إنها بوصلة الشعب السوري الثائر والمنتفض التي لا تخطئ وقد قالت كلمتها في جمعة (المجلس الوطني يمثلني) وهي لم تقل ذلك وتؤكده إلا ليقينها بأن هذا المجلس بكل أطيافه يستحق منح الثقة من هذه الجماهير الثائرة في طول البلاد وعرضها، وقد قرأت في قسمات أعضاء هذا المجلس الصدق والوطنية والثبات والإخلاص والتفاني والإيثار، وقد جعلوا مطالب الثوار نصب أعينهم فلا صوت يعلو على صوت المطالبين بالحرية والكرامة وهم الذين يدفعون مهر هذه الحرية وثمنها الغالي من دمائهم وأرواحهم وشظف عيشهم وترويع أبنائهم ونسائهم، وعذابات القهر والإذلال التي يتعرضون لها في بيوتهم وشوارع وساحات مدنهم وبلداتهم وقراهم على مدار الساعة على يد شبيحة النظام ورجال أمنه الأوباش، الذين تبلدت قيم الإنسانية لديهم وأحالتهم إلى ذئاب كاسرة وكلاب مسعورة وضباع جائعة!!
المجلس الوطني يستحق هذا التكريم من جماهير الشعب الثائرة والمحتجة وقد تمكن بحيوية ونشاط أعضائه من جعل الأحداث التي تجري في سورية هي رغيف خبز الإنسان في العالم كله وحديث يشغله عما سواه من أحداث، حتى وإن كانت تؤرق حياته الخاصة في موطنه.. وحتى في احتجاجه عما يجري في بلاده راح يسلك الطريق التي سلكها الثوار في سورية، وراحوا أبعد من ذلك فقد خطوا لوحات ويافطات غضبهم باللغة العربية وعلى الطريقة السورية، ورددوا نفس الأهازيج والطريقة التي يصدح بها بلابل الحرية في المدن والبلدات والقرى السورية المنتفضة والثائرة.
وبفضل نشاط وحيوية هذا المجلس تكثفت اللقاءات الدولية بشأن مستقبل سورية في الأيام الأخيرة بشكل كبير، حيث أصبح الوضع السوري محوراً رئيسياً في لقاءات رؤساء الدول، وسببا لاجتماعات مغلقة للدبلوماسيين في معظم عواصم دول العالم، وقد سقطت شرعية النظام السوري لدى غالبية أفراد الأسرة الدولية، وخير دليل على ذلك قرار الإدانة الذي اتخذ في الجمعية العمومية للأمم المتحدة والاجتماعات التي تعقد على مدار الساعة في عواصم القرار مع أعضاء من المجلس الوطني السوري، بما يضفي اعترافاً رسمياً مبطناً بالمجلس باعتباره الممثل الشرعي للشعب السوري الذي يناضل للخروج من دوامة قمع يمارسها نظام يائس يفقد تدريجياً جميع حلفائه وينتظر إطلاق رصاصة الرحمة عليه.
فقد صرح ميخائيل مارغيلوف رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الاتحاد الروسي، صديق النظام السوري حتى النخاع، إن "روسيا استنفدت كل الوسائل التي تسمح للرئيس الأسد المحافظة على وضعه القانوني في المحافل الدولية"، وقد جاء ذلك في تصريحات أدلى بها إلى وكالة "إيتار – تاس" الروسية للأنباء يوم 23 تشرين الثاني، معلقا على نتائج التصويت في الجمعية العمومية لهيئة الأمم المتحدة بشأن شجب خروقات حقوق الإنسان في سورية. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الوفد الروسي قد امتنع عن التصويت على مشروع القرار الذي قدمته فرنسا وبريطانيا وألمانيا.
وقال مارغيلوف "لقد كان الفيتو الأخير على قرار مجلس الأمن الدولي الوسيلة الأخيرة التي تسمح لبشار الأسد المحافظة على وضعه القانوني في المحافل الدولية. لقد كانت إشارة جدية للرئيس السوري من جانب روسيا، وبهذا الفيتو استنفدنا كافة الوسائل".
وحسب قوله فإن "على الرئيس السوري أن يفهم أن هذا الموقف ذو مدلول واحد: الإصلاحات ووقف أعمال العنف وإجراء انتخابات حرة. هذا ما يجب على القيادة السورية عمله فورا، بالرغم من أن هذا كان من المفروض عمله يوم أمس أو أول أمس".
وفي السياق ذاته التقى وفد المجلس الوطني السوري يوم الثلاثاء 22 تشرين الثاني 2011 برئاسة الدكتور برهان غليون بوزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي السيدة (كاترين أشتون)، ثم بالسيد (بيير ريمون)، رئيس لجنة الأمن والسلام في الخارجية الأوروبية، ثم مع ممثلي الدول السبع والعشرين. وتم في هذه اللقاءات تداول أهم الملفات حول الوضع السوري ابتداء من استيضاح الموقف الروسي – بعد زيارة المجلس لروسيا - ومدى إمكانية تطوير هذا الموقف والأسباب التي توضحه. وتم أيضاً مناقشة الموقف العربي، حيث توقع الأوربيون أن يؤثر الموقف العربي الموحد في الموقفين الروسي والصيني. وطلب وفد المجلس من أوروبا إيجاد حل للوضع السوري حيث للأوربيين خبرة طويلة في حماية المدنيين، ولديهم التقنيات والأدوات التي تؤهلهم لِلَعِبِ دور عملي ومباشر في هذا الإطار من مساعدات إنسانية ومعونات وأدوية.
وقد أبدى ممثلو دول الاتحاد احترامهم لهذا الشعب العظيم الذي يضحي ليل نهار، وتأييدهم لتشديد العقوبات على النظام وسيقدم المجلس الوطني للاتحاد الأوربي المزيد من المقترحات في هذا الخصوص. وتم تباحث بعض الاستفسارات عن خطة المجلس لإسقاط النظام ووضع ضمانات لحماية حقوق الأقليات الدينية والعرقية، والموقف من الجيش السوري الحر مع ضرورة الالتزام بالطابع السلمي للثورة وتأييد العمليات الدفاعية فقط التي تحمي المدنيين (حمص والرستن مثلاً). ويؤكد المجلس على ضرورة أن يكون العسكر تحت سيطرة المدنيين في سورية المستقبل وأن المجلس هو الممثل السياسي للجيش الحر.
كما استضافت مدينة الضباب لندن لقاءات للحكومة البريطانية مع وفد من المجلس الوطني رغم الضباب الذي يلف غالباً الأجواء اللندنية، إلا أن جميع الاجتماعات التي حصلت في المدينة منذ مطلع هذا الأسبوع قدمت صورة واضحة المعالم إلى حد بعيد عن الوضع السوري الذي دخل مرحلة جديدة هي مرحلة ما بعد الأسد. فأطراف المعارضة السورية في المجلس الوطني تبنت مطالب الثوار التي أجمعت على إسقاط النظام، وقدمت رؤيا مستقبلية للبلاد متشابهة جدا سواء لحماية حقوق الأقليات وصون العيش المشترك ونبذ الطائفية وتأكيد مدنية الدستور، مما خلف انطباعاً ممتازاً لدى الحكومة البريطانية.
كما استقبل وزير الخارجية الفرنسي (آلان جوبيه)، يوم الأربعاء ٢٣ تشرين الثاني، وفد المجلس الوطني السوري برئاسة الدكتور برهان غليون وقد تناولت المباحثات التطورات في سورية، والموقف الفرنسي منها، وقد تعهد الوزير الفرنسي في استمرار الضغط على النظام السوري لوقف المجازر التي يرتكبها بحق الشعب الأعزل، ووضع الوفد بصورة الجهود التي تقوم بها بلاده من أجل الحصول على قرار دولي يدين الممارسات القمعية للنظام، ويفتح المجال لآليات من أجل حماية المدنيين، وهو المطلب الأساسي للمجلس الوطني السوري.
وفي معرض النقاش حول إمكانية إرسال مراقبين دوليين من أجل حماية المدنيين، تطرق الوزير الفرنسي إلى استياء الدول الأوربية والعربية من عدم تجاوب النظام السوري مع أي مبادرة في هذا الشأن، الأمر الذي يدفع المجتمع الدولي إلى التفكير بآليات أخرى، نظراً لوصول الوضع الإنساني المتردي في أماكن مثل حمص. وتم البحث في إمكانية إيجاد منافذ آمنة لإيصال المساعدات الإنسانية للمناطق المنكوبة التي تتعرض إلى حملات قمعية وتنكيل من قبل الأجهزة الأمنية وشبيحة النظام، بما ينسجم مع المبدأ القانوني الدولي الذي يحمل المجتمع الدولي المسؤولية في حماية المدنيين. كما أطلع وفد المجلس الوزير الفرنسي على الجهود الحثيثة التي يبذلها المجلس، من خلال الجامعة العربية، على صعيد استكمال بنيته التنظيمية وتقديم رؤيته للمرحلة الانتقالية التي تشمل تنحي بشار الأسد والانتقال السلمي للسلطة إلى حكومة انتقالية تقود البلاد إلى النظام الديمقراطي التعددي. وأثناء المؤتمر الصحفي للوزير جوبيه والدكتور غليون، أوضح الوزير الفرنسي أن استقباله لوفد المجلس هو اعتراف بأن المجلس هو الكيان الشرعي الذي ستتعامل معه الحكومة الفرنسية، في هذه المرحلة من نضال الشعب السوري من أجل نيل حريته وكرامته.
واللافت في الاجتماعات الأخيرة أيضاً البحث في آخر الدواء (الكي) أي التدخل العسكري، فالمجلس الوطني السوري يهمه بالدرجة الأولى حماية المدنيين بأي وسيلة كانت تلبية لمطالب الثوار الذين سموا إحدى جمع ثورتهم بجمعة (نريد حماية دولية) لذا فلا فارق عند المجلس الوطني من يقوم بفرض الحظر الجوي لحماية المواطنين وتأمين ملاذ آمن للمنشقين من الجيش ومؤسسات الأمن، وإن كان يفضل أن يتصدى العرب لهذا الأمر.
كما أكدت وزيرة الخارجية الإسبانية (ترينداد خمينز) أن حكومة بلادها ستتعامل مع المجلس الوطني السوري فيما يخص شؤون سورية، مؤكدة أن قنوات الحوار مع النظام السوري كلها قد أغلقت. وقد قام وفد من المجلس الوطني السوري برئاسة أحمد رمضان عضو المكتب التنفيذي بزيارة رسمية لإسبانيا يوم الأربعاء ٢٣ تشرين الثاني ٢٠١١ والتقى عدداً من المسؤولين على رأسهم وزيرة الخارجية الإسبانية التي قالت "إن على بشار الأسد أن يرحل"، وعبرت عن "دعم بلادها للمجلس الوطني السوري كعنوان للشعب السوري الساعي للحرية والديمقراطية". واستعرض في اللقاء الخطوات التي قطعها المجلس في استكمال بنيته، والتطورات الأخيرة على صعيد جامعة الدول العربية ونية الأوربيين تصعيد العقوبات الاقتصادية والضغط السياسي ضد النظام السوري.
لم تكن أبواب المجلس الوطني يوماً موصدة بوجه أي طيف معارض يتبنى مطالب الثوار ويعمل على تحقيقها ويؤمن بعدالتها، وهو يعمل بجدية لاحتواء هذه الأطياف المعارضة وقد نسمع قريباً عن قيام مؤتمر وطني مشترك ينسق المجلس الوطني السوري لعقده برعاية جامعة الدول العربية، وفي نفس السياق فقد أكد مصدر دبلوماسي عربي لجريدة ـ"المستقبل" اللبنانية أن "تونس ستستضيف أول اجتماع للهيئة العامة للمجلس الوطني السوري في أول أيام كانون الأول المقبل".
لهذه الأسباب وغيرها اتخذ الثوار قرارهم بالاعتراف بالمجلس الوطني ممثلاً شرعياً ووحيداً لهم عندما قرروا تسمية إحدى جمعهم بجمعة (المجلس الوطني يمثلني).
0 comments:
إرسال تعليق