لم نفاجأ بما حدث في يوم الجمعة الماضية 18/ 11 / 2011 لما حدث عندما تظاهر الإخوان ومعهم السلفيون وهما أكبر الفصائل الإسلامية تواجدا في الشارع المصري إن كان في ميدان التحرير بالقاهرة أو في أماكن التجمعات في بقية محافظات مصر والتي إشترك معهم أيضا متظاهرون من 6 أبريل ، والإشتراكيين الثوريين ، والجبهة الشعبية لدعم عمرو موسى وكان المطلب الأساسي للجماعات الإسلامية كما أطلقوا عليها هو.. مليونية المطلب الواحد لرفض وثيقة المباديء الدستورية أو ما يسمى بوثيقة السلمي .
أقول لم نفاجأ لأن المتتبع للأحداث يتوقع إن آجلا أو عاجلا ستحدث المواجهة بين التيارات الإسلامية والمجلس الأعلى للقوات المسلحة والتي ههددوا بها في أكثر من مناسبة إن لم تتحقق مطالبهم . وقد نجحوا في إحباط فكرة أن يكون الدستور أولا معتمدين على الإستفتاء الذي حدث في 19 مارس الماضي لهذا العام 2011 على تغيرات بعضا من مواد دستور 1971 والتي أدلى الشعب المصري برأيه " حسب قولهم " بالموافقة على التغيرات عندما أدلت الأغلبية بصوتها بـ " نعم " على ذلك الإستفتاء . لذلك فهم يستندون إلى إرادة الشعب ناسين أو متناسين ما حدث من تدليس في طريقة التصويت عندما وضعوا العلامة السوداء لمن يختار لا وفسروها للناس على أن من يختارها يختار الشر الأسود لمصر والشعب المصري ، ومن يختار العلامة الخضراء يكون قد إختار الجنة لمصر والشعب المصري وأتذكر أيضا أنني كتبت في ذلك الوقت أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة قد شارك بالتضليل في الأعلان الذي أعلن فيه عن موعد الإستفتاء والتأكيد عليه بوضع كلمة نعم مستقلة مما يوحي إلى البسطاء من الناس أن المجلس يريد الجنة للشعب المصري ومن يختار العلامة السوداء مصيره إلى جهنم والعياذ بالله .
لا أحد يستطيع أن يشرح لعموم المصريين السبب وراء تدليل المجلس الأعلى للقوات المسلحة للتيارات الإسلامية منذ توليه مسئولية إدارة البلاد بعد تخلي الرئيس مبارك عن الحكم . أول شيء قام به إلغاء صفة " المحظورة " عن جماعة الإخوان المسلمين . ثم الموافقة على تكوين حزب لهم . لأن الإخوان جماعة ومحظورة وليست حزبا منذ نشأتها . وإعتمد المجلس على مشايخ السلفيين في التدخل لفض أحداث قرية صول وقنا وإمبابة ، بل والسماح لأعداد غفيرة منهم كانت خارج البلاد بالعودة إلى مصر لأمر أو أخر. فقويت شوكتهم ونزلوا بثقلهم يشكلون فصيل " العضلات " للتيارات الإسلامية المتشددة . والمجلس الأعلى في غاية الإنبساط . مما دفع بالتيارات الأخرى الليبرالية والديمقراطية والمطالبين بدولة مدنية يتململون ويبدون سخطهم ويطالبون بالدستور أولا . لأن في وجود الدستور قبل الإنتخابات سيصبح أمر إدارة شئون البلاد أمرا واضح المعالم طبقا لدستور صاغ مواده فقهاء القانون دون تحيز لفصيل على حساب فصيل أخرمتجنبين ما حدث عند إختيار المواد الدستورية للأقتراع عليها التي حددها سيادة المستشار البشري التي تم الموافقة عليها بذلك الإستفتاء دون إشراك أي من الفقهاء الدستوريين معه في ذلك .
فبدأت التيارات المدنية والعلمانية برفع صوتها محذرة ومنذرة بخطورة عدم وضع المواد الدستورية تحت ميثاق المباديء الدستورية التي تكون بمثابة الضوء الذي يستنير به واضعي الدستور بعد الإنتخابات . وجاءت وثيقة السلمي التي خرجت التيارات الإسلامية يوم الجمعة الماضي والتي كما ذكرت أطلقوا عليها " مليونية المطلب الوحيد لرفض وثيقة المباديء الدستورية " .
تجمع ألاف المصريين من الجماعات الإسلامية في ميدان التحرير وعلى الرغم من إشتراك أعداد كبيرة من المصريين الليبرالين وغيرهم كما ذكرنا سابقا . إلا أن الجماعات الإسلامية كانت المسيطرة على الميدان وأصواتها صدحت بالهتافات مستخدمة الشعارات الدينية ـ لا علمانية ولا ليبرالية ، إسلامية إسلامية الشعب يريد تطبيق شرع الله ـ رغم تأكيد جميع التيارات الإسلامية أنها لن تردد أي شعارات دينية .
شاهدت الدكتور سليم العوا موجها حديثه إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة . وعندما حاول المذيع أن يتدخل مقاطعا تغير شكل الدكتور العوا وشخط فيه أمرا أن لا يقاطعه وإستمر في حديثه التهديدي للمجلس الأعلى وإلى رئيس المجلس المشير طنطاوي طالبا تسليم إدارة شئون البلاد إلى سلطة مدنية . بل أخذه حماسه مطالبا بالتنفيذ الفوري دون إنتظار أو تأجيل .
الحقيقة كانت طريقته في الحديث تثير الفضول . لأنه كان يتحدث كصاحب سلطة وسلطان .. وقد يكون .
الأنطباع العام عند الناس على تلك المليونية أنها كانت دعاية إنتخابية أكثر من أنها مليونية مطالب . ومع ذلك فقد إستجاب رئيس الوزراء معلنا أنهم سوف يصححون الوثيقة . وهذا ما كان منتظرا تلبية مطالبهم دون سواهم لأمر لا يعلمه غير الله والمجلس الأعلى .
غادر من غادر الميدان وبقي معتصما من بقي وتوافدت على الميدان موجات من الشباب أخذت تتزايد في العدد مما أعاد إلى الذاكرة تجمع شباب الخامس والعشرين من يناير وبداية الثورة وكأنهم يردون على تجمع الصباح الذي كانت غالبيته للإسلاميين والذي أكد متحدث منهم بأن الثورة الحقيقية هي اليوم الثامن عشر من شهر نوفمبر هذا العام 2011 .
وما حدث في تلك الليلة واليوم التالي يعيد أيضا ذاكرة الثامن والعشرين من شهر يناير الماضي و موقعة الجمل بعد ذلك وإستشهاد العديد من شباب وشبات الثورة . فقدت أستشهد ليلة الجمعة الماضية والسبت أعداد لم يعرف عددها بالضبط . البعض يقول أن ما حدث كان بسبب محاولات المعتصمين التوجه إلى وزارة الداخلية فمنعتهم قوات الشرطة مستخدمة كما قيل أحدث القنابل المسيلة للدموع ولها تأثيرات خطيرة ، وإطلاق الرصاص المطاطي أو الفشنك ويؤكد البعض أيضا إستخدام الرصاص الحي .
حتى كتابة هذا الكلام مساء يوم الإثنين 21 نوفمبر حسب التوقيت المحلي لمدينة سيدني الصورة ضبابية ومن الصعب التكهن بأي صورة يمكن أن تكون عليه الأوضاع في مصر . تتصارع في مصرقوى مختلفة .. قوة التيارات الإسلامية وأهمها الإخوان ، وقوة التيارات المدنية ، وقوة شباب الثورة وهي أضعف القوات الثلاث ولا نهمل قوة الفلول من أعضاء الحزب الوطني السابق وأيضا قوة البلطجية ، وقوة مجلس عسكري إزدادت الضبابية حوله حتى أصبح المواطن المصري العادي يتشكك في نواياه وظهور فيديو يتحدث فيه رئيس المخابرات ونائب رئيس الجمهورية السابق اللواء عمر سليمان بنفس صورة إعلانه تخلي الرئيس مبارك عن إدارة شئون البلاد وتسليمها إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة ، فقط بالعكس ، أي وهو يعلن تخلي المجلس الأعلى عن إدارة شئون البلاد وتسليمها للرئيس مبارك . ومع ضبابية الموقف العام في مصر تتضارب الأراء حول الأنتخابات . البعض يؤكد على أنها ستتم في موعدها وإلى النهاية للتعجيل بهذا الموقف الذي عليه حال مصر ويتم الإستقرار . والبعض يؤكد أيضا على أنه قد يذهب الناس للإنتخابات الفترة الأولى في موعدها وتحدث إحتكاكات بين المنتخبين وتسيل دماء كثيرة مما يدفع بالمجلس الأعلى إلى التدخل ووقف الإنتخابات لأجل غير مسمى مما يجعل التيار الإسلامي يفرض سلطته وقوته ويزداد نزيف الدم في حرب أهلية لا يعرف غير الله مدى عواقبها.وهنا قد تظهرشخصية عسكرية تمسك بزمام الأمور بعسكرية ديكتاتورية . وهذا ليس أمل المصريين .
في رأي المتواضع أن في مصر حاليا أزمة ثقة بين الجميع مع إستعراض للقوة إن كان من الجماعات الإسلامية أو عناصر الفلول من الحكم السابق ومن البلطجة التي أصبحت جزءا لا يتجزء من الحياة مع شديد الأسف في مصر هذه الأيام .
مهما كانت التكهنات ومهما تولدت عنه الأحداث القادمة نقول يكفي اليوم شره وندعو الله أن يشمل مصر الكنانة بالرحمة .
***********
مع شديد الأسف سمعنا اليوم برحيل رجل من أشجع الرجال وأقواهم في الحق وتصديه للباطل وتحديه لقوى الشر من الحاكم إلى كل النظام السابق دون خوف أو رهبة . رجل كنت حينما أشاهده على شاشات التلفزة في البرامج المختلفة أشعر بأنني أعرفه تمام المعرفة من مصريته الأصيلة ذات الجذور الفرعونية المصرية الريفية الشجاعة .
المرحوم طلعت السادات
نسأل الله أن يتغمده برحمته ولأسرته والشعب المصري الصبروالسلوان .
0 comments:
إرسال تعليق