أحداث العباسية وصلت إلى الحد الذي لا يمكن السكوت عليه . القوات المسلحة لأي دولة هي الحصن الحصين للدولة والشعب والمساس بها لا تحمد عقباه ، وإذا حدث أي تخاذل في آداء مهمتها يجب التصدي له عن طريق القنوات الشرعية وآخرها الإعتصامات والخروج إلى الشارع . لكن ما نراه على الساحة المصرية منذ أحداث صنبو وقنا وإمبابه مرورا بالإستفتاء المشهور في مارس 2011 ، إلى إنتخابات مجلس الشعب التي يرددون بأنها نزيهة ونظيفة متغاضين عن كل السلبيات بعضها جسام مع تواطؤ المجلس العسكري مع فريقين بعينهما دونا عن بقية الفرقاء في مصر ، وكان هذا واضحا مما أدى إلى سيطرتهما على مجلسي الشعب والشورة وإن كان مجلس الشعب كانت نسبة المنتخبين عالية جدا مقارنة بمجلس الشورى بعد تراجع نسبة كبيرة من الذين إنتخبوا مجلس الشعب ، وفي رأي كان ذلك بداية التشكك في القوة الجديدة لحزبي " الحرية والعدالة / الأخوان " و " حزب النور / السلفي " . لذا كما قلت إنكمشت نسبة المنتخبين بصورة كبيرة وواضحة . زاد من الطين بلة يوم فتح باب الترشح لإختيار رئيسا لمجلس الشعب ظهرت وبكل وضوح وبدون خجل أن إختيار الرئيس كان متفقا عليه لدرجة أن صورته كانت تعلق على الحائط خلف مكتبه في نفس الوقت الذي كانت تؤخذ فيه الأصوات لإختيار الرئيس .
توالت الأحداث التي أظهر فيها المجلس التحدي وإظهار العضلات والقدرة على تحريك قوى الشعب في تكوين اللجنة الدستورية لكتابة الدستور الجديد والتي أيضا تم إختيار رئيس مجلس الشعب رئيسا لتلك اللجنة . وهذا يؤكد أن لسان حالهم يقول " إحنا وبس " .
دخلنا على إنتخابات رئاسة الجمهورية وما كان فيها من بلطجة حقيقية بكل ما تعنيه هذه الكلمة وشغل " اللبط " الذي ما يجب أن يصدر من مرشحين المفروض فيهم الصدق والشجاعة على الإعتراف بالأخطاء إذا وجدت أخطاء . بل بدأت الأصوات تعلو مهددة بمظاهرات عدوانية ضد المجلس الأعلى للقوات المسلحة وينادون بسقوطه " يسقط .. يسقط حكم العسكر " .
وعندما ترشح من الإخوان أحد أعضاء الجماعة للرئاسة ‘ خرج علينا أحد أعضاء البرلمان بقانون العزل السياسي للتصدي لمرشح " الفلول " كما أطلقوا عليه . وتم بالفعل إقصاء كليهما مما دفع بهم بتقديم مرشح آخر . ويبدو من إصرار الأخوان على ترشيح للرئاسة منهم على الرغم أنهم دفعوا أحد أعضائهم البارزين على الإنفصال عنهم لرغبته في الترشح للرئاسة . وهذا في حد ذاته شيء لا يطمئن أي مصري على مستقبله ومستقبل أولاده .
نأتي إلى حكاية مطالب مجلس الشعب بضرورة تغير حكومة الجنزوري لدرجة إيقاف عمل المجلس لمدة أسبوع تعبيرا عن رغبتهم في تكوين حكومة إنتقالية منهم على الرغم من أنها لن تبقى لفترة أسابيع قليلة . لكن الرغبة في " التكويش " على جميع السُلطات تجعلهم يسيؤون إلى أنفسهم ولا يحسنون الإختيار لما يجب عليهم إختياره من السُلطات التي تدفع بالمواطن المصري إلى تأيدهم ومؤازراتهم .
خروج المرشح أبو إسماعيل من سباق الرئاسة أحدث زلزلة شديدة في الشارع المصري وقد تم شحن البسطاء من الناس ضد العسكر لأنه لم يستمع لـ " أبو إسماعيل " ويأخذ بكلامه حول موضوع " الجنسية الأمريكية للمرحومة والدته " فهاجت الدنيا ولم تهدأ حتى هذه اللحظة مما دفع بالمجلس الأعلى بفرض حظر التجول حول وزارة الدفاع والمناطق المحيطة مع عدم التجمهر وبدأت القوات المسلحة في إزالة كل ما كان معدا لبقاء المتظاهرين بعد أن أعلنت مجموعة من أعضاء المجلس في مؤتمر إعلامي ان " المجلس " لن يتهاون مع المخربين ومثيري الشغب .
الصوزة قاتمة ، ومؤلمة ، وموجعة ولا تنبيء بالخير . لقد إستيقظ المجلس الأعلى للقوات المسلحة وبدأ يدافع عن نفسه الممثلة في وزارة الدفاع وكل مؤسساتها وبشدة واضحة ، وأظهر " الناب الأزرق " لكل من يريد المساس بقدرة القوات المسلحة على التصدي لكل من سيكون سببا في إشعال نار الحرب الأهلية .
يا تُرى لو أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة إتخذ هذا الموقف منذ تخلي مبارك عن السلطة لهم .. هل كنا وصلنا إلى ما نحن عليه الأن من فوضى عارمة قد تطيح بكل شيء وبكل أمل راود الشعب المصري في تغير أساسي في البنية السياسية الحاكمة يسودها حكم عادل لشعب ذاق مرارة الحياة طوال عقود وعهود ؟؟؟!!!
الإجابة على حسب ما أتصور قطعا بـ لأ .. لو لم يميل المجلس الأعلى لفريق مفضلا له على آخرين ما كنا وصلنا إلى ما نحن عليه . لو أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة عندما هدده وأساء إليه نفس الفريق في كل مرة لم يستجب لمطالبه وإستجاب لمطالبهم .. ما كنا وصلنا إلى ما نحن عليه هذه الأيام .
جموع الشعب التي تتواجد بصور مكثفة في كل مليونية وتركيز الإعلام على الأفراد العاديين رجالا ونساء اعطى إيحاء بعدم إهتمام المجلس لما يطالبون به بصورة يشوبها الفهم لما يطالبون به ، لكنهم يرددون ما يسمعون من آخرين من مطالب .
وهذا جعل الإعلامي الأستاذ عمرو أديب في أحد برامجه في الأسبوع الماضي أن يصرخ بصوت مجلل و يردد :
إيه إللى عايزاه الناس !! . الناس دي عايزه إيه !! .
الحقيقة المؤسفة يا أستاذ عمرو أديب .. الناس لا تعرف ما تريد إنما هي تردد كالببغاوات ما يريده الآخرون وجل همهم " الناس " أن تظهر " صورتهم " في التلفزيون أو الصحف والمواقع الإلكترونية .
أستاذ عمرو أديب هل تتذكر " وأكيد تتذكر " فيلم " إضحك الصورة تطلع حلوة " على ما أتذكر إسم الفيلم " للراحل الفنان أحمد زكي وتأليف السيناريست العظيم وحيد حامد .
والأن يريدون أخذ صورتهم وهم لا يضحكون ، بل وهم :
" يصرخون ويهددون ويحرقون ويخربون ، وأيضا يقتلون علنا وبدون خوف أو حياء " .
هذا ما يريده الناس بعد أن فقدوا كل ثقة في غد أفضل لهم ولمصرهم التي أنتهكت كرامتها من الجميع .
0 comments:
إرسال تعليق