ان المسيحيين السوريين مواطنون مثل غيرهم من ابناء الشعب السوري، لهم حقوق وعليهم واجبات. واذا كانت سوريا تمرّ بمحنة فعلى جميع السوريين ان يتحملوا ويواجهوا محنتهم من مسلمين ومسيحيين. وسقوط الشهداء والضحايا يشمل جميع فئات المجتمع السوري ومكوناته البشرية.
وبما ان الانتفاضات والتحركات العربية التي انفجرت هذا العام أثارت المخاوف والتحفظات من أطراف الأقليات الدينية والعرقية، فقد عززت أحداث سوريا ومحيط مدينة حمص خاصة هذه المخاوف والتحفظات. ولن نحاول هنا ان نساند طرفاً ونهاجم الآخر على غرار أهل السياسة في لبنان الذين يتناولون ما يجري في سوريا من منطلق مصالحهم السياسية لتحقيق طموحاتهم حتى ولو كانت على دماء ودموع أبناء الشعب السوري.
فقد زارت بعثة من رجال الدين المسيحيين اللبنانيين والاوروبيين برفقة مراسلين اوروبيين سوريا لايام عدة، وقاموا بتحريات ميدانية في الاماكن الساخنة مثل حمص وحماه وغيرهما. وبعد عودة الوفد الى بيروت، أعلنت الراهبة اغنس ماري صليب عبر شاشة تلفزيون »نورسات« وفي مؤتمر صحافي نهار السبت ٩١/١١/١١٠٢، ان البعثة التي قامت بجولة استطلاع الى سوريا تأكدت من مقتل ٤٦١ مواطناً مسيحياً في مدينة حمص وحدها خلال الاشهر الثلاثة الماضية... وقد نشرت صحيفة الاخبار اللبنانية وفي نفس التاريخ خبراً مفصلاً عن هذه الوقائع التي لا لبس فيها على الارجح.
كما ذكرنا، ان المسيحيين السوريين مثل غيرهم من المواطنين... ولكن الأسئلة كثرت وتعاظمت بعد إعلان هذه الحقائق. وعدد القتلى من المسيحيين في حمص يزيد عن الذين قتلوا من الاقباط في مصر خلال ٥٢ سنة.
ان نسبة المسيحيين في مدينة حمص هي حوالى عشرة بالمئة، وقد قدر عدد ضحايا الاحداث في المدينة وجوارها بنحو ٠٥٢ الى ٠٠٣ ضحية من منتصف آب الى منتصف تشرين الثاني اي خلال ٠٩ يوماً، ما يعني ان نسبة الضحايا من المسيحيين هي من ٠٥ الى ستين بالمئة، وهذه كارثة تهدد سمعة رافعي شعار الثورة والحرية والديمقراطية وتنذر بالمآسي وتثير الشكوك وتذكّر الكثيرين بالمخاوف التي صدرت عن غبطة البطريرك الراعي خلال زيارته العاصمة الفرنسية والتي لم تعجب البعض آنذاك.
ان سقوط هذه النسبة الكبيرة من أبناء طائفة محدودة العدد لا يمكن ان يكون صدفة لان نفوذ المتطرفين الاسلاميين في سوريا لا يقل عمّا هو في مصر... وهذا الكلام لا يطال جميع الفئات الاسلامية التي قد تكون باكثريتها المطلقة ضد هذه الجرائم التي تسيء الى سمعة سوريا ككل وسمعة الذين يحاولون إحداث التغيير.
نأمل ان لا تتهافت الفصائل السورية المعارضة المتمردة على تكذيب تقرير البعثة، لان الاخت اغنس معروفة بصدقها وتضحياتها وتعريض حياتها للمخاطر من اجل خدمة الناس والتخفيف عنهم ومن غير الممكن ان تكون غير شاهدة على الحق مع زملائها الذين لا غاية لهم سوى إظهار الحقيقة.
اذا كانت فصائل المعارضة السورية في الداخل او في الخارج تتمتع بالنوايا الحسنة والغيرة على الوطن وتمتلك الجرأة، فالواجب يدعوها الى الحفاظ على أرواح المواطنين ونبذ المجرمين المتطرفين، لان نكران ما جرى ويجري يزيد الطين بلّة ويشجع الفئة المجرمة على التمادي بجرائمها كما جرى في مصر.
اما اذا أصرّ المعارضون ومن يقف وراءهم على التنصل أو تحميل النظام مسؤولية ما جرى في حمص كما فعل حكام العراق الذين عيّنتهم اميركا بتحميلهم مسؤولية تهجير اكثر من نصف مليون مسيحي لصدام حسين ونظامه، فنحن حقاً امام كارثة. ولكننا نثق بالوعي الوطني للشعب السوري الذي لا يمكن ان يقبل بتدمير وطنه وتشويه تاريخه، والمسؤولية كبيرة على شخصيات المعارضة المعروفة بوطنيتها ونضالها لتبتعد عن هذه العصابات.
ونختم مقالنا بجزء صغير ننقله حرفياً من بيان الأم اغنس: »ان هناك تشويهاً كبيراً لحقيقة ما يجري من ارتكابات ومجازر بحق المواطنين. ولاننا كراهبات مطلعون على الوضع المسيحي من حولنا، فاننا نؤكد وقوع ٤٦١ قتيلاً من المسيحيين في حمص وحدها في الاشهر الثلاثة الماضية فقط... لقد أصررنا كأول وفد صحافي أجنبي يدخل المناطق الساخنة في سوريا على نقل الحقائق حيث وقف المسلحون وجهاً لوجه ضد رجال الامن والجيش لضرب هيبة الدولة... شاهدنا الجثث تُستباح وتُشوّه وتُرمى في الطرقات دون اي رحمة... باتت هذه المناطق بيئة حاضنة لمسلحين غير معروفين لديهم أسلحة متطورة وذخيرة كبيرة جداً...«.
0 comments:
إرسال تعليق