن العقل البشريّ حتّى المتوسط ما زال يحمل شكل الجثث التي انتشلت من تحت أنقاض ذلك البيت في قانا والذي وجده الضعاف ملجأ، وإن غابت الصور مع الزمن فعلى الأقل لا يمكن أن تغيب الصورة للجثة المنتشلة لذلك الطفل الذي كان يتدلى على صدره "البز الكذاب- مصاصة الأطفال".
وبغض النظر عن ذلك لا يحتاج المرء أن يكون خريج كليّة عسكريّة في أعلى دوراتها "القيادة والأركان" حتى يميّز ما بين ضحايا القصف المدفعيّ أو ضحايا الاعدام الميدانيّ، ومع هذا فإن كان من محتاج فله أن يقارن بين الصور من مذبحتي قانا لبنان ومذبحة الحولة السوريّة، وإن لم يكفه ذلك فليعد إلى ملجأ العامريّة في العراق.
فأين حتى في الصور التي يبثّونها الأنقاض والجثث المسحوبة من تحتها؟! وأين التمزقّ والاحتراق الذي تسببه القذائف؟! أم أن الجيش السوري دخل الحولة فقيّد الضحايا وأطلق النار على أجسادهم وشج رؤوسهم بالبلطات، ثمّ خرج وقصفهم بالمدفعيّة؟!
كان المرحوم الأديب أميل حبيبي يُسمّي صحيفة المؤسسة الإسرائيليّة الأنباء: "الكُزّيطة"، و"كزيطات" أيامنا من جزيرة الحمدين وعربيّة عبدالله وفيصل وعبريّات إسرائيل، تنشر تباعا صور الجثث من الحولة المقيّدة اليدين وراء الظهر وآثار الرصاص في أنحاء مختلفة من الأجساد وآثار السلاح الأبيض (الأسود) على الرؤوس لتتبعها بالقول: هذه ضحايا القصف المدفعي العشوائي لجيش النظام السوريّ أو جيش الأسد أو... أو ما يشابه من تفتّق أذهان محرري النشرات الإخباريّة في الدوحة والرياض وتل أبيب، ومنهم "مفكرين" من المقتاتين على فتات الجزيرة ولحم أكتافهم اكتسبوه على طاولات المآدب السوريّة.
آمنّا وربّما لسذاجة فينا أو لبقايا دور للإعلام الغربيّ فينا من حرب الفيتنام، أن الإعلام الغربيّ ربّما يكون مختلفا وعلى الأقل من منطلق احترام متابعيه ليس احترامنا نحن، فقليل من يحترمنا في هذا العالم، فوجدناه في الشأن السوريّ كما العراقيّ قبله وكما الفلسطينيّ قبل الأثنين إعلاما دجّالا هو والعربجيّ من نفس الطينة.
قال أحدهم الجريمة تكتمل بأخذ نفس بشريّة واحدة وما فوقها يصير إحصاء، فأخذ نفس بشريّة واحدة وفي سياقنا سوريّة اللهم في حال الدفاع عن نفس، هو جريمة كبرى ولا فرق من أين أتتها القذيفة أو الرصاصة أو البلطة، ولكن الاتجار في هذه النفس هو الكفر بالله وبالأنبياء وبالإنسانيّة وبكلّ قيمة أخلاقيّة أقرّتها البشريّة منذ أن وُجدت، لا يفعله إلا دجّال أو مَن منه الكائنات الحيّة بشتى درجاتها في مراتب عليا، وكم بالحري إذا كان مزهقُها.  
وما دمنا في طرح الأمور من هذا الباب فحسب "الكزيطات والكزّاطين" يسقط في سوريّة يوميّا عشرات القتلى، نحن نعرف من الإعلام السوريّ والذي بالمناسبة يستحق عاملوه تحيّة على ما يبذلونه في هذا الظرف، أن عددا منهم من العسكريّين، نشاهد مواكب تشييعهم ونرى دموع ذويهم، أمّا من تبقّى ولنفرض جدلا أن الأرقام صحيحة، فكيف يصيرون كلهم من المواطنين الأبرياء في نظر "الكزيطات والكزاطين"؟ هل سمعتم يوما منهم أنّ "جنديّا مغوارا حرّا" أو "قاعديّا إلهيّا" بين الساقطين؟ أم أن هؤلاء يحملون "تحاويطا" من نصّ أردوغان أو بن لادن تقيهم الرصاص؟!
طبعا سيتهمني بعض "المتجملّين" بالحريّة وبحقوق الإنسان أنّي "شبيحا أو نبّيحا"، وأنا أقول ليس من باب استرضائهم فهو وعدمه سيّان عندي، أقول إن كان الشبح لِ والنباح على، أعداء عروبتنا من "الغرصهيوعثماخليجلادنيّن" فنعم الشبح ونعم النباح!     
هذا الاستكلاب "الغرصهيوعثماخليجلادني" ولتعذرني الكلاب، على سوريّة وشرب دم أبنائها ما هو إلا لأن سوريّة بغالبيّة شعبها وبقيادتها وجيشها أدخلتهم "شوط الحلّة" كما نقول في لغتنا العاميّة الشمال فلسطينيّة، وإن طال هذا الشوط.         


CONVERSATION

0 comments: