إسرائيل.. واستهداف الأسرى المحررين/ راسم عبيدات


...... واضح جداً أن اسرائيل لم ولن تلتزم بشروط صفقة التبادل،وقد ظهر هذا الإستهداف جلياً من قبل أن ترى الصفقة النور،حيث أن الدفعة الأولى من الأسرى المحررين أل(450) حاول جهاز الشاباك الإسرائيلي ابتزازهم وتوقيعهم على وثيقة بنبذ ما يسمى "بالارهاب" وعدم العودة للعمل المقاوم،وقد جوبهت تلك الخطوة بالرفض من قبل الأسرى،ولكن الأمور لم تقف عند هذا الحد،والإستهداف للأسرى المحررين ليس على المستويات الرسمية الإسرائيلية أمنياً وسياسياً فقط،بل وأيضاً على المستوى الشعبي،فعلى المستوى الرسمي أكثر من مسؤول سياسي وعسكري وأمني إسرائيلي هدد الأسرى المحررين بالاغتيال والتصفية والاعتقال اذا ما عادوا الى المقاومة،وكذلك قامت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بعملية دهم لأغلب بل لجميع بيوت الأسرى المحررين في الضفة الغربية والقدس والداخل الفلسطيني،وطلبت منهم مراجعة مقرات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية،حيث تم توجيه تهديدات لهم بالتصفية والاعتقال،ناهيك عن أنه جرت عملية اعتقال للعديد منهم على الحواجز العسكرية الإسرائيلية،وتسلموا عند الإفراج عنهم أوامر بعدم الدخول الى مناطق معينة أو السفر الى الخارج،فمثلاً الأسرى المحررين من القدس والداخل الفلسطيني،يحظر عليهم الدخول الى مناطق الضفة الغربية والسفر الى الخارج لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات،وكذلك الحضور والتوقيع في المقرات الأمنية الاسرائيلية شهرياً،وأما الأسرى المحررين من الضفة الغربية لا يسمح لهم بالدخول الى القدس والداخل الفلسطيني- مناطق 48 أو السفر للخارج حتى للعلاج أو لأي سبب انساني أخر.



أما على الجانب الشعبي الإسرائيلي، فالمسألة من جانب المستوطنين لن تقف عند حد التهديد بالقتل والتصفية للأسرى المحررين،بل ذهبت الى أبعد من ذلك ،حيث رصد العديد من عائلات المستوطنين مبالغ مالية كبيرة ك"مكافأة " لمن يثأر لقتلة أبنائهم من الفلسطينيين،كذلك قام المستوطنين بتوزيع صور العديد من الأسرى المحررين على الجمهور الإسرائيلي،وتعليقها على الشوارع وفي الساحات العامة مرفقة بالدعوة الى تصفيتهم وقتلهم،ومن الأمثلة على ذلك قيام عائلة"ليفمان" الإستيطانية والتي تقطن مستوطنة "يتسهار"في مدينة نابلس شمال الضفة الغربية بالإعلان "رسميا" عن جائزة بقيمة 100 ألف دولار لمن يقتل الأسيرين المحررين خويلد ونزار رمضان،واللذان أدينا قبل ثلاثة عشر عاماً بقتل شلومو ليفمان وهارئيل بن نون.



وكذلك حدث نفس الشيء مع الأسير المحرر هاني جابر من الخليل،حيث وزع المستوطنين صوره على الجمهور الإسرائيلي ودعوهم الى قتلة،على خلفية تنفيذه لعملية فدائية قرب حائط البراق بالمسجد الأقصى عام 1982 أسفرت عن قتل ثلاثة مستوطنين وإصابة العشرات،وقد أخذ الأسير جابر تهديدات المستوطنين على محمل الجد وأضطر الى ترك منزله المجاور لمستوطنة "كريات أربع" في الخليل.



وفي السياق المتعلق باستكمال الشق الثاني من صفقة التبادل،وهو إطلاق سراح 550 أسير فلسطيني أمني بعد شهرين من تنفيذ الجزء الأول، واضح أن هناك تهرب إسرائيلي من التنفيذ،حيث أعلن أكثر من مسؤول أمني إسرائيلي بارز بأن الدفعة الثانية من الأسرى المحررين ستشتمل على أسرى جنائيين من سارقي السيارات،أو المعتقلين على خلفية ما يسمى بالدخول غير الشرعي للعمال الفلسطينيين من الضفة الغربية الى القدس والداخل الفلسطيني من أجل العمل او زيارة الأهل والأقارب.

هذه الممارسات والإستهداف الإسرائيلي للأسرى المحررين يتناقض كلياً مع الشروط التي جرت على أساسها صفقة التبادل برعاية ووساطة مصرية بين اسرائيل والفصائل الآسرة للجندي الإسرائيلي"شاليط"،فإسرائيل تقوم بملاحقة هؤلاء الأسرى على تهم سابقة وتهدد بإعادتهم الى الاعتقال وتفرض قيود مشددة على حركتهم وتنقلاتهم،وتدعو علنا رسمياً وشعبياً الى تصفيتهم وإغتيالهم،وهذا معناه أن اسرائيل والتي تتحكم في أسماء ونوعية الأسرى الذين سيفرج عنهم في الدفعة الثانية،قد تفرض عليهم شروط أشد وأقصى من الشروط التي فرضت على الأسرى الذين تحرروا في الدفعة الأولى،أو أنها قد تقدم على عدم تنفيذ الجزء الثاني من الصفقة،أو ربما تلجأ الى إطلاق سراح أسرى من الذين قاربت مدة أحكامهم على الإنتهاء،أو الذين حتى إنتهت مدة أحكامهم،فهناك العشرات من الأسرى الفلسطينيين والذي قد يبلغوا لحين تنفيذ موعد الجزء الثاني من الصفقة بضعة مئات،فهؤلاء الأسرى وفق الأنظمة والقوانين المعمول بها سابقاً في السجون،كان الأسير يمنح فترة تخفيض مدتها 21 يوماً عن العام الأول من الأسر ومن ثم 14 يوماً للسنوات الأخرى وبما لا يزيد عن ستة شهور بالمجمل مهما كان طول فترة الاعتقال.

فحتى هذه المدة المسماة بالتخفيض الإداري والمعروفة بالعبرية ب"المنهليه" إستكثرتها إدارة السجون على الأسير الأمني الفلسطيني،وعملت على إلغائها وتجميد العمل بها.

دولة الاحتلال الإسرائيلي معروفة كدولة مارقة لا تحترم أو تلتزم بأية اتفاقيات أو تعهدات،وهي تضع نفسها فوق القانون الدولي،ولذلك فإن الطرف المصري الذي رعى الصفقة تقع عليه مسؤولية كبيرة في هذا الجانب،لجهة إلزام اسرائيل بإحترام شروط الصفقة،وخاصة فيما يتعلق بالملاحقة والتهديدات للأسرى المحررين ومحاولة إبتزازهم وفرض شروط إضافية عليهم،وكذلك إلزام اسرائيل بتنفيذ الجزء الثاني من الصفقة وبأن يكون الأسرى المنوي افراج عنهم،من الأسرى الأمنيين ومن الذين تبقى لهم مدة زمنية طويلة نسبياً وفي المقدمة منهم الأسرى المرضى والأسيرات.

فمن تجربتنا مع هذا الاحتلال وعقلية حكامه المتأصلة والمتجذرة فيها العنجهية والبلطجة والزعرنة،فإن أسرانا المحررين حتى لو لم يعودوا الى المقاومة،قد يجدون أنفسهم أمام الإستهداف الإسرائيلي لهم بالاغتيال والتصفية،واسرائيل لها سوابق في هذا الجانب،بل ولها سجل حافل،فالأسير العربي المحرر سمير القنطار تلق تهديدات إسرائيلية بالاغتيال والتصفية،واسرائيل تسعى الى إغتياله وهناك عشرات الحالات الأخرى المشابهة.

ومن هنا فإنه يتوجب على كل أسرانا المحررين ضرورة أخذ الحيطة والحذر،فهذا الاحتلال لا يؤمن جانبه،وعلى المقاومة والسلطة الفلسطينية أن تعمل على تأمين الحماية والأمان لأسرانا،وكذلك ضرورة وضع المجتمع الدولي في صورة ما تقوم به اسرائيل من خرق سافر لشروط الصفقة وملاحقة للأسرى وتهديدات لهم بالتصفية والاغتيال رسمياً وشعبياُ،وعليه أن يتحمل مسؤولياته في هذا الجانب،فأي مساس بأسرانا المحررين يعني أن من كانوا طرفاً في التفاوض عليهم تحمل تبعيات ما قد يحدث،فلا يجوز أن تبقى اسرائيل دولة فوق القانون توفر لها الرعاية والحماية في المؤسسات الدولية من قبل قوى دولية كبرى وفي المقدمة منها أمريكا وأوروبا الغربية ، ضد ما ترتكبه من جرائم وما تقوم به من ممارسات خارجة عن القانون الدولي.

CONVERSATION

0 comments: