رغم الغموض الذي يحيط بتفاصيل الإتفاق الذي أعلنه في القاهرة رئيس الوزراء القطري/رئيس اللجنة العربية الشيخ حمد بن جاسم، مع أمين عام الجامعة العربية الدكتور نبيل العربي، بشأن الأوضاع في سوريا، فإن الآمال كبيرة جداً بنجاح هذه المبادرة العربية.
فهذه المبادرة هي الخيار الأفضل المتاح الآن أمام جميع الأطراف العربية والسورية، والبديل عنها هو مزيد من العنف وسفك الدماء وتهديد وحدة سوريا ومنطقة المشرق العربي كلها، إضافة إلى تشريع جميع الأبواب العربية أمام القوى الدولية والإقليمية الطامح بعضها لإعادة رسم خرائط المنطقة وإقامة دويلات طائفية ومذهبية وأثنية والسيطرة على مقدرات الأمة وثرواتها وإنهاء ظواهر المقاومة فيها لصالح مشاريع إسرائيلية وأجنبية.
الرابح في هذا الإتفاق هو سوريا أولاً، سوريا الوطن والشعب، قبل الحديث عن الحكم وأطراف المعارضة. الرابح في هذه المبادرة هو الأمة العربية المهددة بخيارين أحلاهما مر: خيار تقسيم الأوطان أو خيار تدويلها وجعلها تحت الوصاية والحماية الأجنبية من جديد.
ومن يتحدثون عن ضرورة "تغيير النظام" في سوريا عليهم أن يدركوا ما أكدته أطراف فاعلة من المعارضة الوطنية الداخلية السورية بأن النظام السياسي القديم في سوريا قد سقط عملياً وبأن لا عودة إلى ما قبل الحراك الشعبي الأخير. فسوريا الآن، وبموافقة من قيادتها الحالية، هي أمام مرحلة دستورية جديدة سينتهي فيها "حكم الحزب القائد" وسيكون متاحاً فيها للشعب السوري اختيار من يحكمه بحرية وبشفافية، وسيشهد المجتمع السوري حالة سياسية جديدة فيها تعددية حزبية وسياسية وإعلامية وإعادة اعتبار لحقوق المواطن دون المس بسيادة الوطن ووحدته.
إنّ الحل العربي المطروح الآن للأزمة السورية لا يستهدف الضغط على سوريا لتغيير مواقف وسياسات خارجية كانت وما زالت موضع ضغوطات "أطلسية" منذ مرحلة إدارة بوش والحروب الأميركية والإسرائيلية على العراق ولبنان وغزة. فالمبادرة العربية هي فقط من أجل إنقاذ سوريا والمنطقة العربية من مخاطر محدقة ومن احتمالات الحروب الأهلية والتدخلات العسكرية الأجنبية.
إنّ تنفيذ الإتفاق الآن هو مسؤولية الحكم والمعارضة معاً، خاصة في ظل أصوات محسوبة على أطراف المعارضة في الخارج ما زالت تدعو للتدخل الأجنبي وترفض الدور الذي تقوم به الجامعة العربية.
إنّ عواصم دول الحلف الأطلسي ستكون مستاءة حتماً (ضمناً أو علناً) من هذا الإتفاق الذي لا يرتبط بأي تعهدات بتغيير سياسات خارجية سارت عليها دمشق في العقد الماضي.
إن الخاسر بعد تنفيذ هذا الإتفاق سيكون كل من له مصلحة في تفتيت دول المنطقة وفي دفعها لمشاريع تقسيمية وتدويلية تبرر بدء مرحلة "الشرق الأوسط الجديد" الذي جرى ويجري العمل له منذ إدارة بوش. وسيكون في طليعة الخاسرين هو السعي الإسرائيلي المحموم لإشعال حروب طائفية ومذهبية تنهي أي حالة مقاومة لإسرائيل وتعطي الشرعية العربية والدولية للوجود الإسرائيلي كدولة يهودية في منطقة الدويلات الدينية المتصارعة.
0 comments:
إرسال تعليق