المشير .. الإخوان والسلفيون .. ومصر/ أنطوني ولسن

تمر مصر هذه الأيام بمحنة غاية في الخطورة سوف يتوقف عليها مستقبل مصر والشعب المصري ، ولربما المنطقة العربية كلها .
انتفض الشعب المصري بثورة لفتت إليه أنظار العالم كله وأثارت إعجاب الشعوب الحرة التي تعرف قيمة ومعنى أن يثور شعب ضد حكامه الطغاة ، الذين أزلوه طوال ما يقرب من ستة عقود حكمهم فيها ثلاثة حكام عسكريين أخرهم الرئيس السابق مبارك الذي حكم لمدة 30 عام كان فيها أكثر طغيانا وظلما من سابقيه . ولنا أن نتخيل كم هو صعب زحزحة مثل هذا الطاغية من مكانه بعد أن حكم وتحكم في الشعب المصري بأسلوب وطريقة غاية الغرابة بعد أن أمن نفسه ضد من ظن أنهم من سيقفون في وجهه من جماعة الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية الأخرى التي كانت لها اليد العليا في إغتيال سابقه الرئيس السادات . لكنه لم يفكر للحظة واحدة في عامة المصريين المسالمين الطيبين الذين أوكل بهم إلى تلك الجماعات يتعاملون معهم كيفما شاءوا . فأصبح لهم اليد العليا " تقريبا " إن جاز لنا القول على الغالبية العظمى من المصريين . وعاث هو وأسرته والمحيطين به من وزراء عينهم فسادا وإعتبروا مصر " عزبة " ورثوها أو أخذوها بوضع اليد والسلطة وورثوا كل ما عليها من أرض وثروات إن كانت طبيعية أو مملوكة للشعب وتم الإستيلاء عليها .
حاكم لم يعط أدنى الإهتمامات لمطالب شعبه . ولم يهتم لما كان يعانيه الشعب من سيطرت وتحكم رجاله الذين لم يكن لهم عمل سوى بيع مصر لكل من يشتري . وأصبح وأمسى هو ومن معه تجار وسماسرة لا حكام يعملون على رفعة مصر لتأخذ مكانها الذي تستحقه بين الأمم . ولنا أن نتخيل حاكم وصل به الأمر إلى هذا الحد من إهمال مصالح الشعب المصري وتركه ضائعا هائما على وجهه باحثا عن لقمة العيش ولو إضطر شبابه إلى ترك البلد معرضا نفسه للمخاطر في هجرة غير شرعية فتعرض للموت والإهانة وهو السيد الذي كان . فكيف له أن ينتفض بثورة مثل ثورته العظيمة التي قام بها في الخامس والعشرين من يناير هذا العام 2011 !!. كيف !! وهو الأعزل ولا ينتمي لا إلى مؤسسة عسكرية أو تنظيما سريا ، أو على إتفاق مع أي قوة خارجية حتى يقف تلك الوقفة دون خوف أو مهابة لا للحاكم ولا لزبانيته .
لو قارنا بين ثورة أو إنقلاب العسكر في 52 وثورة الشعب المصري في 2011 سنكتشف أشياء كثيرة عجيبة وغريبة وإن لم تكن هكذا بالنسبة للشعب المصري .
في 1952 عندما أعد الضباط الأحرار " الأشرار فيما بعد " خطتهم بعد وضع إحتمال نجاحها أو فشلها بتأمين رؤسهم فوضعوا في المقدمة اللواء محمد نجيب وإختفى من إختفى وكان لوجود حيدر باشا فضل كبير في إنجاح الخطة بعد أن كذب عليه الضابط عبد الحكيم عامر عندما سأله " حيدر " إن كانت توجد تحركات للجيش ضد الملك ، فنفى ذلك وخدع خاله المسؤل أمام الملك .
أما ثورة الشعب فلم تخدع أحد ، ولم تضع أحدا في المقدمة للتضحية به في حالة فشلها . بل وقف الجميع متماسكين متفقين مصممين على الرحيل .. رحيل الحاكم .
خرج شباب مصر رجالا ونساء ، مسلمين ومسيحيين في أسطورة سطرت حروفها بأحرف من النور والنار لتعلن للحاكم والعالم أجمع أنهم أحرار ولن يسمحوا لأحد إستعبادهم بعد ذلك وكانوا على أتم إستعداد للمواجهة والتضحية وليس كما فعل .. أنتم تعرفونهم دون شك .
التماسك والتكاتف بين شباب مصر وصمودهم هوالذي أبهر العالم الحر الذي رفع القبعة تحية تقدير وإحترام لهم .
حدث هذا على الرغم من أن مصر لم تكن على مدى العقود الطويلة لحكم العسكر متحدة أو متماسكة وأيضا لم تكن على قلب رجل واحد .
لقد إستخدم العسكر الفكرالإستعماري المعروف " فرق تسد " خير إستعمال فحدثت الفجوة بين أبناء شعب واحد . سمحوا بالتدخل الخارجي لمعتقدات وأفكار تتعارض مع طبيعة الشعب المصري السمحة . إنهار التعليم وأصبحت مصر بلا تعليم حقيقي يعمل على التقدم والرقي العلمي والأخلاقي مما تسبب في إنهيار القيم الأخلاقية إنهيارا يكاد أن يكون تاما إنقسمت مصر بين مسلم ومسيحي وسادت موجات من الكره بينهما غذته فضائيات من الطرفين كل منها تشحن مجموعته ضد عقيدة وإيمان الأخر . وأصبحت مصر عارية دون سياج الحب والمودة الذي كان يغطيها ويحميها من العواصف والزلازل والأعداء .
شعب لحقه العار بسبب حكامه الذين أوصلوه إلى هذا الدرك المخزي من فقر وجهل ومرض يموت فيه الإنسان عندما يقف في طابور طويل ليحصل على رغيف العيش . وتبيع المرأة شرفها في محاولة العيش حتى لو كان غير شريف .
ومع كل هذا وأكثر تحدث المعجزة وتعود الذاكرة إلى مصر في شبابها الذي على الرغم من نشأته في ذلك الجو الكريه والكاره للغير ويقف الجميع في وجه طاغية إعتمد على الداخلية في إذلال الشعب وبدلا ما كان شعارها " الشرطة في خدمة الشعب " أصبح شعارها " الشرطة في إذلال الشعب "
ويصر على مطلبه .. الرحيل .. الرحيل .
تحدث المواجهة ويحدث التصادم بين الشباب والملايين من الشعب المصري الذي بلغ ما يقرب من عشرين مليون شاب وشابة ، رجل وإمرأة ، طفل وطفلة بصحبة والديهم ويستخدم الحاكم نفوذه ويستشهد عشرات ويصاب ما يقرب من الألف مواطن شريف .. ومع ذلك لم يتنازل عن مطلبه .. الرحيل .. الرحيل .
تنزل فرق من القوات المسلحة للحفاظ على الأمن مع الشرطة وإن إتخذت طريقا مخالفا للشرطة بعدم إعتدائها على أحد .
يتم رضوخ الطاغية ويتخلى عن السلطة ويسلمها للمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي إستمرت علاقته بالثوار متواصلة حتى أصبح الشعب يردد .. الشعب والجيش إيد واحدة .ومن الطبيعي أن يكون الجيش ومجلسه الأعلى بقيادة سيادة المشير محمد حسين طنطاوي الحامي الأول بعد ذلك للثورة وشبابها وللشعب المصري .
ولكن .. وما أصعبها كلمة لكن هذه .. لا نعرف سببا واحدا مقنعا يدفع بفئة من الشعب أن تعمل على وئد الثورة في مهدها بعدما أثبتت وجودها على أرض الواقع المصري والعالمي المنبهر من قدرتها وتماسكها وتلاحمها في ملحمة إعجازية رغم ما كانت تعيشه مصر فوق صفيح نار ساخن من نفور بين أبناء وطن واحد إسمه مصر .
فئة قفزت على الثورة مرتدية عباءة الدين وأخذت تستقطب عمل الثوار وتنسبه لنفسها .
فئة إزداد نفوذها في الشارع المصري خاصة بعد أن لجأ إليها المجلس الأعلى للقوات المسلحة في حل المشاكل العنصرية المضطهدة والكارهة للغير للتدخل في أمور جنائية حدثت من مسلمين ضد مسيحيين دون اللجوء إلى القانون .
فئة سمح المجلس الأعلى للقوات المسلحة بعودة من كان هاربا أو مسجونا ليباشر أعمال التسلط والإرهاب لكل من يقف في طريقهم دون ردع أو عقاب من المسؤلين عن إدارة البلاد وهو المجلس الأعلى للقوات المسلحة وعلى رأسه سيادة المشير محمد حسين طنطاوي منفذا لهم طلباتهم دون تردد أو تفكير وكأنه سندهم وحاميهم مما أعاد مصر إلى غيبوبتها بعد أن إستيقظت على يد ثورة شبابها .
تعديلات دستورية .. لصالح تلك الفئة .. فتح مجال تكوين أحزاب جديدة وفي وقت سريع .. لصالح نفس الفئة أكثر مما هو لصالح أي فئة أخرى من الشعب .
كان المجلس صارما ضد كل من يوجه إليه إي إتهام حتى لو كان موجه الإتهام على حق . لكنه وديعا حنونا مع فئة الإخوان والسلفيين وغيرهم من الجماعات الإسلامية حتى لو هتفوا برحيل المشير نفسه ورحيل المجلس الأعلى للقوات المسلحة مهددين متوعدين بسوء العاقبة . ولهم حق في كل ما فعلوه ويفعلونه بعدما ظنوا أنهم وحدهم لهم السلطة والسلطان على كل فئات الشعب يكفرون من يشأوا ويفرضون فروضهم على من يشأوا من خلق الله وعلى المجلس الأعلى ، بل وعلى المشير نفسه " في جمعة مليونية المطلب الواحد " .
طار النوم من عيونهم من أجل كلمة واحدة جاءت في ميثاق الشرف للمباديء فوق الدستورية الذي أعده الدكتور السلمي نائب رئيس الوزراء ، والكلمة جاءت ضمن أول بند بها عن شكل الدولة المصرية القادمة والتي حددته الكلمة بـ " مدنية " . وأضافوا إليها بعضا من البنود الخاصة بالمجلس العسكري والجيش المصري .
بل نجدهم يتطاولون ويعتبرون أن يوم الجمعة 18 نوفمبر 2011 هو يوم الثورة الحقيقي . أي نفي ثورة الشباب التي قامت في 25 يناير من نفس العام 2011 ومسحها بـ " أستيكه " . فهل نلوم شباب الثورة الذي قدم تضحيات من أجل التخلص من دكتاتورية حاكم فرد إذا عاد إلى ميدان التحرير ليثبت وجوده وأنه صاحب الشرعية الثورية لا أحد غيره ؟؟؟!!!.
وهنا حدثت المصيبة الكبرى .. الشرطة الغائبة والمتغيبة عن حفظ الأمن وبث الأمان في قلوب الشعب المصري تخرج وتعتدي على الشعب المصري الذي خرج عن بكرة أبيه للوقوف مع شبابه يؤيده ويؤاذره في إعادة حقه كثائر ضد من يريد سرقة ثورته . ولم يكن الخروج في القاهرة وتحديدا في ميدان التحرير فقط بل كان في معظم المدن الرئيسية في جميع محافظات مصر . وسقط شهداء جدد بلغ عددهم 41 شهيدا وعدد المصابين تخطى الثلاثة آلاف مصاب . لن أتكلم عن الأسلوب الذي رأيناه على شاشات التلفزة في تعامل الشرطة مع الثوار لأنه شائن ومخزي .
عقد المجلس الأعلى للقوات المسلحة مؤتمرا صحفيا بحضور بعضا من أعضاءه . أسفر المؤتمر على أن موعد الإنتخابات لن يتغير وسيظل على ماكان محددا في يوم الإثنين 28 / 11/ 2011. ووعد بعدم إعتداء الشرطة على جموع المحتشدين سواء في ميدان التحرير أو في أي مكان في جميع أنحاء الجمهورية . وقد تم بالفعل إخلاء شارع محمد محمود والشوارع الجانبية المؤدية إلى وزارة الداخلية وبدأ تنظيف تلك الشوارع بالفعل .
أتوجه إلى سيادة المشير .. وإلى الإخوان والسلفيين كأقوى الفصائل الإسلامية أن يراعوا الله في مصر والشعب المصري الذي قاس الكثير .
وأتمنى على جميع فئات الشعب المصري الخروج للأقتراع والإدلاء بأصواتهم بكل أمانة وثقة لإختيار الصالح لإدارة شئون مصر والشعب المصري .
لأن يوم الإقتراع .. يكرم فيه الوطن أو يهان .

CONVERSATION

0 comments: