ان الجامعة العربية التي تأسست عام ٥٩٩١ اي قبل ٦٦ عاما، مثّلت العرب وتمثلهم ككيانات وشعوب وذهنيات ومستويات متدنية من الطموح والوعي القومي.
عُرفت هذه المؤسسة بتقاعسها واهمالها لواجبها القومي، ولم تسجل خلال ثلثي قرن أية مأثرة في مجالات حل اي نزاع بين الاقطار العربية او حل اي خلاف او صراع.
تضم الجامعة العربية حاليا ٩١ دولة او ما يشبه الدولة، وكان عددها سابقا ١٢. ولكن توحّد اليمن و صوملة الصومال تركا لنا فقط ٩١. وقد ينخفض العدد الى أقل من اصابع اليد الواحدة اذا واصلت هذه الجامعة نهجها الجديد باستقدام الاساطيل الجوية والبحرية لدول »الردع« العالمية لتهدم وتدمر ثم تعيد البناء كما تراه مناسبا لمصالحها ومن دماء من تبقى من العرب.
لم يكن قرار تجميد عضوية سوريا الجريمة الاكبر في تاريخ الجامعة العربية... فقد سبق لهذه الجامعة ان دعت الى اجتماع قمة طارىء في آب ٠٩٩١ لمعالجة موضوع اجتياح العراق للكويت. وجاء في الكتاب الابيض الاردني الرسمي ان الملك الراحل حسين توصل مع الرئيس عرفات الى صيغة مشروع مشترك قبله العراق يقضي بتوجه وفد من الجامعة الى بغداد ليعلن قبول الانسحاب من الكويت وادخال قوات عربية تشرف على ذلك وتحل سائر المشاكل تدريجياً.
وفي الجلسة التي تقرر ان يقدم الملك الاردني مشروعه خلالها، افتتح الرئيس المصري الجلسة وقرأ المقرّرات التي أدانت العراق وطالبت بانسحابه الفوري من الكويت وإلا سيواجه القوة... والقوة التي هدد بها مبارك لم تكن عربية بل اميركية واطلسية، وللتاريخ نقول ان النظام السوري كان جزءا من تلك العملية او الجريمة القومية بتفشيل المبادرة.
وعندما حشدت اميركا بوش ربع مليون جندي واكثر من ألف طائرة وثلاثة آلاف دبابة لاجتياح وتدمير العراق في النصف الاول من العام ٣٠٠٢، لم تتحرك جامعة عمرو موسى ولم تبدِ أسفها لإبادة وتشريد اكثر من نصف سكان العراق بل راحت بعض العواصم تستقبل كولن بويل وزير خارجية بوش الذي قام بجولة تأنيب وتحذير للدويلات والمشيخات »العرمكية«.
ولكن الجريمة الجديدة بتعليق عضوية سوريا في الجامعة وتهديدها بالعقوبات والحصار وتحريض الدول الغربية ضدها مسألة تفوق التصور... انه لمن الضروري ان تكون الجامعة حريصة على حياة المدنيين السوريين وان تتدخل لوقف إراقة دماء الابرياء وان تدعو الى المزيد من الحريات السياسية، ولو كانت كل مجموعة اعضاء هذه المؤسسة العفنة لا تعرف معنى الحريات وحقوق الانسان... مقابل هذا كان من الضروري ان تنظر الجامعة - الجثة الى التحريض الاميركي المباشر الذي دعا المعارضين السوريين الى عدم تسليم اسلحتهم وعدم الثقة بالحكومة... وكان يجب ان تعلن للجميع ان مجالس المعارضة السورية المتعددة رفضت وترفض الحوار وترفض الدعوة الى وقف التظاهر مدة يوم او يومين لاعطاء الجيش فرصة كافية لسحب آلياته من داخل المدن، وان تعترف بوجود مسلحين يقومون بعمليات قتل جماعي ضد جنود ومدنيين أدت الى سقوط نحو ٠٠٣١ قتيل.
ان الجريمة الجديدة للجامعة - الجثة هي دعوة علنية لاشعال حرب اهلية يمتد لهيبها الى لبنان... كيف تسمح هذه الجامعة - المفرِّقة بفتح ابوابها لمجموعات معارضين لا يملكون موطىء قدم على الاراضي السورية وتخترق صفوفهم شخصيات فرنسية - صهيونية معروفة؟
اننا لا ندافع هنا عن النظام السوري وتجاوزاته واخطائه التي اعترف بها الرئيس بشار اكثر من مرة، وخاصة خلال سنوات الهيمنة الطويلة على لبنان. ولكن المعركة اليوم تستهدف الكيان السوري وتدمير دولته المركزية ومناعته القومية. فالوصول الى الحريات الديمقراطية واسقاط الانظمة البوليسية لا يتمّان بواسطة العصابات المسلحة بل بالحوار الجريء واستغلال الظروف المتوفرة لتحقيق ذلك.
ان اللبنانيين الذين يصفقون لقرار الجامعة - الجثة لا يفقهون أبعاد تصرفاتهم القائمة على الغريزة، يدغدهم حلم العودة الى التحكم ببلدهم مجدداً. فعليهم ان يعودوا الى ضمائرهم وعقولهم لان اي حريق في سوريا يطال لبنان الذي نال قسطه من الاضرار خلال الاشهر الثمانية المنصرمة اي منذ انفجار احداث سوريا. وعلى هؤلاء ان بتذكروا ان اكثريتهم ترعرعوا في احضان الهيمنة ورجالها، وتنعّموا بالخيرات والامتيازات ونِعَم رجال المخابرات السورية.
ان العرب في ادنى مراحل السقوط القومي المتواصل منذ عقود. ويبدو ان ما سمي بالربيع العربي يسير نحو خريف شاحب وشتاء قارس بجليده وظلاميته. ان دعوة الملك الاردني عبد الله الثاني الرئيس الاسد للتنحي وبروز العقيد رياض الاسعد على الفضائيات كقائد للجيش السوري الحرّ المنشق، هما من مؤشرات الانفجار القريب وتصاعد الازمة . ان هذه البداوة المستحدثة وغير العفوية أعادتنا الى عهود ابي جهل وابي رغال، والاتي اسوأ.
0 comments:
إرسال تعليق