منذ ان نشرت الصحف خبر اختفاء الاستاذ شبلي العيسمي قبل عدة أشهر، برزت الى الذاكرة فوراً صورتان: الاولى اختفاء المناضل المغربي المهدي بن بركة عام ٥٦٩١، والثانية اختفاء الإمام الصدر عام ٨٧٩١. واختفاء الشخصيات البارزة على يد الاجهزة الامنية الحكومية معروفة النتائج، كما قال الصحافي الراحل ميشال ابو جودة عندما تعرض للخطف عام ٤٧٩١. قال بعد عودته: »أرجو ان لا يسألني احد عما جرى، اذا عاد المخطوف تختفي الحقيقة واذا غاب تغيب الحقيقة« اي ان الحقيقة في الحالتين هي الضحية.
يبدو ان »الحقيقة« باتت معروفة فيما يتعلق بالمفكر الشيخ شبلي العيسمي ابن الستة وثمانين عاماً الذي ولد في جبل العرب مع اندلاع الثورة السورية ضد الاستعمار الفرنسي عام ٥٢٩١، وكان والده يوسف العيسمي احد ابرز مجاهدي تلك الثورة.
انه خريج جامعات دمشق وباريس في التاريخ والفلسفة واحد ابرز مؤسسي حزب البعث الى جانب ميشال عفلق وصلاح البيطار واكرم الحوراني. وشاءت حقبات الانحدار العربي ان يجري اغتيال البيطار في باريس عام ٠٨٩١، ويغيب عفلق والحوراني في بغداد وعمان، ويجري اختطاف الرابع في وضح النهار في لبنان.
ليس الهدف ان نسوق الاتهامات عشوائياً او بحجة الانتقام من اي فريق، وهذا ما جعلنا نتريث ونؤجل كتابة اي كلام عن اختطاف هذا المفكر الجليل. هناك اسئلة تستحق ان نطرحها وننتظر اجوبة عليها، لان الاستاذ العيسمي لم يخطف لاسباب مالية كما قال السيد وئام وهاب لانه عاش زاهداً بالمال ووهب ما يملك من عقارات عديدة لاقاربه ومن غير الممكن ان يصبح من المرابين في العقد التاسع من عمره.
اما الذين قالوا من هو هذا العيسمي حتى يعطى كل هذه الاهمية، فقد اجبرونا على ان نعنون هذا المقال بعبارات الانحدار الاخلاقي والحضاري الذي يعبر عنه فريق التبخير والجهل بالواقع والتاريخ.
اننا نعيش مرحلة من الاضطرابات التي جعلت كلاً منا خائفاً على مصير لبنان وسوريا والمنطقة كلها. ولكن هذا لا يمنعنا من طرح الاسئلة بصراحة بعيداً عن الاتهامات والاحقاد.
قال الاستاذ وليد جنبلاط ان شبيحة نظام عربي مجاور قاموا باختطاف شبلي العيسمي. لا نعتقد ان الاستاذ جنبلاط يسوق اتهاماً عشوائياً ضد النظام السوري الذي لم يسمّه كما فعل بعض ضباط الأمن البارزين.
ان اتهام جنبلاط جدّي وخطير لانه يضع مسؤولية اختطاف العيسمي على نظام عربي مجاور، وعلى النظام المذكور اي النظام السوري ان يرد على الاتهام ويوضح الحقيقة عبر الدعوة الى تشكيل لجنة خاصة مشتركة من لبنانيين وسوريين لمعرفة حقيقة اختفاء العيسمي.
لن نقول ولن يقول احد ان رأس النظام في دمشق يتحمل مسؤولية الاختطاف. ولكن أليس من الممكن ان يكون ما جرى قرب عاليه خطيئة من الاخطاء التي ارتكبتها الاجهزة السورية في لبنان والتي اعترف الرئيس الاسد بحصولها في اكثر من خطاب له؟
اني اعتقد جازماً ان سعي المسؤولين السوريين الى كشف مصير العيسمي جدياً سيكون في مصلحة سوريا في هذه المرحلة، حيث يشعر المخلصون والحريصون على مصير ووحدة سوريا من اصدقاء ورفاق ومحبي شبلي العيسمي ان هذه الفترة الحرجة يجب ان تتوحد فيها الصفوف لا ان يُنتقم من شيخ جليل بسبب احتمال نشر مذكراته، كما ذكرت بعض المصادر.
لست أدري لماذا شعرت بالأسى وضعف أمل عودة العيسمي منذ اليوم الاول لاختطافه، واتمنى ان اكون مخطئاً بشعوري اللاواعي.
انه في السادسة والثمانين من العمر ونائب رئيس اسبق للجمهورية العربية السورية وامين عام مساعد لاكبر واهم حزب سياسي في التاريخ العربي القديم والحديث ومؤلف مجموعة كتب قومية وسياسية واجتماعية منها »العلمانية في الإسلام« الذي يعتبر اعمق وافضل ما كتب عن هذا الموضوع.
من العار - وما اكثر العار- ان يختفي احد عمالقة الفكر والنضال في حالة من عدم الاكتراث، وشكراً لنواب عاليه الذين رفعوا صوتهم وللاستاذ جنبلاط على جرأته الرصينة آملين ان لا يكون الحياء جفّ الى حدود اللاعودة.
نعم انه انحدار مخجل للاخلاق والحضارة... وسلام على الاستاذ شبلي أينما كان.
0 comments:
إرسال تعليق