..... ليس بخاف على أحد حجم الضغوط والمضايقات التي يتعرض لها شعبنا في القدس،حيث أن الاحتلال يسعى لتدمير الإنسان الفلسطيني،وسلخه عن واقعه وتفريغه من محتواه وأية مضامين وطنية،ناهيك عن تحويله إلى كتلة من الحطام البشري،الذي يشكل عبئاً على أسرته وعائلته ومجتمعه،وهو لا يترك أي فرصة او وسيلة إلا ويستخدمها تجاه تنفيذ مخططاته في هذا الجانب،مستغلاً حالة الفراغ السياسي وتراجع وانكفاء الحركة الوطنية بفعل شدة الهجمة الاحتلالية عليها،ووجود قرار عند بعض الجهات النافذة فلسطينياً بإضعافها وتبهيت دورها.
ونتيجة لوجود الفراغ السياسي وضعف وترهل الحركة الوطنية وعدم وجود عنوان ومرجعية مقدسية موحدة شعبية قادرة على الإحاطة بالوضع والهم المقدسي وتمتلك المبادرة الإبداع.
كل هذا دفع بالخفافيش والطحالب لكي تظهر وتخرج وتنمو وتتسلق وتتفرعن،وتحاول ان تحل محل الحركة الوطنية وتطرح نفسها كعنوان وبديل،بل ويتمادي البعض الى ما هو ابعد وليتجاوز كل الخطوط الحمراء،ويكشف عن نفسه بكل سفور ووقاحة،ويطرح مشاريع وأفكار على درجة عالية من الخطورة،من طراز ان المقدسيين يريدون بقاء الاحتلال،أو دعوة الشباب المقدسي للخدمة في شرطة الاحتلال(الخدمة المدنية)،وتصوير الأمر على انه خدمة للقدس وسكانها،مستغلين بذلك بعض الشباب والاهالي غير الواعين،أو الذين يعانون من ظروف اقتصادية واجتماعية صعبه،ويقوموا بطرح مشاريعهم وأفكارهم عليهم،والعراب في هذه القضية هم من رجال العشائر الذين لهم ارتباطاتهم وعلاقاتهم مع الاحتلال،ويقول ويزعم عراب هذا المشروع الخطير نسيبة خطيب (31 ) عاما من قرية برطعة بأنه نجح في تجنيد (150 ) شاب وفتاة مقدسية للخدمة المدنية،وخطورة المسألة ليست هنا فقط إذا ما كان صحة في حديثه،بل القول بأن الكثير من رجال الأعمال العرب المقدسيين يدعمون مشروعه،وهنا يجب علينا أن نكون حذرين فهؤلاء الأشخاص والمرسوم لهم دور في إطار سياسة الاحتلال ومشاريعها لتهويد واسرلة المدينة،يبثون الإشاعات والأكاذيب ويضخمون الأمور من أجل إظهار الواقع على غير حقيقته،فهذه معركة تستهدف السيطرة على العقل الفلسطيني،وبالتالي قد يكون هناك بعض رجال الأعمال المرتبطة مصالحهم بوجود الاحتلال او من الذين يستثمرون في إسرائيل والمستوطنات كما قال وذكر عيسى سميرات في رسالته للماجستير يناصرون ويدعمون هذه الفكرة،فمصالحهم ومصالح المنظرين لفكرة التجنيد للخدمة المدنية ملتقية بالحفاظ على مصالحهم وخدمة الاحتلال.
ومن هنا يتوجب على الحركة الوطنية بمختلف تلاوينها السياسية ومعها مؤسسات المجتمع المدني والأهلي المقدسي،أن تأخذ دورها في هذا الجانب،وتتصدى لمثل هذه الظواهر الخطيرة التي تمس بوطنية وانتماء شباب شعبنا،فلا يعقل أن يصبح أبناء مدينتنا أداة ورأس حربة للاحتلال،يستغلهم لخدمة أهدافه ومشاريعه في المدينة.
وهنا يتوجب علينا كمقدسيين القيام بعمليات التوعية والتحريض وحتى فرض المقاطعة على كل من يمارس او يشارك او يدعو لمثل هذه الأفكار ويروج لها.
والهجمة على الشباب المقدسي ليست مقتصرة على هذا الجانب،فالاحتلال ينقل تجاربه ونجاحاته التي حققها في المدن الفلسطينية(المختلطة) في الداخل (اللد والرمله وعكا ويافا) الى مدينة القدس،من حيث نشر الأمراض والافات الاجتماعية من مخدرات ومشاكل اجتماعية في أوساط الشباب تحديدا والمجتمع الفلسطيني عموماً،حيث أضحت تلك المدن بؤر ومراكز بيع وتوزيع للمخدرات،وما تركه ذلك من نتائج وخيمة على شعبنا هناك،من تدمير وضياع للشباب،بل أصبحت هناك "مافيات" تتحكم بمصير تلك المدن،وما تبع ذلك من خلق لنزاعات وخلافات عائلية وعشائرية وعمليات قتل وثأر،وما حدث في الداخل الفلسطيني جرى نقله للقدس،حيث أصبحت المخدرات منتشرة في القدس بكل تجمعاتها وزقاقها وحواريها وشوارعها،فالشباب الفلسطيني محبط ويعاني من ضغوط اقتصادية واجتماعية ونفسية كبيرة جداً،والمؤسسات التي تعنى بالشباب محدودة،والبرامج الموضوعة لا تفي بالغرض المطلوب،والمعطيات التي تنقلها المؤسسات العاملة في حقل الوقاية من آفة المخدرات تشير إلى وجود رقم مرعب عن عدد المتعاطين والمدمنين في مدينة القدس،فهي تتحدث عن (12- 15 ) ألف مدمن ومتعاطي في محافظة القدس،منهم على الأقل 1500- 2300 متعاطي ومدمن حشيش وكحول تعاطوا لمرة واحدة خلال السنوات الثلاثة الماضية من الفئة العمرية 12- 25 سنة.
وبرامج التوعية والوقاية من هذه الآفة محدودة وهي لا تصل الى 1000 طالب وشاب سنويا حسب ما ذكره تقرير مركز البلدة القديمة للإرشاد- طاقم الكاريتاس- ولا تنفذ أية برامج وقائية في الأندية والمؤسسات الشبابية والنسوية والاجتماعية.
وليس هذا فحسب فالتمويل لمثل هذه البرامج محدود،والمسالة هنا بحاجة إلى جهد جماعي وبقيادة لجان مهنية ومختصة في هذا الجانب،ومن الضروري استغلال وسائل الإعلام والمؤسسات التربوية والتعليمية في عمليات التوعية،مثل صفحات التواصل الاجتماعي ،الراديو والتلفزيون، بث مقاطع حول مخاطر المخدرات وطرق الوقاية منها،وإذا لم تضافر الجهود وتتوحد الطاقات فنحن أمام وضع كارثي في المدينة يتصاعد ويتفاقم،وبما ينذر بتدمير شامل للنسيج المجتمعي المقدسي،ونحن لسنا نقف عند الخطوط الحمراء،بل ما بعد ذلك،والتجاوز لتلك الخطوط،لن يقف وينتهي عند تلك الحدود،فحالة الضعف والإنهاك والفراغ التي يعاني منها المجتمع المقدسي،فصائل واحزاب ومؤسسات وغيرها،بدعم مباشر من الاحتلال فتح المجال والباب على مصرعيه،للبعض لكي يجاهر ويتباهى بالخروج عن الثوابت والخطوط الحمراء،حيث جرى تشكيل لجان إصلاح عشائري مرتبطة بشرطة الاحتلال،يناط بها التدخل في قضايا الخلافات والمشاكل الاجتماعية،وهذا يجعل الوضع الاجتماعي المقدسي أمام خطر داهم،وعرضه للاختراق من قبل الاحتلال وأجهزته المختلفة،تنفذ منها وتعمل على تخريب المبنى الاجتماعي المقدسي،وتبقيه في حالة من الصراع الدائم،وتحرف الصراع عن جهته واتجاه،فبدلا من أن يتفرغ الشباب لمواجهة الاحتلال ومقاومته توظف طاقاته وإمكانياته في الاحتراب والاقتتال العشائري والجهوي.
نحن في القدس ما بعد الضوء الأحمر،والخطر جد داهم،والاحتلال يجهز على المدينة بشرا وحجرا وشجرا،والمطلوب خطوات جدية وعملية على الأرض لدعم صمود وبقاء المقدسيين في وعلى أرضهم،مطلوب خطوات وبرامج تتجاوز الشعارات والتنظيرات و"الهوبرات" الإعلامية واللقاءات المتلفزة وغيرها.
0 comments:
إرسال تعليق