الرئيس الأسد الذي قبل أن يعدل الدستور السوري لكي يتسلم الحكم بعد أبيه وقع على ما يبدو في فخ النظام وهو سوف يتحمل كل أغلاطه وقد يشكل الضحية بالمعنى الحصري للكلمة التي ستقدم عن كل الاساءات المقترفة من أرباب هذا النظام البائد.
الرئيس الشاب الذي كانت له فرصة التعلم في الخارج والاطلاع على تطور الأنظمة في بريطانيا والتي تعتبر واحدة من أمهات الديمقراطية في العالم، وقع في المحظور وقبل بتسلم رئاسة نظام بعيد كل البعد، ليس فقط عن الديمقراطية، بل حتى عن المفاهيم الانسانية في تعامله مع الرعية.
الدكتور بشار الأسد الذي يقال بأنه طبيب عيون متخرج من إحدى أرقى الجامعات العالمية أصيب بقصر نظر جعله لا يرى بديهية عقاب الاستمرار في مواجهة الشعب السوري، وهو شعب عرف عبر تاريخه ألوانا من الأنظمة وأشكالا من السلطة تغيرت وتبدلت بالقهر والتمرد في كثير من المرات وبقي هو مستمرا بينما ذهب الطغاة.
كنا نتمنى والعالم معنا بأن يستدرك الرئيس الشاب نهاية طريق الديكتاتورية في سوريا ويبدأ باكرا بتصحيح أخطاء ورواسب حكم المرحوم والده وشلته، وقد أعطي أكثر من عشر سنوات، وفرص متعددة، واشارات واضحة من كبار قادة العالم، لكي يبدأ بالتغيير ويتجاوز مفهوم مراكز المخابرات لادارة البلاد في زمن ما بعد الأسوار الحديدية وأنظمة القمع، ولكنه فوّت الفرصة تلو الأخرى. فيوم زاره الجنرال باول وقال له بالحرف بأنه لم يعد لسوريا من دور خارجي ويجب أن يركز على الاصلاح في الداخل، لم يكن وزير خارجية الولايات المتحدة ينطق برايه الشخصي بل كانت هذه رسالة لم يستفد منها الرئيس الأسد. ويوم ترك جماعته ينفذون قتل الرئيس الحريري وشاهد بأم العين ثورة اللبنانيين وتجمع العالم في سبيل الاقتصاص من الجناة، تصرّف وكأنه لا يعنيه هذا الأمر قطعيا، ويوم سانده الرئيس ساركوزي وأعاده الملك عبدالله إلى الساحة اللبنانية اعتقد بأنه لا غنى عنه، وحتى بعد بدء الربيع العربي وسقوط "حليفي" الولايات المتحدة الرئيس زين العابدين في تونس أولا ومن ثم الرئيس مبارك في مصر، لم يتلقى الاشارة ويبدأ بتحسين الأمور وتغيير الواقع، وربما افهمته زمرة النظام بأنه اقوى من أن تطيح به ثورة شعبية وأحنك من أن تعانده مجموعة هواة. ولكن فات هؤلاء بأن الزمن وحده كفيل بأن يستدرك الناس خطورة التكاذب واللعب على الشعارات وإلهائهم دوما بالنظريات القومية والتي لم تأتهم يوما بالمن أو القوت فكيف إذا ما ترافق مع كل العنف والقهر الذي مورس بحقهم؟
لقد مرت على سوريا وشعبها محن كثيرة وحكام عديدين حكم بعضهم بالحديد والنار فلم يبقى لهم أثر في سجلات أبنائها ولو أدرك الرئيس الأسد معاني التأقلم مع الواقع وإدارة ثورة من الداخل على غرار ما قام به الرئيس غورباتشوف، وهذا ما أمل به البعض، لكان دخل التاريخ من الباب الواسع، ولكان وفر على كل جماعته ذل الأيام القادمة، وعلى الشعب السوري مزيدا من القهر والعنف والتقاتل والتفكك. ولكنه وزمر النظام البائد فضلوا، ككل مستبد ظالم، تجربة إرضاخ الناس التي تعودوا عليها، وهم لم يسمعوا يوما لرأي آخر ولا أحبوا أن يتقبلوا أية نصيحة ولو من الأقربين، وإذا بهم يقعون في فخ أعمالهم وتنقلب عليهم لعبتهم وتتألب الدول والأمم لتتخلص من غيهم وظلمهم للناس.
اليوم وبعد أن استعاد العرب، بفضل حكمة الخليجيين الذين عرفوا أكثر من غيرهم ما يمكن أن يحصل في هذه المنطقة، وسارعوا إلى التعاون مع دول القرار التي تحترم نفسها لتأمين المزيد من الاستقرار، ها هي الجامعة العربية تعود لتأخذ دورا على مستوى القرار الدولي، وتسهم في وضع حد لتجبّر أهل النظام في سوريا، فتزيد من سرعة سقوط حكم أراد أن ينتهي بالدم، وطغمة أرادت لها دماء كل المظلومين أن تتذوق طعم المرارة التي أذاقتها للغير طيلة حكم الأجهزة وجماعة تفقيس منظمات التخريب والإرهاب، هؤلاء الذين لم يريدوا لشعوب هذه المنطقة أن لا تستقر ولا تهنأ بالعيش الرغيد فحسب بل أرادوا أيضا اللعب مع الكبار وتصدير إرهابهم (كما كان فعل القذافي) إلى دول العالم، معتقدين بأنهم قادرين على تنفيذ نفس اللعبة وابتزاز الدول الكبرى كما كانوا يبتزون دول المنطقة وشعوبها.
قرار الجامعة العربية في عزل سوريا كليا في المواصلات الجوية والتعاملات المصرفية هو قرار حكيم ومهم ولو متأخر، وهو لا بد أن يزيد من الأمل عند المقهورين في بلاد الشام، ويسهم في تقليص فرص هذا النطام المتهاوي، ويعطي صورة واضحة لضباط وجنود الجيش السوري بأن أيام هذا الحكم معدودة ولا يجوز الاستمرار في مساندته ضد إرادة الشعب. وسيتبع هذا القرار بالطبع مزيدا من التصعيد الدولي المستند إلى حكمة العرب ومطالب السوريين وتعنت النظام الذي أصبح يشبه العصابة المسيطرة على البلاد أكثر من مجرد نظام مكروه.
المشاريع أو الخطط الدولية التي تكلمت عن مدن آمنة داخل سوريا وممرات انسانية ومناطق حماية على الحدود التركية قد لا يعود هناك حاجة لها إذا ما حسم السوريون الأمر وسارعوا بالتحرك باتجاه قلب المعادلة الحالية ومنع النظام من الاستمرار بمعركته الخاسرة. والخطوة العربية ستسهم في تطور الوضع بالطبع ولكنها قد تكون بحاجة لخطوات دولية مساعدة أيضا توضح المستقبل للمترددين داخل المؤسسة العسكرية وتقنع المسؤولين بعدم جدوى القتال ضد مواطنيهم ووقف آلة العنف بسرعة وتفكيك أجهزة القمع ومنعها من ممارسة أعمال القتل وتطوير مسلسل الحقد في داخل البيت. صحيح بأن المنظومة التي حكمت البلاد مدة 40 سنة بالقوة والعنف والفساد وتحقير المواطنين لن يكون من السهل عليها أن تتغير بين ليلة وضحاها ولكن يمكنها أن تفهم الصورة بشكل أسرع إذا ما وضعت الأمور في قالب صحيح يستند إلى الشرعية الدولية. وهنا نود أن يستمع الروس إلى صوت العقل وينضموا إلى الجهود الدولية لإنهاء الأزمة وربما تكون قطع الأسطول الروسي الراسية قبالة طرطوس هي من سوف يقل الرئيس بشار وحاشيته إلى ملاذ آمن وينهي التعنت وضرورة القتال حتى آخر جندي أو مواطن سوري.
يبقى أنه على أذناب النظام السوري في لبنان تفهم الأمور على حقيقتها وعدم التسرع ومحاولة القفز على الحبال، ويجب أن يتقبلوا باكرا الأمر الواقع ويتصرفوا بحكمة وبدون تشنج لكي لا يصدموا هم أيضا بطريقة محزنة. ولا نقول هذا لحزب الله لأنه ليس من أذناب النظام السوري؛ فهو فيلق إيراني متواجد على الأراضي اللبنانية وعليه التصرف بانضباطية بانتظار ما ستؤول إليه الأمور بين المجتمع الدولي وإيران. ونحن ننصح اللبنانيين بالابتعاد قدر الامكان عن هؤلاء في هذه الظروف لأنه من غير المعروف ماهية مصيرهم .
الشعب السوري الذي ناضل بتصميم لتغيير الواقع ودفع دماء غالية في سبيل الحرية، لا بد له في النهاية من التغلب على الصعاب ومواجهة المستقبل بتخطيط وتعمّق في مساوئ السنوات العجاف، وأخذ العبر من محاولة فئة منه التحكم بالآخرين. ومن هنا على القيمين وقادة الرأي التخلي عن الخطاب القومي والتعسفي الذي مارسه البعث طيلة 50 سنة ونيف، والتطلع إلى قيم الحضارة، والتعلّم من تجارب الآخرين لبناء مجتمع متعاون يقوم على أفضل العلاقات الانسانية بين مركبات الشعب السوري وفئاته، وعلى الاعتراف بكل جيرانه واحترامهم، والعمل على اقامة علاقات مستقرة مبنية على الثقة والتعاون في سبيل مصالح الشعوب ومستقبلها.
لم نكن نتمنى للرئيس الأسد نهاية دموية كتلك التي حصل عليها القذافي، ولا محاكمة سريعة كمحاكمة صدام بل انسحاب مشرف من الساحة بضمانه دولية قبل أن تطلطخ يداه بدماء السوريين. اليوم وبعد كل هذه الدماء هل بقي هناك من أمل لتنحي الديكتاتور الصغير أم أنه فوت كل الفرص وبدأ يحتضر؟
0 comments:
إرسال تعليق