في مثل هذا اليوم قبل أحد عشر عامًا طربت السماء. الملائكة رقصت بفرح عظيم. صارت الأنهار أشهى والنور أبهى. وصوت من بعيد يهمس: على القدس السلام وفي الذكرى المسرة.
والصدى من على جبل الزيتون يهتف أنّ القدس عروس عروبتهم، لا رقيب ولا حسيب، فنحن قوم نولد من حناجر فماذا لو وقف صاحب الهتاف، هناك في لندن، وراء باب حانته ليسترق السمع وغاب عنه أن أبواب القدس سبعة وهي مشرعة لكل صدّيق وزانٍ يدخلونها بإذن من جند قيصر ويغادرونها بأمر من قيصر.
كانت وستبقى كما غنّوا لها مدينة للصلاة. أمامها خشعوا وناموا على صدرها ولكنّ الجنّ ما خشيت منهم ولا تاب عصاة. صاحوا بأن جندًا من الملائكة ترابط وتحميها من كل شرّ وفرّ وفاجر، صاحوا وما حفل فضاؤها إلّا ببنات جبالهم ووجع الغزالة في ليلة صيد وحشية. وقالوا، كذلك، أنها مدينة من ذهب ومن نحاس ومن نور، فصارت لهم مناجم ماسٍ وأسى ومذابح من حجر وقداسة وهمية. أقسموا، جميعًا، أن يُبقوا ليلها نهارًا لتأمن عذاراها سطوة الغدر وانفلات الشهوات، فما كان إلّا ما كُتب في سفر العقارب عن معنى الوفاء.
هي القدس، أعود إليها كلّما همّ الربيع إلى رحيل. أيّار الدمعِ متعب من سفر الليالي القبيح ووداع الأحبة، يبتعد إلى حيث لا ندم وعلى أسوارها لا يبقى إلا تنهيدة فجر قتيل وليل الأرامل، لا راية يسلّمها أيار لحزيران، إلا الراية البيضاء، راية الفاتحين في ليالي الوطء الشرقية وراية الطهر المحنّط. أيّار يا بئرا لعرق الكادحين ودمهم ويا أسودُ، يا صانع النكبة ارحل وخذ سمّك ومصلك واشبع فلقد أطعمناك بواكيرنا وحكمتنا وفيصلًا ولم تكف. ما بالك تختال كابن السماء المدلل؟ أخذتَ صاحب الحقل فرحلت الطير عن البيدر فبماذا نطعمك يا جشعُ يا غدّار؟ خطفت ناطور قلعتنا فـ"دشعت" الأفاعي وصال وجال أعوان قيصر فأين نأويك وكيف نأمنك؟ ارحم أبناء النحر والنكسة، أحفاد النكبة، جيران للقمر، ينامون على تعويذة زرقاء تقيهم من عين كل حاسد وحالم بوطن وتشفع لهم في يوم بؤس وفي قضاء عطلة إيلاتية ووطر. ينامون على ما تيسّر من أحلام يوم مضى ويفيقون على أذان فجر وحلم قد تبخّر.
ارحل أيّار، ارحل وكفى عقدًا من خوف ولعنة وضجر. فمدينة الأنبياء، أمَةُ الملوك الأثيرة صارت محظية لـ"موسكوفيتش"، تاجر من بلاد بعيدة يفك ضفائرها جديلة جديلة ويهيّئها ليوم الغمام الكبير هناك على جبل الهيكل، بيت الرب حيث كانت اللوعة واللهفة وما زال مربط الفرس.
ارحل أيّار واتركنا لجراحنا ينكأها كل يوم منا حاوٍ ومزايد من سلاطين الكلام والترف. ارحل أيار واتركني فأنا اليوم على ميعاد وخبر. أتركني لأسرد، كما يليق بالأمراء أن تسمع، قصص المدائن الضائعة وحقول تنبت اليأس والرذيلة. اتركني لأقول لليمام أن البيت موصد والمفتاح في الطاحونة. لن أطيل ولن أثقل فالحكاية قصيرة كحكايا الموت. فما بنيت، يا أميرُ، هدم وعود الند في ساحة البيت كسر وحل الخراب وساد يباب. أحكموا القبضة بعدما رسموا الخطة والهدف. لن نبقِ للشرق قدسه، قالوا. خنقوها وسمّموا شوارعها وبيوتها. هدموا قوامها بحكمة مجرم متغطرس مجرّب. فتتوا مجتمعها حتى بات هزيلًا فاقدًا لمقومات المجتمعات الوطنية السليمة المقاومة للذل والمهانة والداء الخبيث. أغلقوا المؤسسات التي بدونها يبقى المجتمع يئن من نقوصات وعاهات وبعضها لجأ طواعية إلى ما بعد أسوار المدينة، ولا أقصد أسوار السلطان سليمان، بل تلك التي من شارون وباطون وبيبي. غيّبوا الفضيلة وأتاحوا للجريمة حيزًا فسادَ سماسرة وقوّادون وأصحاب الشهوة والعضلات. المقدسيون هجروا أو غابوا ومجتمع جديد تشكّل. أفراد تزاحم أفرادًا.
إيه يا فيصل، أقصُّ وأعرف كم أوجعك! فالقدس ليست بحاجة إلى باب، القدس بحاجة إلى بوّاب. والقدس ليست بحاجة لمعبد وصلاة، القدس بحاجة لبعض من صدق ووفاء.
أيار يا شهر الندى والملح، غِب وأعد إلينا أحبابنا ولو توهُّمًا، ففي زمن الهزال هذا لا بأس بحلم من برق وبعده ليكن ما كان، لتكن الهزيمة والخديعة. غِب يا شهر الأنين والدمع وأعد إلينا غمدنا عسانا نرقص ولو على جناح فراشة، ففي زمن النفاق والشقاق لا بأس للمكسورين من رقصة النحل في طقوس الحب والموت السعيد.
غِب يا شهر الردى وأعد إلينا فيصلًا، ففي حزيران لا راية إلا الراية البيضاء، راية عذارى الشرق يرفعها الفاتحون في ليالي صيد وحشية. غِب يا أيار وخذ معك الهياكل وخدّامَ النفاق والحجر وعُدْ إن شئت، فالقدس من ذهب ونحاس ونور، والقدس كانت وستبقى للفيصل ومن آمن مثله. هكذا بلغتني الطير ووشى لي القمر.
والصدى من على جبل الزيتون يهتف أنّ القدس عروس عروبتهم، لا رقيب ولا حسيب، فنحن قوم نولد من حناجر فماذا لو وقف صاحب الهتاف، هناك في لندن، وراء باب حانته ليسترق السمع وغاب عنه أن أبواب القدس سبعة وهي مشرعة لكل صدّيق وزانٍ يدخلونها بإذن من جند قيصر ويغادرونها بأمر من قيصر.
كانت وستبقى كما غنّوا لها مدينة للصلاة. أمامها خشعوا وناموا على صدرها ولكنّ الجنّ ما خشيت منهم ولا تاب عصاة. صاحوا بأن جندًا من الملائكة ترابط وتحميها من كل شرّ وفرّ وفاجر، صاحوا وما حفل فضاؤها إلّا ببنات جبالهم ووجع الغزالة في ليلة صيد وحشية. وقالوا، كذلك، أنها مدينة من ذهب ومن نحاس ومن نور، فصارت لهم مناجم ماسٍ وأسى ومذابح من حجر وقداسة وهمية. أقسموا، جميعًا، أن يُبقوا ليلها نهارًا لتأمن عذاراها سطوة الغدر وانفلات الشهوات، فما كان إلّا ما كُتب في سفر العقارب عن معنى الوفاء.
هي القدس، أعود إليها كلّما همّ الربيع إلى رحيل. أيّار الدمعِ متعب من سفر الليالي القبيح ووداع الأحبة، يبتعد إلى حيث لا ندم وعلى أسوارها لا يبقى إلا تنهيدة فجر قتيل وليل الأرامل، لا راية يسلّمها أيار لحزيران، إلا الراية البيضاء، راية الفاتحين في ليالي الوطء الشرقية وراية الطهر المحنّط. أيّار يا بئرا لعرق الكادحين ودمهم ويا أسودُ، يا صانع النكبة ارحل وخذ سمّك ومصلك واشبع فلقد أطعمناك بواكيرنا وحكمتنا وفيصلًا ولم تكف. ما بالك تختال كابن السماء المدلل؟ أخذتَ صاحب الحقل فرحلت الطير عن البيدر فبماذا نطعمك يا جشعُ يا غدّار؟ خطفت ناطور قلعتنا فـ"دشعت" الأفاعي وصال وجال أعوان قيصر فأين نأويك وكيف نأمنك؟ ارحم أبناء النحر والنكسة، أحفاد النكبة، جيران للقمر، ينامون على تعويذة زرقاء تقيهم من عين كل حاسد وحالم بوطن وتشفع لهم في يوم بؤس وفي قضاء عطلة إيلاتية ووطر. ينامون على ما تيسّر من أحلام يوم مضى ويفيقون على أذان فجر وحلم قد تبخّر.
ارحل أيّار، ارحل وكفى عقدًا من خوف ولعنة وضجر. فمدينة الأنبياء، أمَةُ الملوك الأثيرة صارت محظية لـ"موسكوفيتش"، تاجر من بلاد بعيدة يفك ضفائرها جديلة جديلة ويهيّئها ليوم الغمام الكبير هناك على جبل الهيكل، بيت الرب حيث كانت اللوعة واللهفة وما زال مربط الفرس.
ارحل أيّار واتركنا لجراحنا ينكأها كل يوم منا حاوٍ ومزايد من سلاطين الكلام والترف. ارحل أيار واتركني فأنا اليوم على ميعاد وخبر. أتركني لأسرد، كما يليق بالأمراء أن تسمع، قصص المدائن الضائعة وحقول تنبت اليأس والرذيلة. اتركني لأقول لليمام أن البيت موصد والمفتاح في الطاحونة. لن أطيل ولن أثقل فالحكاية قصيرة كحكايا الموت. فما بنيت، يا أميرُ، هدم وعود الند في ساحة البيت كسر وحل الخراب وساد يباب. أحكموا القبضة بعدما رسموا الخطة والهدف. لن نبقِ للشرق قدسه، قالوا. خنقوها وسمّموا شوارعها وبيوتها. هدموا قوامها بحكمة مجرم متغطرس مجرّب. فتتوا مجتمعها حتى بات هزيلًا فاقدًا لمقومات المجتمعات الوطنية السليمة المقاومة للذل والمهانة والداء الخبيث. أغلقوا المؤسسات التي بدونها يبقى المجتمع يئن من نقوصات وعاهات وبعضها لجأ طواعية إلى ما بعد أسوار المدينة، ولا أقصد أسوار السلطان سليمان، بل تلك التي من شارون وباطون وبيبي. غيّبوا الفضيلة وأتاحوا للجريمة حيزًا فسادَ سماسرة وقوّادون وأصحاب الشهوة والعضلات. المقدسيون هجروا أو غابوا ومجتمع جديد تشكّل. أفراد تزاحم أفرادًا.
إيه يا فيصل، أقصُّ وأعرف كم أوجعك! فالقدس ليست بحاجة إلى باب، القدس بحاجة إلى بوّاب. والقدس ليست بحاجة لمعبد وصلاة، القدس بحاجة لبعض من صدق ووفاء.
أيار يا شهر الندى والملح، غِب وأعد إلينا أحبابنا ولو توهُّمًا، ففي زمن الهزال هذا لا بأس بحلم من برق وبعده ليكن ما كان، لتكن الهزيمة والخديعة. غِب يا شهر الأنين والدمع وأعد إلينا غمدنا عسانا نرقص ولو على جناح فراشة، ففي زمن النفاق والشقاق لا بأس للمكسورين من رقصة النحل في طقوس الحب والموت السعيد.
غِب يا شهر الردى وأعد إلينا فيصلًا، ففي حزيران لا راية إلا الراية البيضاء، راية عذارى الشرق يرفعها الفاتحون في ليالي صيد وحشية. غِب يا أيار وخذ معك الهياكل وخدّامَ النفاق والحجر وعُدْ إن شئت، فالقدس من ذهب ونحاس ونور، والقدس كانت وستبقى للفيصل ومن آمن مثله. هكذا بلغتني الطير ووشى لي القمر.
0 comments:
إرسال تعليق